موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الإثنين، ٢٣ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
الحرب أيضًا وأيضًا
الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، ميشال عبس، في عمّان، حزيران 2024 (تصوير: موقع أبونا)

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط، ميشال عبس، في عمّان، حزيران 2024 (تصوير: موقع أبونا)

البروفسور ميشال عبس :

 

من جديد، هي الحرب، تدق أبواب الناس الآمنة، وتدك عليهم بيوتهم وما بنوه من حضارة.

 

هي آلات قتل ودمار، يشغلها أناس عميان البصيرة، يأتمرون بناس فاقدي الضمير، يأتمرون بناس احتل وجدانهم الجشع.

 

انها الحرب أيها السادة، تأتيك لا تدري من اين، مثل تنين البحر المتوسط، يأتي شواطئ بلاد كنعان، زارعاً الرعب والفناء، قبل ان يقتله الخضر جاورجيوس اللابس الظفر.

 

يستيقظ النيام الآمنون على طبولها تقرع، لا يدرون من يقرعها، هؤلاء الذين يملون عليهم اسفار الفناء والتشرد والبؤس، ويرسلونهم الى المجهول.

 

الشعوب في حياتها اليومية، العائلات في البيوت، الأطفال في المدارس، المنتجون في أعمالهم، لا ينتظرون الحرب ولا يعلمون لماذا امليت عليهم، من مرجعيات لا تأبه لحياتهم واهتماماتهم ومصيرهم.

 

الناس عامة لا يعلمون ان وراء هذه الدول في الظاهر، دول مستترة، تخطط في الخفاء ما يصب في مصلحتها، الضيقة جدا، المرسومة على قياس ثرواتها وسلطانها.

 

في الحروب تصح المقولة الشهيرة "قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر؟".

 

هذه الدول نفسها التي تبشر بحماية حقوق الانسان، والاهتمام بذوي الحاجات الخاصة، والمرضى، والمعوزين، وسائر الفئات المستضعفة والمهمشة في العالم، وتفرض في سلوكيات الحياة اليومية ما يصح ادبيا، وصولا الى الرفق بالحيوان، وحماية من هو معرض للانقراض منها، هذه المجتمعات هي نفسها التي تتفنن في انتاج أدوات الفتك، وتدخل في سباق محموم مع بعضها البعض، للتوصل الى أدوات الإبادة الأكثر فاعلية.

 

أي مخلوق متناقض ومنافق انت أيها الانسان؟

 

جميعنا يعلم ان المجتمع الصناعي يعيش على الحرب، لان الاستهلاك العادي لا يسد رمق جشع أصحاب الاستثمارات التي تهدف الى الربح السريع، مما يعني ان الانسان قادر ان يقتل ويبيد ويشرد ويحرق من اجل تحصيل الثروات الطائلة التي بها يتحكمون بالقرار السياسي في مختلف دول العالم.

 

في لبنان قول شعبي مفاده ان الانسان لا تُشبع عينه الا حبة التراب، أي عندما يوارى الثرى، ويبدو ان هذا القول قد اثبت صحته، بحيث ان الجشع قد اعمى بصر النافذين في العالم، لدرجة تهديدهم الوجود البشري، كما هي الحال في الحرب الدائرة حاليا في منطقتنا.

 

نحن أبناء الكنائس، المؤمنون برسالة السيد المتجسد، الذي غلب العالم بالمحبة والسلام، هو الذي قال " كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ"، نقول لجميع الممسكين بقرار السلم والحرب في هذا العالم، سوف تحامكم الأجيال التي حرمتموها الحياة الطبيعية، وخربتهم مستقبلها وقضيتم على حياتها، وسوف توسم اسمكم بعار يلاحقكم حتى يوم القيامة.

 

من على الجبل، خاطب ابن الانسان الحشود التي أتت تستمع الى كلامه المحيي، فسمعته يقول ان "طوبى للودعاء، ﻷنهم يرثون الأرض... طوبى لصانعي السلام، ﻷنهم أبناء الله يدعون... قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومن قتل يكون مستجوب الحكم. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال ﻷخيه: رقا، يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم... سمعتم أنه قيل: تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا ﻷجل الذين يسيئون إليكم ويطردوكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات..."

 

بين هذا الكلام الرباني السلامي المحيي، والمدافع التي تدك النفوس قبل البيوت والمؤسسات، يكمن الفرق بين الانسان-الانسان، والوحش الذي يخرج بين الفينة والاخرى من ادغال مجتمع الحداثة، حيث يحسن الناس تجميل وجوههم المتوحشة او اخفاءها وراء اقنعة الوداعة المصطنعة.

 

لا داعي للتفنن في التجميل، ولا في صناعة الأقنعة، لان كل ذلك قد سقط تحت ضربات الحديد والنار.

 

هذا تحد تاريخي للكنيسة، يعود ويطرح نفسه من جديد، مما يجعلها تزداد تمسكا بقيمها وبضرورة متابعة الكرازة للإيمان الخلاصي، وصيانة النفس البشرية وحمايتها من الابالسة الذين يجوبون حياتنا يعيثون فيها شرا ووبالا.

 

رغم الشعور اننا قد عدنا الى المربع الأول في الحضارة الإنسانية، كلما اندلعت حروب واستعر الفتك بالبشر، لكننا نؤمن ان المسار الذي نحن فيه هو الطريق الوحيد لجلب الانسان الى حيث الرقي المستند الى محبة السيد الذي بذل نفسه لأجل بني البشر.