موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ أغسطس / آب ٢٠٢٥
وزير الخارجية الألماني في زيارة تضامنيّة إلى بلدة الطيبة
"هذه أفعال إرهابية... والمسيحيون من أكثر الفئات الدينية اضطهادًا في العالم"

سند ساحلية - نبض الحياة :

 

في زيارة غير مسبوقة، وصل وزير الخارجية الألماني، يوهان فاديفول، صباح الخميس 1 آب 2025، إلى بلدة الطيبة، شرق رام الله، تضامنًا مع سكانها في أعقاب سلسلة من الهجمات التي نفذها مستوطنون إسرائيليون، مستهدفة ممتلكات المدنيين والمواقع الدينية المسيحية في البلدة.

 

كان في استقبال الوزير كهنة كنائس البلدة، إلى جانب رئيس وأعضاء المجلس البلدي، ومجموعة من الأهالي المتضررين من اعتداءات المستوطنين، إضافة إلى عدد من أبناء البلدة وفعالياتها المجتمعية.

 

وشملت الزيارة كنيسة القديس جاورجيوس (الخضر) التاريخية، حيث عاين الوزير آثار الحريق الذي طال محيط الكنيسة والمقبرة القديمة، واستمع إلى روايات السكان المحليين حول الاعتداءات الأخيرة، معربًا عن "تأثره الشديد بما شاهده وسمعه على الأرض". كما زار الحي السكني المجاور الذي أُحرقت فيه عدة سيارات، واطّلع على حجم الأضرار التي لحقت بممتلكات الأهالي.

 

وقدّم كهنة البلدة ورئيس بلدية الطيبة للوزير الألماني شرحًا مفصّلًا حول الأوضاع الراهنة، مشيرين إلى أنّ الطيبة تتعرض منذ أشهر لسلسلة من الاعتداءات المتكررة التي تنال من أمن سكانها وكرامتهم، بدءًا باقتحام الأراضي الزراعية والرعي الجائر، مرورًا بإضرام النيران في الأماكن المقدسة كمحيط كنيسة الخضر والمقبرة، بالإضافة إلى إحراق الممتلكات والمركبات، ووصولًا إلى اعتداءات لفظية وجسدية طالت بعض الأهالي.

 

وأكدوا للوزير أنّ هذه الهجمات لا تأتي بمعزل عن سياق عام، بل تندرج ضمن نمط متصاعد من الترهيب والتضييق على الوجود المسيحي في البلدة، في ظل تقاعس الجهات الرسمية عن اتخاذ إجراءات رادعة بحق المعتدين. وناشدوا في هذا السياق المجتمع الدولي والمؤسسات الكنسية والحقوقية إلى التدخل العاجل واتخاذ موقف واضح لحماية سكان الطيبة، والحفاظ على السلم الأهلي والعيش المشترك في فلسطين.

تصريحات وزير الخارجية الألماني

 

وفي كلمة ألقاها من موقع الحريق في كنيسة الخضر، قال فاديفول: "ما حدث هنا ليس استثناءً، بل جزء من نمط متكرر يتزايد بشكل مقلق. أُحرقت سيارات، وأُجبر السكان على مغادرة منازلهم، وأُصيب أطفال. الكنيسة والمقبرة تعرضتا للتخريب، وفي نابلس تُدمّر بساتين الزيتون. وفي مسافر يطّا، قُتل أحد المشاركين الفلسطينيين في فيلم لا أرض أخرى. هذه الأفعال يرتكبها مستوطنون يهود عنيفون، وهي جرائم ويجب ملاحقتها قضائيًا. إنها أفعال إرهابيّة".

 

وأضاف الوزير الألماني أن التقارير التي تشير إلى أن جنودًا إسرائيليين "وقفوا متفرجين أو دعموا هذه الأعمال" تُعد "أمرًا صادمًا"، مشددًا على أن إسرائيل، "بصفتها قوة احتلال ودولة قانون، مُطالبة بفرض النظام وملاحقة الجناة، وبحماية المدنيين الفلسطينيين من عنف المستوطنين".

 

وأكد أن بلاده، على المستوى الأوروبي، ستواصل الدفع نحو فرض عقوبات على المستوطنين العنيفين، معتبرًا الزيارة "رسالة تضامن مع جميع من يعانون من هذا العنف، ولا سيما المسيحيين، الذين يُعدّون من أكثر الفئات الدينية تعرضًا للاضطهاد في العالم"، مضيفًا: "من واجب الحكومة الألمانية لفت الأنظار إلى هذا الواقع، وها نحن نفعل ذلك هنا، من هذا المكان تحديدًا". وتطرّق الوزير أيضًا إلى الانتهاكات بحق الصحفيين، مشيرًا إلى "تعرضهم للعنف والقمع وتهديد حياتهم في أنحاء مختلفة من العالم"، مؤكدًا أن زيارته تحمل كذلك "رسالة تضامن مع حرية الصحافة والعاملين في هذا المجال".

أما بخصوص الاستيطان، فقد شدد فاديفول على أن "المستوطنات غير القانونية تُعد عقبة قائمة أمام حل الدولتين"، وأعرب عن قلقه البالغ من مشاريع استيطانية مثل مشروع "E1" الذي يهدف، بحسب تعبيره، إلى "تقطيع أوصال الدولة الفلسطينية المستقبلية وتقييد حرية حركة الفلسطينيين". وأوضح أن موقف ألمانيا واضح وثابت: "سياسة بناء المستوطنات تتعارض مع القانون الدولي، وقد أكدتُ ذلك بالأمس لنظرائي الإسرائيليين. الوضع مأساوي – قلته بالأمس، وأكرره اليوم من هنا".

 

وأعاد فاديفول تأكيد التزام بلاده بالمشاركة في دعم بناء دولة فلسطينية، لكنه شدد على أن "الاعتراف الرسمي المسبق بهذه الدولة ليس مطروحًا في المرحلة الحالية"، مشيرًا في المقابل إلى رفض بلاده القاطع لأي "أوهام ضم، سواء في غزة أو في الضفة الغربية"، وقال: "لن تعترف ألمانيا بأي شكل من أشكال الضم الذي تروج له بعض الجهات داخل الحكومة الإسرائيلية".

 

وفي ختام كلمته، أعرب الوزير الألماني عن امتنانه لحفاوة الاستقبال في الطيبة، معتبرًا أن زيارته تهدف إلى تسليط الضوء على ما يجري على الأرض، والذي يهدد بعرقلة جهود التفاهم والمصالحة بين من يرغبون بالعيش في سلام. وقال: "هذه المنطقة تقف عند مفترق طرق. الحكومة الألمانية ترغب في المساهمة بإبقاء باب التفاهم والتعايش السلمي مفتوحًا، لكنها تتوقع من جميع الأطراف، وخاصة الحكومة الإسرائيلية، الالتزام بسيادة القانون، وإظهار الاستعداد الجاد للسير في طريق المصالحة، نحو سلام مستدام وعادل".