موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٦ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاردينال بيتسابالا: نحن بحاجة إلى لغة جديدة وشهود جدد لبناء سردية السلام
يتحدث بطريرك القدس للاتين عن اللحظة التاريخية التي تعيشها الأرض المقدّسة عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحماس، ويؤكد: «لدينا واجب تجاه جماعاتنا - لمساعدتهم على النظر إلى الأمام، بطريقة إيجابية وهادئة، نحو مستقبل مختلف».

ترجمة موقع أبونا :

 

تطرّق بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى مواضيع عدّة خلال استضافته يوم الأربعاء 15 تشرين الأول 2025 في استوديوهات إذاعة الفاتيكان، من بينها الآمال في بناء سلام دائم في الأرض المقدّسة، والصعوبات في غزّة والضفة الغربية، وروح الجماعة التي عبّرت عنها التظاهرات الشعبية التي جمعت الناس باسم كرامة الإنسان.

 

وتحدّث الكاردينال عن "هدنة هشّة"، لكنه أشار أيضًا إلى الأمل المشترك بين الإسرائيليين والفلسطينيين بأنّ ما يحدث ليس مجرّد "استراحة مؤقتة"، بل بداية لمرحلة جديدة يمكن فيها أن تُستأنف الحياة من منظور مختلف - منظور لا يقوم على الحرب والعنف.

 

 

أنتم موجودون في روما لتسلّم جائزة -جائزة أكيلي سيلفستريني- التي ستُمنح اليوم للأب جبرائيل رومانيلّي، كاهن رعيّة العائلة المقدّسة في غزّة. ما هو وضع المسيحيين في تلك الجماعة الذين قرّروا البقاء في مثل هذه الظروف الصعبة؟

 

نحن على تواصل يومي معهم. يكتبون باستمرار أنهم لا يزالون غير قادرين على تصديق أنهم تمكنوا من النوم طوال الليل من دون سماع أصوات القنابل. لا تزال هناك طائرات مسيّرة، لكنهم اعتادوا عليها منذ سنوات. بخلاف ذلك، يبقى الوضع متقلّبًا جدًا. وكما هو معروف، كانت هناك اشتباكات بين فصائل مختلفة، لكن كل هذا كان متوقّعًا بسبب تعليق الحرب -فنحن لا نزال لا نعرف ما إذا كانت قد انتهت فعلاً- والمراحل التالية لا تزال غير مؤكدة، وغير واضحة، وملتبسة.

 

كل شيء يحتاج إلى إعادة بناء، إلى تنظيم، وكان -ولا يزال- من المتوقّع أن تكون هناك فترات صعود وهبوط. لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله. الوضع يبقى مأساويًا لأن كل شيء مدمَّر. الناس يعودون، لكنهم يعودون إلى الخراب. المستشفيات لا تعمل، والمدارس غير موجودة. ولا يزال هناك موضوع جثامين الرهائن الإسرائيليين القتلى الذين يجب استرجاعهم. وهذا ليس أمرًا بسيطًا، لأن أماكن هذه الجثث غالبًا ما فُقدت وسط الفوضى التي حدثت. انعدام الثقة بين الأطراف لا يزال مرتفعًا. ومع ذلك، على الرغم من كل هذا، هناك جوّ جديد - لا يزال هشًّا، لكننا نأمل أن يصبح أكثر استقرارًا.

 

 

كيف يمكن، في هذا السياق التاريخي والعاطفي، بناء الرجاء والأخوّة؟

 

أولاً، الأمر يحتاج إلى وقت. يجب ألا نخلط بين الرجاء والحلّ للنزاع، لأن النزاع لم تتمّ تسويته بعد. نهاية الحرب ليست بداية السلام، كما أنها ليست نهاية الصراع. يجب أن نُبقي كل هذه الجوانب في أذهاننا. ومع ذلك، فهي بطبيعة الحال الخطوة الأولى.

 

الرجاء، كما أقول دائمًا، هو ابنة الإيمان. إذا كان قلبك يثق، يمكنه أن يجعل الأمور التي يؤمن بها واقعية. لذلك، يجب أن نعمل أولاً على هذا -مع أولئك الذين ما زالوا يرغبون في الانخراط من جديد- من أجل خلق هذه الشبكة، سواء داخل غزّة أو خارجها، لأننا لا يجب أن نفصل بين جانبي الحدود. يجب أن نبني الأخوّة.

