موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في بادرة تحمل أبعادًا روحية وإنسانية عميقة، استقبلت بلدة الطيبة صباح الأحد الكاردينال جان مارك أفلين، رئيس أساقفة مرسيليا ورئيس مجلس أساقفة فرنسا، في زيارة رعوية إلى كنيسة المسيح الفادي للاتين، حيث ترأس القداس الإلهي، أعقبه لقاء مفتوح مع أبناء الرعية والمؤمنين.
وتأتي هذه الزيارة في وقت حساس تمرّ به الكنيسة المحلية في فلسطين، وسط تحديات متزايدة تطال الوجود المسيحي، وتنعكس على حياة المؤمنين وممتلكاتهم. وتحمل زيارة الكاردينال أبعادًا تضامنية واضحة، تعكس التزام الكنيسة العالمية بالوقوف إلى جانب المجتمعات المسيحية في الأرض المقدسة، لا سيما في وجه الاعتداءات التي طالت بلدة الطيبة مؤخرًا.
كان في استقبال الكاردينال أفلين والوفد المرافق له، البطريرك المتقاعد ميشيل صبّاح، وكاهن رعيّة المسيح الفادي الأب بشار فواضله، وأمين سرّ بطريركية القدس للاتين الأب ديفيد دافيدي ميلي، والرهبانيات العاملة في الطيبة، إلى جانب رئيس البلدية سليمان خورية وعدد من أعضاء المجلس الرعوي وأبناء البلدة، الذين رحبوا بالوفد وقدموا له لمحة عن واقع الطيبة والتحديات التي تواجه المجتمع المسيحي فيها.
ورافق الكاردينال في الزيارة كل من المطران بنوا بيرتران، أسقف بونتواز، والمطران فانسان جوردي، رئيس أساقفة تور، والأب كريستوف ليزور، الأمين العام، والسيدة كانديس كاستلين، مسؤولة التواصل، والأب رومان لوج من أبرشية مرسيليا. وشملت الزيارة لقاءات مع قادة الكنائس المحلية، ورئيس البلدية، وحوارات مفتوحة مع الأهالي حول واقع التحديات والعيش المشترك في الطيبة.
ويُعدّ الكاردينال أفلين من أبرز روّاد الحوار بين الأديان في أوروبا، وقد كرّس سنوات طويلة من خدمته لتعزيز التفاهم بين المسيحية والإسلام، خصوصًا في مدينة مرسيليا التي تحتضن تنوعًا دينيًا واسعًا. وتأتي زيارته إلى الطيبة في هذا السياق أيضًا، كدعوة صامتة ولكن قوية إلى احترام التعددية الدينية، ونبذ كل أشكال العنف أو التعدي التي تمسّ العلاقات بين أبناء المجتمع الواحد.
وفي هذا السياق، أكدت البطريركية اللاتينية في القدس أن حماية الكرامة الإنسانية والممتلكات هي مسؤولية جماعية، تقع في جوهر رسالة الكنيسة، كما أنها مسؤولية الجهات الرسمية التي يقع على عاتقها فرض القانون وضمان أمن المواطنين دون تمييز. وتدعو إلى تعزيز ثقافة الاحترام المتبادل والعيش المشترك، بعيدًا عن كل أشكال العنف أو التهميش.
الكاردينال أفلين، المعروف بمواقفه المنفتحة والداعمة للمهمّشين، يحمل في زيارته رسالة رجاء وأخوّة، ويجسّد من خلال حضوره قرب الكنيسة العالمية من فلسطين، ومن الطيبة تحديدًا، التي لطالما شكّلت نموذجًا للتماسك الروحي والاجتماعي رغم التحديات.
وتأمل الرعية أن تكون هذه الزيارة مناسبة لتجديد الالتزام الكنسي تجاه العدالة والسلام، ولتعزيز الحوار البنّاء بين مكوّنات المجتمع، انطلاقًا من القيم الإنجيلية التي تدعو إلى المحبة والرحمة والحق.
وقال الكاردينال في كلمته: "أود أولاً أن أشكركم على حفاوة الاستقبال منذ لحظة وصولنا. منذ مغادرتنا فرنسا أمس، كنا نتوق إلى هذه اللحظة". وأشار إلى الروح المسكونية التي تسود بين مختلف الطوائف المسيحية في الطيبة، مؤكداً تقديره للتعاون الطويل بين الكنائس، واهتمام أبناء البلدة بجيرانهم المسلمين.
وأوضح الكاردينال جان-مارك أفلين أنه أبلغ البابا قبل سفره إلى فلسطين بنيته زيارة الطيبة والمشاركة في القداس مع المؤمنين. وأضاف أفلين أن البابا يتابع عن كثب الأوضاع في كل من غزة والضفة الغربية، وأنه مطلع بشكل خاص على ظروف الطيبة، معبراً عن تقديره العميق لصمود سكان البلدة وإيمانهم الراسخ. وقال أفلين إن رسالة البابا تضمنت كلمات تشجيع ومحبة، وأكدت امتنانه لشهادة أبناء البلدة الحية وإصرارهم على الحفاظ على حضورهم المسيحي في الأرض المقدسة.
وشدد الكاردينال على أن هذه الزيارة تأتي في سياق دعم فرنسا للمجتمع المسيحي في فلسطين، وحرصها على أن يكون صوت الكنيسة مسموعاً في نقل الواقع الذي يعيشه الأهالي، لا سيما في مواجهة التحديات اليومية. وختم كلمته بالقول: "بدأنا القداس بكلمات المسيح القائم من بين الأموات، وهي نفسها التي أشار إليها البابا فرنسيس عند ظهوره لأول مرة بعد انتخابه. نشكر الله على نعمة هذا اللقاء، ونصلي من أجل أن يقوّي الرجاء في قلوبكم بالعدل والسلام".
من جانبه رحب الأب بشار فواضله، بالكاردينال أفلين والوفد المرافق، مستعرضًا آخر التطورات التي تشهدها البلدة. وأوضح الأب فواضله أن الطيبة تعرضت في الفترة الأخيرة لعدة اعتداءات من قبل المستوطنين طالت الممتلكات وأرهبت السكان، لكنه أكد أن المجتمع المسيحي لا يزال صامدًا في مواجهة هذه التحديات.
وأشار الأب فواضله إلى الجهود المستمرة التي تبذلها الكنيسة المحلية للحفاظ على الوجود المسيحي في مهد المسيحية فلسطين، من خلال تنظيم الأنشطة والفعاليات الهادفة، وخلق فرص عمل للشباب، ودعم مشاريع تنموية كبرنامج الإسكان المحلي، الذي يساهم في تثبيت العائلات وتشجيعها على البقاء في الطيبة.
وقال الأب فواضله: "إن واجبنا ككنيسة هو أن نكون مع أهلنا في كل الظروف، وأن نضمن أن تبقى الطيبة مكانًا حيًّا للمسيحية، يحافظ على تراثه الروحي والثقافي، ويقدم الأمل للأجيال القادمة". وأضاف: "زيارتكم اليوم ليست مجرد لقاء روحي، بل هي دعم معنوي كبير لكل من يعيش هنا، وتأكيد على أن صوتنا مسموع وأن قلوبكم معنا في هذه الأرض المباركة".