موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الأب د. ريمون جرجس الفرنسيسكاني
مقدّمة
تُعدّ الأسرار في اللاهوت الكاثوليكي أفعالًا إلهية تُمنح من خلال علامات حسية وكلمات مقدسة، تُعبّر عن نعمة الخلاص وتُجسّدها. وقد واجهت الكنيسة في العقود الأخيرة تحديات تتعلق بصحة بعض الاحتفالات الأسرارية، نتيجة لتعديلات غير مشروعة في الصيغ أو المواد أو النية. وجاءت رسالة "Gestis Verbisque" لتُعيد التأكيد على المبادئ الأساسية التي تضمن صحة الأسرار وفاعليتها، وتُوجّه الأساقفة والوزراء نحو ممارسة رعوية أمينة ومثمرة.
تتناول هذه الدراسة تحليلًا موسّعًا لرسالة "Gestis Verbisque" الصادرة عن دائرة عقيدة الإيمان في 3 شباط 2024، والتي صدرت في سياق رعوي ولاهوتي حساس، بعد تكرار حالات احتفال غير صحيح بالأسرار، لا سيما المعمودية، مما أثار إشكاليات قانونية وعقائدية عميقة. تهدف الرسالة إلى تقديم توجيه شامل للأساقفة والخدّام، من خلال تأصيل لاهوتي للأسرار، وتوضيح شروط صحتها، وتحديد مسؤولية الكنيسة في حفظها، مع التركيز على فنّ الاحتفال الليتورجي. وتُبرز هذه الدراسة المحاور الخمسة التي تناولتها الرسالة، من خلال قراءة لاهوتية وقانونية متكاملة، تُبرز التوازن بين السلطة الكنسية والأمانة للتقليد، وبين التنوع الليتورجي والتنظيم الطقسي.
ليس من قبيل المصادفة أن الرسالة تستند باستمرار إلى الوثائق الكنسية القائمة، وتحيل إليها بشكل مباشر؛ إذ تستدعي نصوصًا من العهد الجديد، ومن التراث الآبائي والوسيط (أمثال القديس أغسطينوس والقديس توما الأكويني)، كما تستند إلى تصريحات مجمع عقيدة الإيمان وتعاليم التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، فضلًا عن وثائق مجمع ترينتو ومجمع الفاتيكاني الثاني. كما تُستعرض تعاليم الباباوات، من لاون الثالث عشر إلى القديس بولس السادس، ومن القديس يوحنا بولس الثاني إلى بندكتس السادس عشر، وصولًا إلى البابا فرنسيس، الذي تُذكر له الرسالة العامة Laudato si (24 أيار 2015) والرسالة الرسولية Desiderio desideravi (29 حزيران 2022).
تجدر الإشارة إلى أن رسالة دائرة عقيدة الإيمان ليست أول تدخّل في هذا الشأن. فقد أصدر مجمع الأَسْرار والعبادة الإلهية تعليماته في رسالة Inaestimabile Donum بتاريخ 3 نيسان 1980، حيث ورد في البند الخامسة: "لا يجوز استخدام سوى الصلوات الإفخارستية المدرجة في كتاب القداس الروماني أو تلك التي اعترف بها الكرسي الرسولي قانونيًا، وفقًا للطرق والحدود التي يحددها". ومع ذلك، لم يكن هذا التحذير كافيًا، إذ استمرّت الانتهاكات في الانتشار، وتوالت التحذيرات في السنوات التالية.
في عام 1988، شعر البابا يُوحَنَّا بُولُس الثَّانِي بالحاجة إلى التأكيد على أنه "لا يمكننا التساهل مع قيام بعض الكهنة بتأليف صلوات إفخارستية من تلقاء أنفسهم". وبعد خمسة عشر عامًا، لم يكن مجمع العبادة الإلهية وتنظيم الأَسْرار قد تدخّل بعد. وفي 25 آذار 2004، صدرت تعليمات Redemptionis Sacramentum بشأن بعض الأمور التي يجب مراعاتها وتجنّبها في ما يتعلّق بالإفْخَارستيَّا المقدّسة.
