موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢ مايو / أيار ٢٠٢٥
نحو ميزانية دفاع كنسيّة: معركة إيمان في زمن الظلمة
التغيير.. هل هو ممكن، هل يحصل هذا التغيير؟ الرب يقول في الكتاب المقدّس: ها أنا أجعل كل شيء جديدًا. والقضية الآن في التغيير الذي نطمح إلى إحداثه في السطور المقبلة هو التغيير الروحاني، ثم التغيير النمطي والمؤسساتي الذي أحيانًا قد يُعيق الوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة. لذلك، نرغب في هذه السطور أن نبيّن أنّنا نريد تغييرًا حقيقيًا وإيجابيًا، ونريد أن نضيء شمعة بدل أن نجلس ونلعن الظلام، كما يّقال.

في هذه السطور نبث همنا المشترك في أن نخدم الكنيسة المقدّسة، وأن نخدم الإنسان المنتمي لها، بكلّ صدر رحب، وبكلّ محبّة أخويّة، وبكل قلب يغرف من قلب يسوع ويقدّم للقريب. والقريب هو كل إنسان، وكل محتاج، وكل من يطرق أبوابنا طلبًا – لا نقول للشفقة أو الرحمة، وإنما للمساندة والتشاركيّة التي ستكون مفتاحًا لحلّ لمشاكلنا ومعضلاتنا العديدة.

بقلم: فارس القبر المقدس مجدي بدر :

 

نحن بأمس الحاجة اليوم إلى ميزانية دفاع كنسية تُعد الأكبر والأقوى في التاريخ. ففي زمنٍ يغلي بالتيارات المضادة للمسيحية، وفي عالم يبتعد أكثر فأكثر عن نور الإنجيل، تبرز الحاجة الماسة إلى أن تعلن الكنيسة حالة طوارئ روحية عالمية.

 

نحن لا نواجه أزمة عابرة، بل معركة مصيرية تستهدف القلب النابض للإنسانية: الإيمان، الأسرة، والكرامة الإنسانية.

 

لهذا، بات من الضروري أن ترصد الكنيسة ميزانية دفاع هي الأقوى في تاريخها. ميزانية لا تُقاس بالأرقام، بل بالركوع والسجود. ميزانية لا تُصرف على الأسلحة، بل على نشر كلمة الله وإعادة إشعال نار الإيمان في القلوب.

 

حان وقت العودة إلى الجذور الكاثوليكية الأصيلة، واستعادة روح القيادة المسيحية التي صنعت قديسين ومبشرين غيروا وجه الأرض.

 

«وبَعدُ فتَقوَّوا في الرَّبِّ وفي قُدرَتِه العَزيزَة. تَسلَّحوا بِسِلاحِ الله لِتَستَطيعوا مُقاوَمةَ مَكايدِ إِبليس، فلَيسَ صِراعُنا مع اللَّحمَ والدَّم، بل مع أَصحابِ الرِّئاسةِ والسُّلْطانِ ووُلاةِ هذا العالَم، عالَمِ الظُّلُمات، والأَرواحِ الخَبيثةِ في السَّمَوات… أَقيموا كُلَّ حينٍ أَنواعَ الصَّلاةِ والدُّعاءِ في الرُّوح… عَسى أن أَجرُؤَ على التَّبْشيرِ بِه كما يَجِبُ أَن أَتَكَلَّم» (أفسس 6: 10–20)

 

الصلاة: الخط الأمامي في معركتنا الروحية

 

الصلاة هي السلاح الأول الذي به نحطم قلاع الظلمة. من دون الصلاة، نصبح كنيسة بلا نبض، وجسدًا بلا روح. الصلاة هي الهواء الذي تتنفسه الكنيسة، والحصن الذي يحميها من سهام العدو الملتهبة.

 

 

لماذا نحتاج الصلاة اليوم أكثر من أي وقت مضى؟

 

لأن الشر قد اجتاح الشوارع والعقول والشاشات، ولا يمكننا الانتصار عليه بأسلحة بشرية، بل فقط بقوة الروح القدس الذي نطلبه بتواضع بقوة بالصلاة.

 

 

كيف نفعّل قوة الصلاة؟

 

• بالقداس الإلهي الذي هو نبع النعم.

• بالعودة إلى تلاوة المسبحة الوردية يوميا.

• بالسجود أمام القربان الأقدس.

• بإقامة السهرات الروحية.

• بتعليم أولادنا أن الركوع أمام الله هو أسمى من كل نجاح دنيوي.

