موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ترأس المطران إياد الطوال، النائب البطريركي للاتين في الأردن، مساء الأحد 31 آب 2025، القداس الإلهي في كنيسة يسوع الملك في المصدار، وسط العاصمة عمّان، بمناسبة انتهاء أعمال الصيانة فيها. وشارك في الاحتفال كاهن الرعيّة الأب سليمان شوباش، والأب فارس سرياني، والشماسان الإنجيليان الدائمان بييرو زرنكيان وجبران سلامة، وراهبات الوردية، إلى جانب الحركات الرسوليّة وحشد كبير من أبناء الرعيّة.
وجاءت أعمال الصيانة الأخيرة بعد مرور عشرين عامًا على آخر ترميم للكنيسة، ومع ظهور تصدّعات في سقفها. وجرت بشكل عام من دون المساس بالطابع الأصلي للكنيسة، بل عملت على إبراز هوية الكنيسة الملوكية من خلال تطعيم جدرانها وأعمدتها بالألوان التاريخية الأصلية: الأزرق الملوكي والذهبي الإمبيريال، بما يحافظ على أصالتها ويعكس اسمها ورمزيتها.
في بداية القداس، عبّر الأب شوباش عن فرح الرعيّة بوجود سيادة المطران والحضور، مشيرًا إلى أنّ هذه الكنيسة التي شهدت نموّ مدينة عمّان ما تزال تنبض بالحياة، ليس لأنها الأقدم أو الأجمل، بل لأنها "الكنيسة التي نحبها، والتي تدعو المؤمنين من مختلف أرجاء العاصمة للمجيء والصلاة فيها".
وأضاف أنّ أعمال الصيانة الحالية امتدادٌ لجهود بدأت منذ عام 2007 مع الأب يعقوب رفيدي، مؤكدًا أنّ هذا البناء المتواصل يهدف إلى دعم أبناء الرعيّة. ووجّه الشكر للبطريركية اللاتينية، ممثلة بالكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا والمطران إياد الطوال، على دعمهم للمشروع، كما شكر أبناء الرعيّة على مساندتهم ومساهمتهم.
وختم بالقول: "بهاء هذه الكنيسة هو بهاء النعمة التي تملأ القلوب. ستبقى كنيسة يسوع الملك عامرة في قلوب المؤمنين. هي جميلة، لكن أبناءها هم الأجمل"، رافعًا الصلاة من أجل جميع الكهنة والراهبات الذين خدموا فيها، ومبتهلًا النعمة لكل من دعم وساعد في أعمال الصيانة.
وبعد رش الماء المقدّس على المؤمنين، وإعلان الإنجيل، عبّر المطران الطوال عن سعادته بمشاركته أبناء رعيّة يسوع الملك في قداس الأحد، ومشاركتهم الفرح بانتهاء أعمال الصيانة وإضافة اللمسات الجديدة إليها. ووجّه تحيّة وتقدير لكل من أسهم في إنجاز هذا المشروع، وعلى رأسهم الأب سليمان شوباش وجميع الفعاليات في الرعيّة.
وقال إنّ الكنيسة، في إيماننا المسيحي، تقوم على بُعدين: الأوّل ماديّ يتمثّل بالمبنى، والثاني أعمق وأجمل وهو الجماعة المسيحيّة نفسها، أي الكنيسة الحيّة. واستعاد حوارًا أجراه مؤخرًا مع بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك، الذي أشار إلى أنّه رغم غياب الجماعة المسيحية عن بعض القرى، جرى الإصرار على إعادة بناء الكنائس الماديّة لتبقى مركزًا يتيح للجماعة المسيحية أن تنهض وتعيش من جديد.
وشدّد المطران الطوال على أنّ "الكنيسة الحيّة هي التي تبني الكنيسة الماديّة"، موضحًا أنّ المبنى ليس سوى وسيلة تساعد على الحياة المسيحية. وأشار إلى أنّ الجماعة المسيحية الأولى كانت حيّة ومصلّية حتى قبل تشييد الكنائس، وأنّ العنصر الداخلي الذي يجعل من أي كنيسة بيتًا للنعمة هو السيّد المسيح الحاضر في القربان الأقدس، والروح القدس الذي يُحيي الجماعة المؤمنة.