وقد سبق للمجمع نفسه أن تدخّل في الموضوع ذاته عام 2020 من خلال ردّ رسمي موقّع من الكاردينال لاداريا والمونسنيور موراندي، مرفق برسالة عقائدية حول تعديل صيغة المعموديَّة، سبقتها صيغة "سؤال/جواب". وكانت المسألة آنذاك واضحة إلى درجة أنه من غير المفهوم لماذا لا يزال التدخّل في هذا الموضوع ضروريًا، ولماذا اضطرت دائرة عقيدة الإيمان إلى التدخّل بدلًا من دائرة العبادة الإلهية. وربما يكمن الجواب في البند الخامسة من الرسالة: "إنّ الغاية من هذه الرسالة تنطبق على الكَنِيسَة الكاثوليكيّة بأسِرْها. ومع ذلك، فإن الحجج اللاهوتية التي تستند إليها تنبع أحيانًا من تقاليد خاصة بالطقس اللاتينيّ. لذا، يُعهد إلى السينودس أو جمعية رؤساء كل كَنِيسَة كاثوليكيّة شرقية بتكييف التوجيهات الواردة في هذه الرسالة بما يتناسب مع لغتهم اللاهوتية الخاصة، حيث تختلف عن تلك المستخدمة في النص". وهنا تبرز تساؤلات مشروعة: أليست مادة وصيغة ونيّة الأَسْرار المقدّسة ذات طابع كوني؟ ألا ينبغي أن تكون موحّدة في الكَنِيسَة الجامعة؟
بعد صدور Traditionis Custodes(16 تموز 2021)، تساءل كثيرون عمّا إذا كان البابا فرنسيس سيقمع الانتهاكات الليتورجيَّة بشكل عام، أم أنه يركّز فقط على قمع القداس التقليدي. ويبدو أن الرسالة لم تكن تتعلّق باللَّيتورَجِيَا بقدر ما كانت تهدف إلى مواجهة تيارات لاهوتية معيّنة غالبًا ما ارتبطت بالمجموعات التي تروّج للقداس القديم.
إنّ مسألة صحّة الأَسْرار وخطر بطلانها في حال تحريف صيغتها كانت قد طُرحت بالفعل في الجلسة العامة للمجمع في كانون الثَّاني2022، كما ورد في مقدّمة الرسالة. فقد أشار النص إلى أن "التغييرات الجوهرية في مادة الأَسْرار أو صيغتها، والتي تؤدي إلى بطلان الِاحْتِفَال بها، استلزمت لاحقًا تتبّع الأشخاص المعنيين لإعادة طقس المعموديَّة أو التثبيت، بل وحتى إعادة الرسامة الكهنوتية للكهنة الذين تبيّن أنهم لم يُعمّدوا أصلًا، وبالتالي اكتُشف بطلان سيامتهم وجميع الأَسْرار التي احتفلوا بها حتى تلك اللحظة".
صدرت الرسالة "Gestis Verbisque" عن دائرة عقيدة الإيمان، وقد "تمت الموافقة عليها بالإجماع في 25 كانون الثاني 2024 من قِبل أعضاء الدائرة المجتمعين في الجمعية العامة"، ونالت موافقة البابا فرنسيس. ويمكن ترجمة العنوان"Gestis Verbisque"، إلى "بالأفعال والكلمات"، في إشارة إلى البنية الأساسية للأَسْرار التي تتضمن الأفعال المرتبطة بصيغ الطقوس.
في خطاب تقديم الرسالة، يشرح عميد دائرة عقيدة الإيمان، الكاردينال مانويل فيكتور فرنانديز، الدافع وراء إصدار هذه الرسالة، مشيرًا إلى أنه "في 29 حزيران 2022، أعرب الكرادلة والأساقفة أعضاء المجمع عن قلقهم إزاء تزايد الحالات التي ثبت فيها بطلان الأَسْرار المحتفل بها". وقد نشأت عن ذلك صعوبات جمّة، من بينها الحاجة إلى إعادة معموديَّة أو تثبيت بعض الأشخاص، بل وحتى إعادة تعميد من نالوا السيامة الكهنوتية بناءً على معموديَّة باطلة، مما يترتب عليه بطلان الأَسْرار التي مارسها هؤلاء الكهنة – باستثناء المعموديَّة نفسها. ويحذّر الكاردينال فرنانديز من أن "تغيير صيغة السِرْ أو مادته يُعدّ دومًا تصرفًا غير مشروع على نحو خطير، ويستوجب عقوبة مثالية، نظرًا لما قد تسببه هذه التصرفات التعسفية من ضرر جسيم لشعب الله الأمين".
أما المفتاح لفهم لاهوت البابا في رسالة Gestis Verbisque، فهو تركيزه على الإساءة الليتورجيَّة بوصفها شكلًا من أشكال التلاعب الإكليريكي. ففي مقدّمة الرسالة، يؤكّد الكاردينال فرنانديز أن الكهنة ليسوا "أصحاب الكَنِيسَة"، ويضيف: "رأس الكَنِيسَة، وبالتالي الرئيس الحقيقي للاحتفال، هو المسيح وحده". ويبدو أن عددًا قليلًا من الكهنة التقدّميين يدركون مدى خطورة التعدّي على طقوس الكَنِيسَة من تلقاء أنفسهم. وكما توضّح الرسالة، فإن للمؤمنين الحقّ في طقوس الكَنِيسَة، ولا ينبغي أن يُفرض عليهم إبداع كهنوتي شخصي. غير أن ما تفتقر إليه الرسالة هو الربط الواضح بين الإساءة الليتورجيَّة والانحراف العام عن الإيمان، فضلًا عن الأزمات الأخرى مثل الاعتداءات الجنسية من قِبل الإكليريكيين. ولا أقصد هنا أن التجاوزات الليتورجيَّة تخلق "فضائح" بالمعنى السطحي، بل إنّ النقص في النعمة الأَسْراريَّة الناتج عن هذه الإساءات يستدعي معالجة لاهوتية أعمق من روما، بوصفه سببًا مباشرًا للضيق الروحي الذي يخيّم على الكَنِيسَة، والذي تظهر أعراضه في كل مكان.