 

«اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف» (متى 26:41)

التبشير: نار لا بد أن تشتعل

 

نار تضيء ولا تحرق، بل تمنح الثقة والرجاء.

 

إن الكنيسة التي لا تبشر، تخون رسالتها. التبشير هو صرخة الحب التي يطلقها قلب المسيح للعالم عبرنا نحن. كيف نسكت والعالم يغرق في الظلام؟

 

لماذا نحتاج التبشير الآن؟

 

لأنّ الموت الروحي يحصد الملايين، ولأن صوت الحق يختفي تحت ركام الأكاذيب.

 

 

كيف نفعّل التبشير؟

 

• بأن نعيش الإنجيل قبل أن ننطق به.

• أن نحمل البشارة إلى بيوتنا وأعمالنا ومدارسنا.

• أن نطلق مبادرات رسولية جديدة بكل شجاعة وابتكار.

 

ألا نركز على طرق التبشير التقليدية، بل أن ننشر قيم الانجيل بقدوة حياتنا اليومية وبمثلنا الصالح.

 

«اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها» (مرقس 16:15)

التضامن الكنسي: أن نكون معًا أو لا نكون

 

لن تربح الكنيسة المعركة إذا ظلت مشتتة. فالروح الفردية عدوة الروح القدس. نحن جسد واحد، وأي تمزق يُضعف مقاومته.

 

 

لماذا نحتاج التضامن؟

 

لأن الوحدة تمنحنا القوة الروحية، وتجعلنا مرآة لمحبة الله.

 

 

وكيف نفعّل هذا التضامن؟

 

• بالصلاة المشتركة من أجل الوحدة.

• بتوحيد الجهود.

• بدعم الكنائس الفقيرة.

• بتكثيف اللقاءات والصلاة المشتركة.

 

«ليكون الجميع واحدًا» (يوحنا 17:21)

العناية بالدعوات المقدسة: نداء عاجل للجهاد الروحي

 

الكنيسة بلا كهنة كنيسة بلا أسرار.

 

الرهبانيات المزدهرة هي رئات تتنفس منها البشرية حبًا وقداسة. أزمة الدعوات هي أزمة صلاة وثقة بالرب.

 

لماذا نحتاج الدعوات؟

 

لأن الحصاد كثير، ولكن الفعلة قليلون.

 

 

كيف نعتني بالدعوات؟

 

• بالصلاة اليومية من أجل الدعوات.

• بالتشجيع الفردي للراغبين في التكرس.

• بتوفير بيئة إيمانية حاضنة للدعوات.

بدعم مادي للسمنيرات ومعاهد التنشئة .

 

«اطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده» (متى 9:38)

الدفاع عن الأسرة: تثبيت الحصون وبناء الأجيال

 

الأسرة المسيحية كنيسة بيتية مصغرة و مقدسة. تفكك الأسرة يعني انهيار المستقبل المسيحي.

 

 

لماذا الدفاع عن الأسرة ضرورة؟

 

لأن آخر معارك الشيطان ستدور حول العائلة.

 

 

كيف نحمي الأسرة؟

 

• بمرافقة الأزواج في مسيرتهم الروحية.

• بدعم الإنجاب والافتخار به.

• بتعزيز ثقافة الزواج المسيحي المتين.

 

«أما أنا وبيتي فنعبد الرب» (يشوع 24:15)

لماذا نحتاج التعليم الكاثوليكي؟

 

التعليم الكاثوليكي: معركة الوجود في زمن التيه

التعليم الكاثوليكي هو معركة وجود، خاصة في مناطق الحضور المسيحي القليل او المتراجع.

لأنه يصنع شهودًا للمسيح، لا حملة شهادات فقط.

 

 

كيف نفعّله؟

 

• بدعم المدارس ومراكز التنشئة الكاثوليكية

• بتشجيع الأهل على التعليم المسيحي لأولادهم.

• بإعداد معلمين مؤمنين وحاملين للرسالة.

 

«ربوا الأولاد على تأديب الرب وإنذاره» (أفسس 6:4)

ميزانية دفاع ونهضة كنسية من أجل الأرض المقدسة

 

عيوننا اليك ترحل كل يوم... إلى أين ترحل؟

 

إلى القدس، وإلى مقدساتها وتاريخها وحجارتها ورمزبتها، ككنيسة ام للكنائس كلها، وبالاخص للكنائس في الشرق، عبر جسر اتصال ودفاع بين كنائس الشرق، وكنأئس الغرب. لذلك نجد من الواحب علينا أن نتحرك ونسند أخوتنا وأخواتنا في الايمان، لكي لا يفقدوا أبدا الثقة بالمستقبل الآمن للأجيال القادمة... دعونا نرحل بعيوننا وقلوبنا من الرعية إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى الرسالة.