 

أعتقد أن هناك حاجة إلى قيادة سياسية جديدة، ولكن أيضًا قيادة دينية. هذا أمر مهم جدًا، وقد بدأنا بالفعل بإجراء الاتصالات. نحن بحاجة إلى وجوه جديدة، شخصيات جديدة يمكنها أن تساعد في إعادة بناء سردية مختلفة، تقوم على الاحترام المتبادل. سيستغرق ذلك وقتًا طويلاً، لأن الجروح عميقة، ولكن يجب ألا نيأس.

 

لذلك، لا يزال هناك رجاء في بناء سلام دائم، حتى وإن كنّا الآن في الخطوات الأولى فقط. يجب، قبل كل شيء، أن نؤمن به - أن نرغب به. ستكون المدّة طويلة، ويجب ألا نخدع أنفسنا بالاعتقاد بأن ذلك سيحدث قريبًا. كما يجب أن نضع في اعتبارنا إخفاقات الاتفاقات السابقة - الإخفاقات الكثيرة التي قوّضت الثقة بين الأطراف بعمق. ستكون هناك مراحل عدّة.

 

وأعتقد أن الجيل القادم ربما سيحظى بحرية لا يمتلكها هذا الجيل. ولكن مهمّة هذا الجيل هي إعداد الجيل التالي. لذلك، شيئًا فشيئًا، يجب أن نُنشئ الأسس والظروف، بوجوه جديدة وقيادات جديدة، وقبل كل شيء، أن نخلق بيئات تُنمّي تدريجيًا ثقافة الاحترام، والتي ستجلب بدورها السلام.

 

 

ما هي الآمال الملموسة لهذا الجيل، وللأشخاص الذين تلتقي بهم يوميًا في القدس أو في أماكن أخرى؟

 

في هذه اللحظة، نحن في مرحلة جديدة لا تزال هشّة.

 

نحن نخرج من عامين رهيبين. الأمل هو أن نكون قد وصلنا إلى نهاية هذين العامين - وليس إلى مجرّد توقف مؤقت. هذا الأمل يشترك فيه الجميع، إسرائيليون وفلسطينيون على حدّ سواء، من اليمين أو اليسار، ومن كل الخلفيّات. الجميع يريد حقًا أن يطوي الصفحة. هذا هو الأمر الأول.

 

بالطبع، هناك آراء مختلفة، سواء سياسية أو دينية، وهناك وجهات نظر متعدّدة. ولكن هناك أيضًا رغبة قوية لدى الناس العاديين في أن يعيشوا مجددًا، ليس بالضرورة في حالة طبيعية، بل من خلال منظور جديد لا يقوم على الحرب والعنف.

 

 

في الأيام الأخيرة، سمعنا شهادات مؤلمة عن الظروف القاسية التي عاشها الرهائن الذين كانت تحتجزهم حماس وتم إطلاق سراحهم الآن. كما سمعنا أيضًا روايات عن الإهانات والمعاناة التي تعرّض لها الأسرى الفلسطينيون المحتجزون في السجون الإسرائيلية. ما الذي يمكن قوله عن هذا الألم، الذي يبدو بطريقة ما أنه يمسّ الجانبين كليهما؟ وكيف يمكن بناء مستقبل لا يقوم على الكراهية؟

 

لقد كانت هذه إحدى المآسي الكبرى في هذا الزمن. لقد قلتَ «معاناة مشتركة»، لكنها لم تُدرك على هذا النحو. كان كل جانب منغلقًا داخل ألمه الخاص، لا يرى سوى معاناته هو، ومنظور شعبه هو. وكما قال آخرون أيضًا، كان الجميع ممتلئين بألمهم الخاص لدرجة أنه لم يبقَ في داخلهم مكان لألم الآخر.

 

الآن، بعد أن انتهى هذا الوضع، ربما يمكننا أن نبدأ تدريجيًا في الانفتاح على فهم ألم الآخر. والفهم لا يعني التبرير. سيستغرق هذا وقتًا - ولا أعلم إن كان سينجح تمامًا.

 

الكراهية التي زُرعت -ليس فقط في هذين العامين الأخيرين، حين انفجرت، بل منذ وقت طويل- من خلال خطاب قائم على الازدراء والرفض والإقصاء، تتطلّب لغة جديدة، وكلمات جديدة، وشهودًا جددًا أيضًا. لا يمكن فصل ما يُقال عمّن يقوله.

 

لذلك، أكرّر: نحن بحاجة إلى وجوه جديدة يمكنها أن تساعدنا على التفكير بطريقة مختلفة.