تمضي الرسالة بخطى متذبذبة بين التوجيه الأبوي المتساهل والتشدد الصارم. فمن جهة، تعترف بالحاجة إلى إيجاد حلول رعوية تتيح تجسيد الطقس بطريقة أكثر عمقًا مما يظهر في النصوص الليتورجية؛ ومن جهة أخرى، تلقي باللوم على «الخدام المرسومين» غير المتنبهين، معتبرة أن ضعف تكوينهم هو السبب في عدم قدرتهم على الاحتفال بالطقس كما ينبغي. ولمعالجة هذه المشكلة، تذكّر الرسالة الأساقفة ببعض العناصر ذات الطابع العقائدي، من أجل التمييز في مسألة صحة الاحتفال بالأسرار، مع الانتباه أيضًا إلى بعض الجوانب التأديبية والرعوية. كما توضح الرسالة في مقدمتها أن "الِاحْتِفَال الليتورجي، ولا سيما الِاحْتِفَال بالأَسْرار، لا يتم دائمًا بأمانة كاملة للطقوس التي تفرضها الكَنِيسَة". وقد استُشيرت دائرة عقيدة الإيمان مرارًا بشأن صحة الأَسْرار المحتفل بها، واضطُرت أحيانًا إلى إصدار ردود سلبية مؤلمة، خاصة في ما يتعلق بالمعموديَّة.
توضح الرِّسالة في مقدمتها أن "الِاحْتِفَال الليتورجي، ولا سيما الِاحْتِفَال بالأَسْرار، لا يتم دائمًا بأمانة كاملة للطقوس التي تفرضها الكَنِيسَة". وقد استُشيرت دائرة عقيدة الإيمان مرارًا بشأن صحة الأّسْرار المحتفل بها، واضطُرت أحيانًا إلى إصدار ردود سلبية مؤلمة، خاصة في ما يتعلق بالمعموديَّة؛ مثل حالات بعض الكهنة الذين اكتشفوا، بعد سنوات من الخدمة، أن معموديتهم قد أُجريت بطريقة غير صحيحة، مما أدى إلى بطلان جميع الأسرار التي تلقوها لاحقًا، وعلى وجه الخصوص الرسامة الكهنوتية، وبالتالي بطلان جميع "الأسرار" التي احتفلوا بها. إذًا، الرسالة تهدف إلى تقديم تأمل مزدوج الاتجاه: من جهة، مراجعة للماضي؛ ومن جهة أخرى، توجيه نحو المستقبل، حتى لا تتكرر مثل هذه الأفعال الفارغة، التي لا تُعد أسرارًا، بل تُعد — إن جاز التعبير باستخدام مصطلح يحمل طابعًا مأساويًا — تدنيسًا للمقدسات.
لهذا السبب، تهدف الرسالة إلى «مساعدة الأساقفة في مهمتهم كمروّجين وحماة للحياة الليتورجية في الكنائس الخاصة التي أُوكلت إليهم»، وذلك من خلال تقديم «بعض العناصر ذات الطابع العقائدي من أجل التمييز في مسألة صحة الاحتفال بالأسرار، مع الانتباه أيضًا إلى بعض الجوانب التنظيمية والرعوية» (رقم 4).
وتناولت الرسالة ثلاثة أقسام محددة في اللاهوت الأسراري:
في القسم الأول، تُقدّم الرسالة Gestis verbisque تأملًا عميقًا في العلاقة الجوهرية بين الكنيسة والأسرار، مؤكدة أن الكنيسة لا تُعرَّف فقط كمؤسسة تنظيمية أو جماعة إيمانية، بل ككيان يتكوّن ويتحقق من خلال الأسرار. فالكنيسة تولد من جنب المسيح، كما وُلدت حواء من جنب آدم، وتُصبح علامة وأداة للاتحاد مع الله ووحدة البشرية. الأسرار ليست طقوسًا ماضية، بل أحداث خلاصية حاضرة، يُحتفل بها عبر الزمن، ويكون المسيح فيها هو المحتفل الحقيقي. هذا البُعد الكوني يُعطي للأسرار طابعًا وجوديًا يجعلها محور حياة الكنيسة. وهكذا، تُعدّ الكنيسة سرًّا عالميًا للخلاص (راجع رقم 7)، لأن المسيح أسّسها من خلال تأسيس الأسرار. وإذا عدنا إلى المقارنة بين ولادة حواء وولادة الكنيسة، يمكننا أن نضيف أنه كما شكّل الله الإنسان الأول من تراب الأرض، وأصبح كائنًا حيًا عندما نُفخ فيه نسمة الحياة (راجع تكوين 2: 7)، كذلك شُكّلت الكنيسة من خلال تأسيس كل سرّ على يد المسيح، وبدأت حياتها يوم العنصرة بإرسال الروح القدس. والأسرار، فهي لا تنتمي إلى الماضي، بل تُحتفل بها في الكنيسة عبر التاريخ وحتى نهاية الزمن. وبما أن المسيح اتخذ الكنيسة عروسًا له، كما اتخذ آدم حواء، فإن الاثنين يُشكّلان جسدًا واحدًا. وفي كل احتفال أسراري، لا تحتفل الكنيسة فقط، بل يكون المسيح حاضرًا أيضًا، «حتى إنه عندما يُعمّد أحدهم، فالمسيح هو الذي يُعمّد» (المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور الليتورجي Sacrosanctum Concilium، رقم 22). ومن هنا نفهم أن الكنيسة، في الليتورجيا الأسرارية، تُحقق وتُظهر ما هي عليه: «علامة وأداة للاتحاد العميق مع الله ووحدة الجنس البشري بأسره» (رقم 7).