وتوقّف سيادته عند فكرتين أساسيتين في عظته.
الفكرة الأولى تناولت سؤالاً: كيف نعيش جماعة مسيحيّة حيّة؟، مجيبًا بأنّ الأمر لا توقّف على المطران بل على المؤمنين أنفسهم، "فلا توجد جماعة مسيحيّة من دون صلاة". وأكد سيادته أنّ الوحدة المسيحيّة، والقربان الأقدس، والإنجيل المقدّس هي الركائز الثلاث التي تشكّل المسيرة اليوميّة للجماعة المؤمنة وتجعل من الكنيسة مكانًا حيًّا وبيتًا للنعمة.
الفكرة الثانية استقاها من نص إنجيل الأحد (لوقا 14: 1، 7-14)، وكأنّ السيد المسيح، عندما دُعي إلى بيت أحد رؤساء الفريسيين ليتناول الطعام، يقدّم للمدعويين نصائح بروتوكوليّة تتعلّق بالواجبات الاجتماعيّة. إلا أنّه في العمق يقدّم فكرتين جوهريتين ترتبطان مباشرة بالايمان: التواضع والمحبّة.
وحول التواضع، أكد المطران الطوال أنّ "هوية المسيحي لا تتحدّد بمكانته أو ظروفه أو طبقته الاجتماعيّة. فقيمته الحقيقية ليست في الانتماء الاجتماعي أو المركز أو المظهر الخارجي، بل تنبع من نعمة الله في حياته، ومن الروح القدس الذي ناله يوم المعموديّة". وهذا يتناقض مع عالم اليوم الذي يركّز على على الصور والمظاهر، لدرجة أنّ الإنسان أصبح أسيرًا لها.
وشدّد على أنّ المسيحيّ يعرف ذاته وقيمته، لا من خلال الواجبات أو العلاقات الاجتماعيّة، بل من خلال حضور المسيح الحيّ في حياته. فالتواضع المسيحي هو فضيلة تعني أن "تعرف ذاتك" على نور المسيح. فالكبرياء خطيئة، و"التواضع المزيّف" خطيئة أيضًا. وأردف: "إنّ المؤمن الحقيقي يدرك أنّ كل ما عنده من خيرات: الغنى، النجاح، الصحة... هي كلّها هبة من الله، فلا يفتخر بشيء ليس من عنده، بل عليه أن يفتخر بضعفه، على حدّ قول القديس بولس: "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح" (غلاطية 6: 14)، وأيضًا: "وأما أنا فلن أفتخر إلا بحالات ضعفي" (2 كورنثوس 12: 4).
وحول المحبّة، أكد النائب البطريركي أنّ التواضع الحقيقي يقود إلى المحبّة. فالتواضع يعني أن نعطي الآخرين قيمتهم، وأن نكتشف حضور المسيح في حياتهم. فعندما يكتشف المسيحي نعمة المسيح في حياته، ونعمة المسيح في حياة الآخرين، يعيش حياة الجماعة المسيحية، ويعيش الكنيسة الحيّة. وعندها لا يتكون الأولوية له، إنّما للمسيح الذي هو مركز حياته وحياة الجماعة.
وخلص المطران الطوال في عظته لافتًا إلى أنّ هذه المسيرة ليست سهلة، بل تتطلّب صلاة، وتضحية، وإيمانًا حيًّا. وشجّع المؤمنين على اكتشاف نعمة حضور المسيح في حياتهم، تلك النعمة التي ستنعكس خير وبركة على الجماعة المسيحيّة بأسرها. وتمنّى أن تبقى الكنيسة حيّة بنعمة المسيح، وبحضور المؤمنين، وبالروح القدس الذي يملأ بيوتهم، لتصبح كلّها كنائس صغيرة حيّة.