 

 

ما هو الوضع في الضفّة الغربية - في الرعايا والقرى الصغيرة مثل الطيبة، الزبابدة، أو عبود؟ وما هو دور المسيحيين والكاثوليك، بما في ذلك الكاثوليك الناطقين بالعبرية الذين هم مندمجون تمامًا في المجتمع الإسرائيلي؟

 

هاتان حالتان مختلفتان جدًا. في الضفّة الغربية، الوضع العام -وليس فقط وضع رعايانا المسيحية الكاثوليكية- هشّ للغاية ويتدهور باستمرار. إنّ البلدات التي ذكرتها أصبحت أكثر انعزالًا عن بعضها البعض. هناك مئات نقاط التفتيش التي تنظّم الحركة الداخلية، مما يجعل الوضع أصعب فأصعب.

 

كما قلت عدّة مرات، لقد أصبحت الضفّة الغربية نوعًا من "أرض بلا قانون"، أي "إقليم بلا قانون"، لأن هناك العديد من الهجمات والتوتّرات، بما في ذلك مع المستوطنين، والتي يبدو أنها -إن حدث شيء- يتمّ التسامح معها أكثر من إيقافها. لا توجد سلطة يمكن اللجوء إليها لإيقاف هذه الحالات. وهذا يخلق توترات كبيرة وشعورًا عميقًا بانعدام الأمن داخل رعايانا وجماعاتنا.

 

في الضفّة الغربية، يبقى الوضع هشًّا جدًا - ليس فقط سياسيًا، بل أيضًا اقتصاديًا. الموردان الرئيسيان -التنقّل إلى إسرائيل للعمل والحجّ- كلاهما معلّق في الوقت الحالي، ولا نعرف متى أو كيف سيُستأنفان. هذا له تأثير قوي على حياة الناس، وخاصة على المسيحيين.

 

أما الجماعة الكاثوليكية الناطقة بالعبرية، فهي تتكوّن من مجموعات صغيرة من بضع مئات من الأشخاص، وقد رحّبوا أيضًا بعدة مئات من أطفال المهاجرين أو العمّال الأجانب في إسرائيل. أعتقد أن دورهم مهم بشكل خاص داخل الكنيسة نفسها أكثر منه خارجها.

 

وبمعنى معيّن، هم يجبرون أبرشيّتنا -التي هي معقّدة جدًا- على التفكير بانفتاح أوسع، وألا نركّز فقط على القضية الفلسطينية، بل أن نتذكّر أنه حتى داخل المجتمع الإسرائيلي هناك ألم، وهناك وجهات نظر ورؤى يجب أخذها في الاعتبار.

 

 

في الأسابيع الأخيرة، شهدنا تعبئات جماهيرية وتظاهرات، بما في ذلك في إيطاليا، حيث خرج الملايين إلى الشوارع. بعيدًا عن الجماعات المتطرفة وبعض الشعارات غير المقبولة، هناك شباب يظهرون رغبتهم في تجاوز منطق اللامبالاة.

 

بالتأكيد، كانت هناك تجاوزات من حيث العنف، ولكن أيضًا من حيث اللغة، بما في ذلك ضد اليهودية. هذا غير مقبول. كانت هناك تصريحات يمكن، بطريقة ما، أن تبرر معاداة السامية - وهو أمر نرفضه تمامًا وكليًا. يجب القول بذلك بوضوح.

 

لكن لا يمكننا التعميم والقول إن الجميع كانوا كذلك: كان هناك الكثير من الناس -وليس فقط الشباب- الذين شاركوا. ما لفت انتباهي هو التنوّع: آلاف الأشخاص من خلفيات وأجيال وحتى انتماءات سياسية مختلفة اتحدوا في قول "لا" للصور العنيفة التي شاهدوها.

 

هذا، بالنسبة لي، جانب إيجابي، لأنه أيقظ وعيًا - ليس فقط شخصيًا بل جماعيًا. كانوا متحدين؛ وفي ذلك الاتحاد، تشكّلت الجماعة. أعتقد أن هذا مهم جدًا تشكيل جماعة ووحدة حول شيء جميل، مثل كرامة الإنسان ورفض العنف - خطوط حمراء لا يجب تجاوزها، حتى باسم الدفاع. كان هذا جانبًا جميلاً وإيجابيًا. لنأمل أن يستمر. أعتقد أنه يقظة مهمة أيضًا للقادة الدينيين والسياسيين المختلفين، ليدركوا أنه ضمن وعي المجتمع هناك شيء جيد يجب حمايته، وربما يجد تعبيره حتى خارج هذا السياق الحربي.