وانطلاقًا من هذا الأصل الإلهي الدائم للكنيسة، تختتم الرسالة المحور الأول بالإشارة إلى أن «تدخلات التعليم الرسمي في الشأن الأسراري كانت دائمًا مدفوعة بهَمّ جوهري يتمثل في الأمانة للسرّ المحتفل به. فالكنيسة، في الواقع، ملزمة بضمان أولوية فعل الله، والحفاظ على وحدة جسد المسيح في هذه الأفعال التي لا مثيل لها، لأنها مقدّسة بأسمى درجات القداسة، وتتمتع بفعالية مضمونة بفضل الفعل الكهنوتي للمسيح» (رقم 10).
وتوضّح الرسالة أن سلطة الكنيسة في تحديد عدد الأسرار وعناصرها ليست سلطة اعتباطية، بل خادمة، تُشبه سلطتها في تحديد قانون الكتاب المقدس. فالكنيسة، بمعونة الروح القدس، تتعرّف إلى العلامات التي يمنح من خلالها المسيح النعمة، وتُحدّد عددها وعناصرها الجوهرية، محافظةً على جوهر الخلاص الذي أودعه المسيح فيها. هذا التوازن بين السلطة والتواضع يُعبّر عن دور الكنيسة كعروس أمينة للمسيح، لا تتصرف من ذاتها، بل تنقل ما تسلّمته. ومن هنا، فإن أي تعديل في العناصر الجوهرية للأسرار يجب أن يتم ضمن إطار التقليد، وبإرشاد الروح القدس، وليس بناءً على أهواء فردية أو جماعية.
تؤكد الرسالة أن السلطة التي تمارسها الكنيسة على الأسرار تُشبه تلك التي تمارسها على الكتاب المقدس. «ففي هذا الأخير، تعترف الكنيسة بكلمة الله المكتوبة بإلهام من الروح القدس، وتُحدّد قانون الكتب المقدسة. لكنها في الوقت نفسه تخضع لهذه الكلمة، فتُصغي إليها بتقوى، وتحفظها بدقة، وتعرضها بأمانة» وبالمثل، فإن الكنيسة، بمعونة الروح القدس، تتعرّف إلى العلامات المقدسة التي يمنح المسيح من خلالها النعمة المنبثقة من الفصح، فتُحدّد عددها وتُبيّن، لكل منها، العناصر الجوهرية» (رقم 11). وفيما يتعلق بتحديد العلامة الأسرارية، تضيف الرسالة أن الكنيسة «تعلم، على وجه الخصوص، أن سلطتها في ما يخصّ الأسرار يجب أن تُفهم في ضوء جوهرها. فكما أن الكنيسة، في الكرازة، مدعوة دائمًا إلى إعلان إنجيل المسيح المصلوب والقائم من الموت بأمانة، كذلك في الأفعال الأسرارية، يجب أن تحفظ الأفعال الخلاصية التي أوكلها إليها يسوع» (رقم 11).
يعترف النص أيضًا بأن «الكنيسة لم تُحدّد دائمًا بشكل لا لبس فيه الأفعال والكلمات التي تُشكّل جوهر الأسرار». ومع ذلك، فإن العناصر التي يُعدّها التعليم الرسمي للكنيسة أساسية في جميع الأسرار، قد تم إبرازها من خلال الإصغاء إلى sensus fidei لدى شعب الله، وفي حوار مع اللاهوت، وهي ما يُطلق عليه المادة والصيغة، ويُضاف إليها نية الخادم» (رقم 12).
