موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في مقابلته العامة مع المؤمنين، اليوم الأربعاء 4 حزيران 2025، واصل البابا لاون الرابع عشر سلسة تعليمه حول موضوع "يسوع المسيح رجاؤنا" لسنة اليوبيل، منطلقًا من أمثال يسوع، وتحديدًا عند مثل "العَمَلَة في الكَرم" (متى 20، 1-7).
وقال: "هذا المثل يروي لنا أيضًا أحداثًا تغذّي رجاءنا. في الواقع، نشعر أحيانًا بأنّنا لا نجد معنى لحياتنا، ونشعر بأنّنا بلا فائدة، وغير ملائمين، مثل العمّال الذين ينتظرون في ساحة السّوق أن يستأجرهم أحدٌ للعمل. لكن الوقت يمضي، والحياة تمرّ، وأحيانًا لا نشعر بأنّ أحدًا يرانا أو يُقدّرنا. ربّما لم نصل في الوقت المناسب، أو سبقنا آخرون، أو أوقفَتْنا مشاغلنا في مكان آخر".
وأوضح قداسته بأنّ "صورة ساحة السّوق مُناسبة جدًّا لوقتنا أيضًا، لأنّ السّوق هو مكان الأشغال، حيث نبيع ونشتري واحيانًا، للأسف، حتّى المودَّة والكرامة، من أجل تحقيق بعض المكاسب. وعندما نشعر بأنّنا غير مقدّرين، أو لا أحد يكترث لنا، نوشك أن نبيع أنفسنا لأوّل من يدفع. الرّبّ يسوع يذكّرنا بأنّ حياتنا لها قيمة، ويريد أن يساعدنا لكي نكتشفها".
مَثَل يُعطينا الرّجاء
ولفت إلى أنّه في هذا المثل "هناك أيضًا عمّال ينتظرون من يستأجرهم.. وهنا أيضًا نجد شخصيّة تتصرّف بطريقة غير معتادة، تُدهشنا وتطرح الأسئلة. إنّه صاحب الكَرم الذي خرج بنفسه ليبحث عن عمّاله. من الواضح أنّه يريد أن يقيم معهم علاقة شخصيّة".
وقال: "إنّه مَثَل يُعطينا الرّجاء، لأنّه يقول لنا إنّ هذا السّيّد خرج عدّة مرّات ليبحث عمّن كان ينتظر أن يُعطي معنى لحياته. خرج السّيّد في الفجر، ثمّ كلّ ثلاث ساعات كان يرجع ويبحث عن عمّال يرسلهم إلى كرمه. وفق هذا التّرتيب، وبعد أن خرج في السّاعة الثّالثة بعد الظّهر، لم يعد هناك سبب ليخرج مجدّدًا، لأنّ يوم العمل ينتهي عند السّادسة مساءً".
قيمة لحياة كلّ واحد منّا
أضاف: "هذا السّيّد الذي لا يكلّ ولا يتعب، ويريد بأيّ ثمن أن يعطي قيمة لحياة كلّ واحد منّا، خرج أيضًا في السّاعة الخامسة. ربّما فقد العمّال الذين بقوا في ساحة السّوق كلّ أمل. لقد ضاع ذلك اليوم سُدًى. ومع ذلك، كان هناك من يؤمن بهم أيضًا. ما معنى أن يستأجر عمّال للسّاعة الأخيرة فقط من يوم العمل؟ وما معنى أن يذهبوا ليعملوا لساعة واحدة فقط؟ مع ذلك، حتّى عندما يبدو لنا أنّنا نصنع القليل في الحياة، فإنّ الأمر يستحقّ العناء. هناك دائمًا إمكانيّة لأن نجد معنى لحياتنا، لأنّ الله يحبّ حياتنا".
تابع: "وهنا نرى أصالة هذا السّيّد أيضًا في نهاية اليوم، في لحظة دفع الأجر. اتّفق السّيّد مع العمّال الأوّلين الذين ذهبوا باكرًا إلى الكَرم على دينار، وهو الأجر المعتاد ليوم عمل. وقال للآخرين إنّه سيعطيهم ما هو عدل. وهنا بالتّحديد يُثير المَثَل تساؤلنا: ما هو العدل؟ بالنّسبة لربّ الكرم، أيّ لله، العدل هو أن ينال كلّ واحد ما يحتاج إليه ليعيش. لقد دعا العمّال شخصيًّا، وكان يعرف كرامتهم، وأراد أن يدفع أجرهم استنادًا إليها. وأعطى الجميع دينارًا واحدًا".
للجميع، وليس للأسبقيّة والأقدميّة
وأشار إلى أنّ "الرّواية تقول إنّ عمّال السّاعة الأولى خاب أملهم: لم يستطيعوا أن يروا جمال تصرّف السّيّد، الذي لم يكن ظالمًا، بل كان كريمًا ببساطة، ولم ينظر فقط إلى الاستحقاق، بل إلى الحاجة أيضًا. الله يريد أن يمنح ملكوته للجميع، أي مِلء الحياة، الأبديّة السّعيدة. وهكذا يصنع يسوع معنا: لا يُصنّفنا بحسب الأسبقيّة والأقدميّة، بل من يفتح له قلبه، يُعطيه ذاته كلّها".
وقال: "في ضوء هذا المَثَل، يمكن للمسيحيّ اليوم أن تراوده التّجربة ويفكّر: ”لماذا يجب عليّ أن أبدأ العمل باكرًا؟ إن كانت المكافأة هي نفسها، لماذا يجب عليّ أن أعمل أكثر من غيري؟“. أجاب القدّيس أغسطينس على هذه التساؤلات، قال: "لماذا تتأخّر إذًا في أن تتبع الذي يدعوك، وأنت متأكّد من الأجر، لكنّك لا تعرف الزّمن؟ احذر من أن تحرم نفسك، بسبب تأخّرك، ممّا سيعطيك هو إيّاه بحسب وعده".
وأضاف: "أودّ أن أقول، وخصوصًا للشّباب، ألّا تنتظروا، بل أجيبوا بحماس واندفاع للرّبّ يسوع الذي يدعونا إلى أن نعمل في كرمه. لا تؤجّلوا عملكم، بل شمّروا عن سواعدكم، لأنّ الرّبّ يسوع كريم ولن يخيب ظنّكم! إن عملتم في كرمه، ستجدون الجواب على ذلك السّؤال العميق الذي تحملونه في داخلكم: ما هو معنى حياتي؟".
وخلص البابا لاون الرابع عشر في تعليمه إلى القول: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، يجب ألّا نصاب بالإحباط! حتّى في أحلك لحظات الحياة، عندما يمرّ الوقت دون أن نجد الأجوبة التي نبحث عنها، لنطلب من الرّبّ يسوع أن يخرج مجدّدًا، وأن يأتي إلينا هناك حيث ننتظره. إنّه كريم، وسيأتي إلينا بسرعة".