 

 

نعود مرة أخرى إلى الأرض المقدّسة، هل تتوقعون عودة الحجاج؟

 

نأمل ذلك. تحدثت مع الحارس العام للأرض المقدّسة حول القيام بشيء معًا، ربما إصدار بعض البيانات. سننتظر أسبوعين أو ثلاثة لنرى كيف تتطور الأمور. ثم أعتقد أننا سنحتاج إلى البدء بـ"الطرق المستمرّ"، إذا جاز التعبير، خصوصًا بين الكنائس التي كانت قريبة جدًا من الأرض المقدّسة خلال العامين الماضيين، لنقول إن الوقت قد حان لإظهار التضامن ليس فقط من خلال الصلاة، وهي أمر أساسي، ومن خلال المساعدات، بل أيضًا من خلال الحجّ.

 

 

يصادف هذا العام مرور 30 عامًا على اغتيال اسحق رابين، رجل السلام. ما مدى أهمية وجود قادة جدد مستعدين للالتزام بالسلام؟ وهل ترى أي إشارات إيجابية في هذا الصدد؟

 

أعتقد أن هذا أحد الجوانب الحاسمة. لقد قلت ذلك مرارًا وسأكرره هنا: نحن بحاجة إلى قادة جدد يتحدثون لغة مختلفة عما سمعناه في السنوات الأخيرة - ليس فقط قادة سياسيين بل أيضًا دينيين. منذ ثلاثين عامًا، كان رابين يقول شيئًا، وكان القادة الدينيون يقولون شيئًا آخر. الآن، من الضروري أن يحدث تغيير؛ يجب أن نصبح واعين بذلك.

 

في هذا السياق، الحوار بين الأديان مهم جدًا. أعتقد أن الحوار بين الأديان يحتاج أيضًا إلى وجوه جديدة، ولا يمكنه تجاهل ما حدث - ما جرحنا جميعًا. يجب أن نأخذ في الاعتبار ما قيل، وما لم يُقل، ليس للتوقف عنده، بل للتقدم إلى الأمام، لأننا أصبحنا واعين له. يجب أن نتجاوز ذلك، مع تذكر ما حدث، دون أن نكون سذجًا. الصعوبات كثيرة، لكن لدينا واجب تجاه جماعاتنا - لمساعدتهم على النظر إلى الأمام، بطريقة إيجابية وهادئة، نحو مستقبل مختلف.

 

 

ما رأيك في النقاش الدولي حول الاعتراف بدولة فلسطين؟

 

لا يحتاج الفلسطينيون إلى إنهاء الحرب والعنف فحسب، ولا يحتاجون فقط إلى أن يُساعدوا ويدعَموا اقتصاديًا. هم بحاجة أيضًا إلى الاعتراف بكرامتهم كشعب. لا أعلم إن كان حلّ "شعبان ودولتان"، الذي تم التأكيد عليه كثيرًا، قابلاً للتحقيق على المدى القريب. لن أخوض في هذه المسائل السياسية.

 

ولكن لا يمكن إخبار الفلسطينيين بأنهم لا يملكون الحق في أن يُعترف بهم كشعب في أرضهم. كانت هناك اعترافات -غالبًا ما كانت نظرية فقط- لا بدّ أن تجد تحقيقًا ملموسًا في سياق الحوار بين الأطراف، الذي سيتعيّن عليهم التوصل إليه بأنفسهم، بمساعدة ودعم المجتمع الدولي.

 

 

هل شعرتم بقرب البابا خلال هذه الفترة؟

 

لقد شعرنا بقرب البابا لاون. كنا قد شعرنا بالفعل بقرب البابا فرنسيس من قبل، ثم أيضًا بقرب البابا لاون. لهما شخصيتان مختلفتان، لكن كليهما عبّر عن قربه بطرق ملموسة جدًا - من خلال المكالمات الهاتفية، ومن خلال التواصل المتكرر مع كاهن رعيّة غزّة- حتى لو لم تكن هذه الأمور تُنشر في الأخبار. وهذا جيد: الأمر مهم، لأنك يجب أن تفعل الخير لذاته، وليس من أجل الدعاية. وقد تجلّى هذا القرب أيضًا بطرق ملموسة جدًا، من خلال المساعدات العملية. آخر بادرة تلقيناها، قبل يومين فقط، كانت رغبة البابا في إرسال آلاف المضادات الحيوية إلى قطاع غزة.