أما القسم الثاني من الرسالة Gestis verbisque، فيذكّر بأن «الكنيسة هي خادمة الأسرار، وليست مالكتها. إذ تحتفل بها، تنال هي نفسها النعمة، وتحفظها، وتُحفظ بها» (رقم 11). ينبغي إذًا طلب الأسرار من الكنيسة، التي تمتلك سلطة تنظيمها بموجب القانون، دون أن تستحوذ عليها أو تعتبرها ملكًا خاصًا. فللمؤمنين الحق في نيلها وفقًا للشروط التي يحددها القانون، وإذا كان الطالبون مستعدين بشكل صحيح، فلا يجوز للوزراء أن يرفضوا منحهم الأسرار (القانون 843، الفقرة 1). وباختصار، تُعدّ الأسرار أفعالًا قانونية حقيقية، تنشئ علاقات قانونية تتسم بحقوق وواجبات محددة ومنظمة، بحيث تأتي الطقوس في مرتبة لاحقة، ولا يمكن لها أن تؤثر على فعالية السر أو تعيقها. وبما أن الأمر يتعلق بأفعال قانونية، فإن المفاهيم المرتبطة بها مثل الشرعية، والصحة، والفعالية، يجب التعامل معها بدقة قانونية صارمة. فالشرعية تتعلق بالامتثال للشروط التي يحددها القانون، في حين أن الصحة ترتبط بوجود العناصر الأساسية التي تجعل الفعل قد تحقق فعليًا. أما الفعالية، فهي نتيجة للصحة وليست للشرعية. فالكنيسة تعترف بصحة الأسرار حتى وإن أُجريت بشكل غير شرعي. وهنا لا تستخدم اللاهوت والقانون مصطلحات متكافئة؛ فمصطلحات مثل: صحيح، مثبت، غير صحيح، باطل، لاغٍ، تشير إلى مفاهيم مختلفة. فالفعل القانوني الصحيح يكون دائمًا فعّالًا، حتى وإن كان غير شرعي؛ وعلى وجه الخصوص، فإن الأسرار التي تطبع طابعًا (أي تغيّر الوضع القانوني) تكون فعّالة دائمًا إذا كانت صحيحة. أما السر الذي يُحتفل به دون احترام الطقس المقرر، فهو غير شرعي، لكنه يظل صحيحًا إذا احتوى على العناصر الجوهرية التي يحددها القانون (وليس الطقس)، وبالتالي يكون فعّالًا. فالصيغ الطقسية — والأفعال المرتبطة بها — لا تُشكّل السر بحد ذاته، الذي يظل علامة على الشركة الكنسية عندما يُمنح وفقًا لنية الكنيسة. ولا يمكن إعلان بطلان السر إلا في حالات استثنائية، كما في الزواج، عندما يُثبت وجود إرادة صريحة من أحد الطرفين أو كليهما لاستبعاد الآثار الجوهرية لذلك الفعل. إن فعل «السر» يُشكّل علاقة قانونية بين من يطلبه ومن يمنحه باسم الكنيسة. فإذا لم يكن هذا الأخير ينوي حقًا الاحتفال بالسر المطلوب — فغيّر الصيغ أو استخدم مادة غير مناسبة — يكون قد ارتكب مخالفة جسيمة، يمكن أن تُعاقب بموجب القانون، لكن إذا كان المتلقي يجهل هذه المخالفة ويحافظ على نية سليمة، فإنه يتلقى السر بشكل صحيح. وسأعود إلى هذه النقطة لاحقًا. لكن قبل ذلك، أود أن أذكّر بالحالة الخاصة التي تميز سر المعمودية. فهو يُعدّ باب الأسرار، ولهذا يتمتع بافتراض قانوني خاص بالصحة. حتى إن أي شخص ذي نية سليمة يمكنه منحه. وأي شخص تعني أي شخص: حتى غير المعمّد. ولتحقيق النية السليمة المطلوبة، يكفي أن يرغب المعطي والمتلقي في تحقيق ما ترمز إليه الكنيسة من خلال المعمودية، أي الدخول في الشركة الكنسية. فالمعمودية تُدخل الإنسان في الكنيسة حتى عندما لا يتبع من يمنحها الطقوس والأفعال أو يستخدم المادة التي تحددها الكنيسة عادة. وفي حالة المعمودية، فإن القانون واسع جدًا لدرجة أنه يسمح بمنحها حتى لمن لا يستطيع طلبها، إذ إن الكنيسة الكاثوليكية تقبل معمودية الأطفال، بل حتى حديثي الولادة، الذين لا يستطيعون بالتأكيد التعبير عن الإيمان اللازم لكي يكون السر فعّالًا. وفي هذه الحالات، يُعوّض إيمان الكنيسة التي تستقبل المعمّد عن ذلك.
