موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
استقبل البابا لاون الرابع عشر، اليوم الجمعة، أكثر من 300 ممثلاً عن الجمعيات والحركات التي شاركت في فعاليّة "ساحة السلام" لعام 2024 في مدينة فيرونا الإيطاليّة، والتي هدفت إلى إعادة إطلاق تجمعات فيرونا التقليديّة كملتقى للحوارات والمقترحات المتعلقة بالعقيدة الاجتماعيّة للكنيسة.
في كلمته أمام الحضور، ذكّر البابا بكلمات البابا فرنسيس خلال مشاركته في لقاء العام الماضي، حيث قال إنّ "بناء السلام يبدأ بالوقوف إلى جانب الضحايا ورؤية الأمور من وجهة نظرهم"، مؤكدًا أنّ "هذا النهج أساسي لنزع سلاح القلوب والتوجهات والعقليات، ولإدانة ظلم نظام قاتل قائم على ثقافة الإقصاء".
وأشاد البابا لاون الرابع عشر بـ"العناق الشجاع" بين الإسرائيلي ماعوز إينون والفلسطيني عزيز أبو سارة، اللذين فقد كل منهما أفرادًا من عائلتهما خلال الصراع في غزة. وقال: "إنهما الآن صديقان ويعملان معًا"، مضيفًا أن لفتتهما "تبقى شهادة وعلامة أمل".
ولفت البابا لاون الرابع عشر إلى أنّ "طريق السلام يتطّلب قلوبًا وعقولًا مُدرَّبة على الاهتمام بالآخرين، وقادرة على إدراك الخير العام في عالم اليوم. فالطريق إلى السلام يشمل الجميع، ويؤدي إلى بناء علاقات سليمة بين جميع الكائنات الحيّة".
تابع: وكما أشار البابا يوحنا بولس الثاني، فإنّ السلام خير لا يتجزأ؛ فهو إما للجميع أو لا لأحد (راجع "الاهتمام بالشأن الاجتماعي"، 26). ولا يمكن بلوغه والتمتع به حقًا كواقع حياة وتطور متكامل إلا إذا وُجد في ضمائر الناس "عزمٌ راسخٌ ودؤوبٌ على الالتزام بالخير العام" (المرجع نفسه، 38).
وقال: "في زمن كعصرنا، يتميّز بالسرعة والفورية، علينا أن نستعيد الصبر اللازم لتحقق هذه العملية. لقد علَّمنا التاريخ والتجربة العملية أنّ السلام الحقيقي يتشكّل من القاعدة، بدءًا من الأماكن والمجتمعات والمؤسّسات المحليّة، ومن خلال الاستماع إلى ما تقوله لنا. بهذه الطريقة، ندرك أنّ السلام يكون ممكنًا عندما يتم الاعتراف بالخلافات وما يترتب عليها، وتجاوزها لا بتجاهلها".
وفي هذا السياق، أشاد البابا بـ"العمل القيّم" لهذه الحركات والجمعيات الشعبية؛ "فمن خلال العمل الملموس ’من القاعدة‘، وبالحوار مع جميع الأطراف، وبإبداع وذكاء ثقافة السلام، تُواصلون مشاريع وأنشطة ملموسة لخدمة الأفراد والصالح العام. بهذه الطريقة، تُولّدون الأمل".
وأعرب البابا عن أسفه كون "العنف يسود في العالم ومجتمعاتنا".
وقال: "في خضم الحروب والإرهاب والاتجار بالبشر والعدوان الواسع الانتشار، يحتاج أطفالنا وشبابنا إلى أن يختبروا ثقافة الحياة والحوار والاحترام المتبادل. وقبل كل شيء، يحتاجون إلى شهادة رجال ونساء يُجسّدون أسلوب حياة مختلفًا وغير عنيف. فمن المواقف المحليّة واليوميّة وصولًا إلى النظام الدولي، كلما قاوم أولئك الذين عانوا من الظلم والعنف إغراء الانتقام، أصبحوا أكثر العناصر مصداقيّة في عمليات بناء السلام اللاعنفية. يجب أن يُميّز اللاعنف، كمنهج وأسلوب، قراراتنا وعلاقاتنا وأفعالنا".
وشدّد البابا لاون الرابع عشر على أنّ "الإنجيل وعقيدة الكنيسة الاجتماعيّة يشكّلان مصدر دعم دائم للمسيحيين في هذا المسعى. كما يُمكنهما أن يكونا بمثابة بوصلة للجميع، لأنّ تعزيز ثقافة السلام مهمةٌ مُوكلةٌ إلى الجميع، مؤمنين وغير مؤمنين على حدٍ سواء، والذين يجب عليهم تعزيزها من خلال التأمل والممارسة المُستوحاة من كرامة الإنسان والصالح العام".
واختتم البابا كلمته بالقول: "إذا أردتم السلام، فأعدّوا مؤسّسات سلام"، لافتًا إلى أنّ هذا الأمر "لا يقتصر على المؤسّسات السياسيّة، سواءً كانت وطنيّة أو دوليّة، بل يتطلب جميع المؤسّسات - التعليميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة"، وبالتالي "ضرورة الانتقال من الـ’أنا‘ إلى الـ’نحن‘،كما شدّدت عليه الرسالة العامّة "جميعنا إخوة"، كدعوة يجب الاستجابة إليها على الصعيد المؤسّساتي.
ولهذا السبب، شجّع البابا لاون الرابع عشر الحضور "على البقاء ملتزمين وحاضرين: حاضرين في التاريخ كخميرة للوحدة والشركة والأخوّة"، لافتًا إلى أنّ "الأخوّة يجب أن تُستعاد، وأن تُحب، وأن تُختبر، وأن تُعلن، وأن تُشهد لها، في رجاء راسخ بأنّ ذلك ممكن بالفعل، بفضل محبّة الله ’التي أفيضت في قلوبنا بالروح القدس‘ (روما 5: 5)".