موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لطالما انتظر محبو قلب يسوع الأقدس هذا اليوم بفارغ الصبر، حيث يُصادف اليوم مرور 350 عامًا لأهم ظهورات يسوع للقديسة مارغريت ماري ألاكوك، حيث كشف لها أسرار قلبه، وطلب تخصيص ما سيُصبح "عيد قلب يسوع الأقدس".
حدث ذلك في 16 حزيران 1675. كانت القديسة مارغريت تُصلّي قرب القربان الأقدس في دير راهبات الزيارة في باراي لو مونيال، فرنسا. ظهر لها يسوع -الذي دونته لاحقًا بناءً على طلب القديس كلود لا كولومبيير، مرشدها الروحي- فوق المذبح، وأشار إلى قلبه، وقال:
"انظري إلى القلب الذي أحبّ الناس حبًا جمًّا حتى أنه لم يبخل بشيء، وأنهك نفسه وبذل نفسه ليشهد على حبه. ورغم ذلك، لا أتلقى من معظم الناس إلا جحودًا، بقلة احترامهم وانتهاكهم للمقدسات، وببرودهم واحتقارهم لي في سرّ الحب هذا. لكن ما يؤلمني أكثر هو أن القلوب المكرسة لي تعاملني بهذه الطريقة".
"أطلب أن يتم تخصيص يوم الجمعة بعد عيد جسد الرّب لتكريم قلبي، وذلك بتناول القربان الأقدس في ذلك اليوم، وتلاوة فعل توبة تعويضًا عن الإهانات التي تلقيتها. أعدكم بأنّ قلبي سيفيض ليُلقي بوفرة محبته الإلهيّة على أولئك الذين من سيُكرِّمونه".
لكن هناك الكثير مما يجب سبر أغواره.
ما كشفه يسوع لراهبة الزيارة الشابة كان تتويجًا لقرون من التفاني لابن الله الأزلي، الذي اتخذ إنسانيتنا وأحبنا بنار إلهيّة وبشريّة. فعلى مرّ القرون، تركّز التفاني أولًا على تبجيل جروحات يسوع المقدّسة الخمسة التي كشفت عن إنسانيته وحبّه العظيم لنا. وتركّز في النهاية على جنب يسوع الذي طعن برمح قائد المئة على جبل الجلجثة، وخرج منه دم وماء.
ابتداءً من 27 كانون الأوّل 1673، ظهر يسوع للقديسة مارغريت وطلب منها أن تضع رأسها على قلبه كما فعل القديس يوحنا في العشاء الأخير. وكشف أنه لم يعد قادرًا على كبح جماح حبه لها أو للبشريّة، وكشف أنه يُريد أن يفيض كنوز حبّه من خلالها علينا جميعًا.
لقد انتزع قلبها من داخلها سرًّا، وغمره في قلبه، وأعاده طاهرًا ومشتعلًا. وهكذا أصبح بإمكان القديسة مارغريت أن تشعر بجرح يسوع المطعون، وخاصةً في أول جمعة من كل شهر، وهو اليوم الذي طلب منها فيه أن تُعزيه بقبوله في الإفخارستيا، وأن تُعدّ لذلك بإقامة ساعة سجود أمام القربان الأقدس في الساعة الحادية عشرة مساءً من الليلة السابقة.
بعد حوالي ثمانية عشر شهرًا، في 16 حزيران، بنى يسوع على هذا الاستعداد. عرّف بوضوح المحبّة الإلهيّة والبشريّة التي تنبض في إنسانيته المقدّسة بسر حضوره الحقيقي في القربان الأقدس، ما أسماه "سرّ المحبة"، أي العلامة المرئية الفعّالة على حُبّه لنا حبًا كاملًا. وقد استخدم البابا بندكتس السادس عشر هذا التعبير، "سرّ المحبّة"، عنوانًا مناسبًا لإرشاده الرسولي عام 2006 حول القربان الأقدس.
إنّ حزن يسوع مردّه أن معظم الناس لم يبادلوه محبّته. فقد بذل نفسه بالكامل شهادةً على هذه المحبّة في خميس الأسرار وجمعة الآلام العظيمة، ومن ثمّ على مذابح وفي بيوت القربان الأقدس بالكنائس. إلا أنّ غالبية الناس عاملوه، كما قال، بقلة تقدير واحترام ومحبّة وقداسة وثناء. وأشار أيضًا إلى أنّ بعض المكرسين له، سواء بسرّ المعموديّة أو الرسامات المقدّسة، يُهملونه بهذه الطريقة. وما تحدّث عنه يسوع لا يزال لغاية اليوم؛ جحود، لامبالاة، عدم احترام، تدنيس، وازدراء في العالم والكنيسة اليوم.
قبل 350 عامًا، كشف يسوع للقديسة مارغريت ألاكوك أنه ليس غير مبالٍ بالطريقة التي نعامله بها في القربان الأقدس. فهو لا يزال يتألم بالفعل في إنسانيته المقدسة. وأوضح أنّ هذا الألم يكون أشد عندما لا يعامله المكرسون بالمحبّة والقداسة والتقوى والثناء والطهارة التي يستحقها.
أراد يسوع أن يتم الاحتفال بعيد قلبه الأقدس بالتزامن مع عيد جسده ودمه.
عندما ظهر للقديسة مارغريت، كان يُحتفل بعيد جسد الرب دائمًا في الخميس الذي يلي أحد الثالوث الأقدس. وكما هو الحال في معظم الأعياد الرئيسية في التقويم الليتورجي القديم، كان يُحتفل به لثمانيّة أيام، ويُختتم يوم الخميس الذي يليه. وكان عيد قلب يسوع يُحتفل به في اليوم التالي. ولا يزال لدينا الرابط الليتورجي بين العيدين، حتى بعد انتقال عيد جسد الرّب إلى الأحد الذي التالي.
ولفهم قلب يسوع الأقدس، علينا ربطه بجسد يسوع ودمه. بالتالي، فإنّ أفضل طريقة لتكريم القلب الأقدس ليست من خلال تمثال أو لوحة أو ترنيمة أو دعاء: بل من خلال طريقة تعاملنا مع يسوع في الإفخارستيا، ليس فقط في عيد القلب الأقدس، أو في أول جمعة من الشهر، أو من خلال سهرات توبة وتعويض في أول جمعة من الشهر، بل بشكل روتيني.
وللأشخاص الذين يعاملونه بمحبّة وإخلاص وتفانٍ، يُقدّم يسوع وعدًا استثنائيًا: أن يُفيض محبته الإلهيّة على كل من يحبه في سرّ محبته العظيم. في الذكرى الـ350 لوعده، فلنلتزم بالتوبة والتعويض عن جحودنا برفع الشكر (الإفخارستيا باللغة اليونانية)، وعدم احترامنا بتفانينا، ولامبالاتنا بحماسنا، وانتهاكاتنا للمقدسات بقداستنا، وازدرائنا بمحبتنا المُضحية.