توضح الرسالة أن «مادة السر تتجسّد في الفعل البشري الذي يعمل من خلاله المسيح. وهي تتضمن أحيانًا عنصرًا ماديًا (كالماء، والخبز، والخمر، والزيت)، وأحيانًا أخرى فعلًا رمزيًا بليغًا (كعلامة الصليب، ووضع اليد، والغمر، والموافقة، والمسحة)». وهذه الجسدية تُعدّ «ضرورية لأنها تُرسّخ السر ليس فقط في التاريخ البشري، بل — على نحو أعمق — في النظام الرمزي للخليقة، وتعيده إلى سرّ تجسّد الكلمة والفداء الذي أتمّه». أما صيغة السر، فهي «تتكوّن من الكلمة، التي تمنح المادة معنىً متعاليًا، وتحوّل دلالتها العادية والمجردة إلى فعل يحمل بُعدًا روحيًا. وهذه الكلمة تستلهم دائمًا، بدرجات متفاوتة، من الكتاب المقدس، وتتجذّر في التقليد الحيّ للكنيسة، وقد تم تحديدها بسلطة من قبل التعليم الرسمي للكنيسة». وبناءً عليه، فإن المادة والصيغة «لم تكن يومًا — ولا يمكن أن تكون — خاضعة لإرادة الفرد أو الجماعة".
تُحدّد الرسالة ثلاثة شروط أساسية لصحة الاحتفال بالأسرار:1-المادة والصيغة: وهي العناصر الحسية واللفظية التي تُشكّل العلامة الأسرارية. وتُوضح الرسالة أن الكنيسة لم تُحدّد هذه العناصر بشكل اعتباطي، بل فعلت ذلك من منطلق الحفاظ على جوهر الأسرار، وبسلطة مستمدة من التقليد، وبانفتاح على عمل الروح القدس، من أجل التعبير الأمثل عن النعمة التي يمنحها السرّ فالمادة (كالماء في المعمودية أو الخبز والخمر في الإفخارستيا) والصيغة (الكلمات المحددة) تُعبّر عن النعمة وتُجسّدها (الأرقام 12–16). 2-يجب أن تكون لدى الخادم «النية في فعل ما تفعله الكنيسة على الأقل». وتُبرز الرسالة أيضًا الوحدة الجوهرية بين هذه العناصر الثلاثة، حيث «تندمج في الفعل الأسراري بطريقة تجعل النية هي العنصر الموحد للمادة والصيغة، فتُحوّلها إلى علامة مقدسة تُمنح من خلالها النعمة ex opere operato» ((رقم 18). وهكذا، تُعبّر العلامة الأسرارية عن نية الخادم، و«التعديل الجسيم في العناصر الجوهرية يُثير أيضًا شكًا في النية الحقيقية للخادم، مما يؤثر على صحة السرّ المحتفل به» (رقم 19). 3- تُشدّد الرسالة على أن المادة والصيغة والنية ليست عناصر منفصلة، بل تتكامل لتُشكّل الفعل الأسراري الكامل. وأي خلل جوهري في أحدها يُهدّد صحة السرّ، لا فقط شرعيته. مع التأكيد على أن الأمر لا يتعلق بـ«زينة» أو جانب شكلي للأسرار، ولا بمقدمة تعليمية للواقع الذي يتحقق، بل هو الحدث بكامله الذي يتم فيه اللقاء الشخصي والجماعي بين الله والإنسان، في المسيح وبالروح القدس» (رقم 20).
ويذكّر القسم الثالث من الرسالة Gestis verbisque بأن المسيح هو الفاعل الرئيسي في الأَسْرار، فهو الذي يفيض النعمة في النفوس، بينما الخادم يحتفل بالأسرار، بوصفه يعمل in persona Christi Capitis وin nomine Ecclesiae (راجع رقم 23). ويعمل فقط كأداة. وتعمل الكَنِيسَة مع المسيح كعروسه، ويعمل الكاهن باسم الكَنِيسَة، ولا يمكنه أن يحلّ محلّ المسيح أو الكَنِيسَة. ولهذا، يجب على الخادم أن يحترم اللَّيتورَجِيَا الأَسْراريَّة احترامًا دينيًا، إذ لا يملك سلطة تغييرها أو التصرّف فيها. ورغم ما تتسم به الرسالة من دقة لاهوتية، فإنها لا تغفل الإشارة إلى مصادر الانحرافات التي تسعى إلى معالجتها.
وتوضح الرسالة أن الاحتفال in persona Christi Capitis لا يمنح الخادم سلطة يُمارسها بشكل اعتباطي أثناء الاحتفال. فالمقصود بهذه العبارة أن المسيح هو المحتفل الحقيقي (راجع رقم 24). وإذا التزمنا باللاهوت المدرسي، يمكن القول إن الفاعل الأساسي هو المسيح، أما الخادم فهو فاعل أداة. ومن هنا، من الطبيعي أن تستمر الرسالة في تعليم أن سلطة الخادم هي خدمة (diaconia) (رقم 24). ويحتفل الخادم أيضًا باسم الكنيسة. وتُبيّن هذه الصيغة بوضوح أنه، بينما يُمثّل المسيح الرأس أمام جسده الذي هو الكنيسة، فإنه يُحضر أيضًا هذا الجسد، بل هذه العروس، أمام رأسها بوصفها الفاعل الكامل للاحتفال (رقم 25). وتخلص الرسالة إلى أن «الخادم يجب أن يُدرك أن فنّ الاحتفال الحقيقي (ars celebrandi) هو ذلك الذي يحترم ويُعلي من أولوية المسيح، ويُعزّز المشاركة الفاعلة للجماعة الليتورجية بأكملها، بما في ذلك من خلال الطاعة المتواضعة للقواعد الليتورجية» (رقم 26).