 

في قلب الأرض التي وطأتها أقدام المخلّص، تقف كنيسة القدس اليوم أمام مفترق طرق روحي وتربوي.

 

لا يمكننا بعد اليوم فصل الرعية عن المدرسة، ولا الكاهن عن المعلم. رعايانا بدون مدارس فقيرة، ومدارسنا بدون رعايا ضعيفة.

أزمة صامتة تهدد الحضور المسيحي

 

يتناقص عدد الطلاب المسيحيين في مدارسنا بسبب الانفصال بين المدرسة والحياة الرعوية. التعليم المسيحي في بعض الأماكن فقد روحه.

 

 

مدارسنا بحاجة إلى تحديث - لا في البناء فقط، بل في الرسالة

 

نحتاج إلى تجديد الروح، وليس فقط الترميمات.

كل طالب مسيحي له الحق أن يتعلم في مدرسة كاثوليكية تؤمن به وتؤمّن له التعليم وترافقه.

 

 

الرعية والمدرسة: جسد واحد بروح واحدة

 

يجب أن يُدمج التعليم بالحياة الروحية، وأن يُشرك الشبيبة في حياة الرعية، وأن يصبح الكاهن راعيًا تربويًا.

 

دعونا نكون كنيسة سلام ومحبة في الأرض المقدسة

 

مدارسنا ليست فقط لتعليم المناهج، بل لزرع ثقافة السلام والتربية على الحوار.

الفرح: قوة الإنجيل التي تمنح الرجاء

 

في خضم المعركة الروحية، نحن مدعوون أن نحمل فرح الإنجيل ككنز ثمين وسط عالم يتعطش للرجاء.

 

فالفرح المسيحي ليس شعورًا عابرًا، بل يقين ثابت بأن المسيح قد انتصر على الموت، وأن محبته أقوى من كل ظلمة.

 

 

كيف نعيش فرح الإنجيل  Evangelii Gaudium؟

 

• بالثقة اليومية بأن الرب يسير معنا في كل ظروف الحياة.

• بشهادة محبة تُضرم القلوب من حولنا.

• بزرع بذور الرجاء حيثما أرسلنا الله.

 

إن العمل الرسولي المثمر ينبت دومًا من قلب مملوء فرحًا ورجاءً.

 

لنجعل فرح الإنجيل مصدر طاقتنا، ولنحمله إلى الآخرين كنبع حياة لا ينضب.

 

«افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا» (فيلبي 4:4)

 

الرسالة واضحة: إيمان، تربية، صلاة، شراكة

 

نحن بحاجة إلى كنيسة حيّة، تعلّم وترافق وتبشّر وتصلي.

 

لنكن أبرشية قوية ومدارس متجذّرة في الإيمان.

 

دعوتنا الآن:

 

• لندخل كل طالب مسيحي إلى مدرسة كاثوليكية.

• لنحوّل المدارس إلى امتداد للمذبح.

• لنجعل من رعاتنا شركاء حقيقيين في التربية.

• لنجعل من مدارس القدس منارات نور في زمن الظلمة.

خاتمة: إما أن نحيا... أو نندثر

 

لقد بلغنا مفترق طرق مصيريًا:

إما أن ننهض ككنيسة مصلّية، مبشّرة، مدافعة عن الأسرة والتعليم،

أو أن نترك أنفسنا نذوب بصمت في ظلمات هذا العالم.

لم يعد أمامنا ترف الانتظار أو التردد.

الوقت الآن وقت الركوع الحقيقي أمام الله، واستعادة النار التي أضاءت قلوب الرسل والقديسين عبر القرون.

فلنعد إلى المذبح، إلى كلمة الله، إلى قوة الروح القدس.

ولننهض حاملين مشاعل البشارة، بلا خوف، بلا تردد، وبفرحٍ لا ينطفئ.

نعم، الأرض المقدسة تستحق.

نعم، أبناؤنا يستحقون مستقبلًا متجذرًا في الإيمان.

ونعم، الكنيسة -بقوة الروح القدس- قادرة أن تنهض من جديد،

قادرة أن تكون منارة خلاص لكل الأمم،

قادرة أن تبني ملكوت الله وسط عالم عطشان إلى النور والحب والحقيقة.

فلننهض معًا، بشجاعة الذين يعرفون أن المسيح قد غلب العالم.