وتشير الرسالة بوضوح إلى أن الأَسْرار المقدّسة تكون باطلة ما لم تُحتفل بها وفقًا لمادتها وصيغتها الإلهيتين. كما تبيّن الرسالة (البند 27) أن هناك سوء فهم شائعًا يعتبر العناوين الليتورجيَّة مجرّد "آداب" تُتبع بشكل مرن، بدلًا من كونها "تنظيمًا روحيًا" عميقًا موجّهًا نحو المشاركة الكاملة للمؤمنين، الذين يُطلب منهم اتباعها بإخلاص. وهذا يعمّق فهمنا للأزمة، إذ إنّ ما هو أبعد من ملايين المؤمنين الذين نالوا أَسْرارا باطلة، هو الواقع الأوسع المتمثّل في إحباط حركة النعمة الفعالة بسبب كهنة تخلق تجاوزاتهم الليتورجيَّة عوائق أمام التفاعل الكامل مع القداس.
ويكتب بيترو بالازيني: "في ما يتعلّق بصحة المادة والصيغة، من الضروري التمييز بين التغيير الجوهري (الذي يُبطل السِرْ) والتغيير العرضي (الذي لا يُبطل السِرْ، وإن كان خاطئًا). ويُعدّ التغيير جوهريًا عندما يكون التعديل في المادة أو الصيغة كبيرًا إلى درجة تجعلها تُعدّ مادة أو صيغة أخرى. ويُقيّم هذا التغيير لا وفقًا لصيغ علمية، بل بحسب الفهم المشترك للمؤمنين الذين تلقّوا تعليمًا كافيًا في العقيدة. فالأَسْرار مُعطاة للجميع، ويجب أن تُقيّم عناصرها (المادة/الصيغة/النية) بمعيار يمكن للجميع إدراكه، لا أن يُحصر في طبقة معينة. ثمّ هناك تغيير عرضي عندما، على الرّغم من التّغيير الّذي تمّ تنفيذه، تظلّ المسألة (الشّكل والنّيّة الموضوعيّة) كما هي في الحكم العامّ، حتّى لو خالفها الشَّخْص الّذي تسبّب في حدوث تعديل عرضي إلى عدم احترام خطيئة بشكل خطيرٌ في مقارنًات الأَسْرار المقدّسة".
وتُشير الرسالة بالتنوّع الليتورجي كغنى روحي وثقافي، يحفظ الكنيسة من الرتابة والجمود (رقم 21). ولهذا، تحتضن الكنيسة في داخلها تنوّعًا واسعًا من الطقوس الليتورجية الأسرارية، وتسمح الطقوس نفسها ببعض التعديلات في الاحتفال بحسب الظروف. وبما أن الليتورجيا هي فعل الكنيسة، ولكي لا يُهدّد هذا التنوّع وحدة الكنيسة، وتُشدّد على أن تنظيم الليتورجيا هو من اختصاص الأسقف أو المجالس الأسقفية أو الكرسي الرسولي، باستثناء الحالات التي تُحدّدها الكتب الليتورجية صراحة»، وليس من حق الأفراد أو الجماعات أن يُغيّروا شكل الاحتفال من تلقاء أنفسهم. وتُحذّر الرسالة من أن مثل هذه التعديلات لا تُعدّ مجرد مخالفات طقسية، بل جراحًا تُصيب الشركة الكنسية، وقد تُفضي إلى بطلان السرّ ذاته، لأن الفعل الوزاري يتطلب أمانة في نقل ما تم استلامه.
ويركّز القسم الأخير على شخصية الخادم الذي يحتفل بالأسرار in persona Christi Capitis وin nomine Ecclesiae. وتُوضّح أن المسيح هو المحتفل الحقيقي، والخادم هو أداة في خدمته. كما يُحتفل باسم الكنيسة، التي تُحضر جسدها أمام رأسها بوصفها الفاعل الكامل للاحتفال. وهذا يُبرز البُعد الجماعي للأسرار، حيث لا يُحتفل بها بشكل فردي أو خاص، بل بوصفها فعلًا كنسيًا جماعيًا. وتُختتم الرسالة بالتأكيد على أن فنّ الاحتفال الحقيقي هو الذي يُعلي من أولوية المسيح، ويُعزّز المشاركة الفاعلة للجماعة، من خلال الطاعة المتواضعة للقواعد الليتورجية. ويُحمّل الوزراء مسؤولية خاصة في الحفاظ على جمال الاحتفال، وعدم تشويهه بفهم سطحي أو استغلاله لأغراض أيديولوجية.
ولا ينبغي للخادم، من خلال كلماته، أن يحجب جمال اللقاء مع المسيح، الذي يتحقق تحديدًا عبر الاحتفال بالسر. ويمكن في هذا السياق استحضار ما ورد في Evangelii gaudium بشأن العظة، حيث يُقال: «لا ينبغي للواعظ أن يحتل مساحة مفرطة، كي يسطع الرب أكثر من الخادم» (EG 138) فالمطلوب هو الاعتراف بالليتورجيا كمكان ملموس يواصل فيه المسيح بلا انقطاع بلوغ كل رجل وامرأة في حالتهم الوجودية؛ وفي هذا السياق المسيحاني، «تُبشّر الكنيسة وتُبشَّر بجمال الليتورجيا، التي هي أيضًا احتفال بالنشاط التبشيري ومصدر دافع متجدد للعطاء» (EG 24).ولكي يُفهم ما يحدث في الاحتفال بالأسرار فهمًا وجوديًا من قبل شعب الله بأسره، لا بد أن يكسر «أنا» الخادم رغبته في البروز، ليتسع في اتجاهين: نحو «أنا» المسيح، ونحو «نحن» الكنيسة. وتشرح رسالةGestis verbisque هذا الاتساع الأسراري للخادم من خلال صيغتين كلاسيكيتين تتعلقان بعمل الكاهن: in persona Christi وin nomine Ecclesiae. تشير الصيغة الأولى إلى حضور المسيح ذاته في المحتفلين؛ ومن هذا المنطلق، فإن الذين «بفضل النعمة الأسرارية، يتشكلون على صورة المسيح، ويشتركون في السلطان الذي به يقود ويقدّس شعبه، مدعوون في الليتورجيا وفي كامل الخدمة الرعوية إلى التمثل بنفس المنطق، إذ أقيموا رعاة لا ليتسلطوا على القطيع، بل ليخدموه على مثال المسيح، الراعي الصالح» (رقم 24). أما الصيغة الثانية، فترمز إلى أن المحتفل، في فعله، «يُحضر أمام رأسه هذا الجسد، بل هذه العروس، باعتبارها الفاعل الكامل للاحتفال، أي الشعب الكهنوتي بأسره، الذي يتحدث ويعمل الخادم باسمه» (رقم 25). ومن ثم، فإن الالتزام بالقواعد الليتورجية لا يُعدّ تشددًا رعويًا أو تمسكًا شكليًا، وهو الوجه الآخر للعالمية الروحية (كما ورد في Evangelii gaudium، التي تظهر في أولئك الذين يُظهرون «عناية مبالغًا فيها بالليتورجيا، والعقيدة، وهيبة الكنيسة» (EG 95)، بل هو، كما تشرح الرسالة، «اعتراف بأولوية المسيح والمشاركة الفاعلة لجميع الجماعة الليتورجية» (رقم 26)، وتجنّب لكل أشكال الخيال غير المنضبط، حتى وإن تمّ بدوافع رعوية سليمة. وعليه، فإن الرسالة لا تهدف إلى التركيز على قاعدة يجب الالتزام بها، بل إلى إبراز جمال الليتورجيا كمكان للتبشير وقداسة الخادم، الذي يُدعى في كل احتفال إلى توسيع «أنا»ه في «أنا» المسيح وفي «نحن» الكنيسة.
أخيراً، تُعدّ الرسالة Gestis verbisque لعقيدة الإيمان رسالة تعليمية، تُعيد التأكيد على المبادئ الجوهرية للاحتفال بالأسرار، وتُوازن بين الأمانة للتقليد والانفتاح على التنوع الرعوي. وتُحمّل الخدّام المقدّسين مسؤولية خاصة في الحفاظ على جمال الاحتفال المسيحي، وعدم تشويهه بفهم سطحي أو استغلاله لأغراض أيديولوجية، أيًا كانت. فالأسرار ليست أدوات تعليمية أو رموزًا ثقافية، بل هي أفعال خلاصية، يتجلّى فيها حضور المسيح الفعّال، وتُمنح فيها نعمة الله لشعبه. إن ما تُقدّمه هذه الرسالة ليس مجرد توجيه إداري أو تنظيمي، بل هو دعوة روحية ولاهوتية عميقة للعودة إلى جوهر الأسرار، بوصفها تعبيرًا عن حب الله المتجسد، وعمل المسيح المستمر في الكنيسة. وهي تذكير بأن الاحتفال بالأسرار ليس شأنًا خاصًا بالخادم أو الجماعة، بل هو فعل كنسي–إلهي، يتطلب أمانة في النية، ودقة في الشكل، وتواضعًا في الممارسة. وفي هذا السياق، تُصبح الطاعة الليتورجية ليست خضوعًا شكليًا، بل مشاركة في منطق التجسد، حيث الكلمة تصير فعلًا، والعلامة تصير نعمة، والاحتفال يصير لقاءً حيًّا مع الله. ومن هنا، فإن كل تعديل غير مشروع في المادة أو الصيغة أو النية لا يُعدّ فقط مخالفة قانونية، بل تشويهًا لوجه المسيح في الأسرار، وإضعافًا لفاعلية النعمة، وجرحًا لوحدة الكنيسة.