موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢١
4 كانون الأول: القديسة بربارة الشهيدة

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

ولدت بربارة في أوائل القرن الثالث الميلادي في مدينة نيقوميديا (المعروفة اليوم بمدينة إزميت) على بحر مرمرة بتركيا، من أب وثني اسمديوسقورس من أشراف المدينة ومتعصّبًا لوثنيته ويكره المسيحيين. كانت بربارة جميلة جدًا وجمالها يسحر العيون، فقرّر والدها أن يُخفيها عن الأنظار ويحميها من الأخطار فأسكنها في قصر ذو أسوار عالية وعليه حراسة شديدة، ولكي لا يكون القصر سجنًا جعل فيه كل أنواع البهجة والمسرّات، وكانت لا تستطيع أن ترى المدينة إلاّ من غرفة واحدة ذات نافذتين من أعلى برج في القصر.

 

ونظرًا لذكاء ابنته الوحيدة، التي فقدت والدتها وهي صغيرة، رغب الأب أن تكون ابنته على درجة عالية في العلوم والثقافة، فأحضر لها أشهر الأساتذة، وكان أحدهم مسيحيًا، فعلّمها الديانة المسيحية، بعد ذلك أرسلت رسالة إلى أوريجانس كبير أساتذة معهد الإسكندرية شرحت له أفكارها، فأعجبته وأرسل لها رسالة مع تلميذه فالنتيانس ليعلّمها ويُفسّر لها أسرار الحياة الأبدية وتجَسُّد السيد المسيح وافتدائه للبشر. أحبّت بربارة هذه التعاليم وآمنت بها، وطلبت من فالنتيانس أن يمنحها المعمودية، فعمّدها وأتاها بالقربان. ومنذ ذلك الوقت قدّمت بتوليتها للرب. وحدث كل هذا دون معرفة والدها.

 

طلبت من والدها في أحد الأيام أن يبني خارج البرج حمّامًا جميلاً فأتى بالفنيين والبنّائين واعدًا لهم بالمكافأة إذا هم أتقنوا البناء ثم غادر إلى مكان آخر كان له فيه عمل، ولما تأخّر في العودة نزلت بربارة من البرج وذهبت تتفقّد الحمام وكان من المنتظر أن تُفْتَح فيه نافذتان فقط، فطلبت من البنّائين أن يفتحوا نافذة ثالثة من الجهة الجنوبية ليتلقى الحمام إنارة كافية فقال البنّاؤون إن والدها لم يطلب فتح نافذة ثالثة، وبعد ذلك نفّذ البناؤون النافذة الثالثة حسب طلب بربارة وهي سوف ترُدّ على والدها إذا سأل عن السبب. وفي أحد المرّات وقفت في بركة الحمام وتطلّعت إلى الشرق راسمة بأصبعها علامة الصليب على المرمر وكأن إصبعها صار آلة حديدية حفر إشارة الصليب في المرمر. ولما عاد والدها سألها عن سبب فتح النافذة الثالثة فقالت له: إن النوافذ الثلاثة تضيئ كل إنسان آت إلى العالم وكانت تقصد الثالوث الأقدس. وبذلك حوّلت الحمام إلى بيت صلاة.

 

نظرًا لمركز والدها في البلد ولجماها وثقافتها فقد كثر خطّابها، ففاتحها والدها بهذا الموضوع عدة مرّات فقالت إنها خطبت لعريس سماوي يفوق كل عريس على الأرض لذلك لن تتزوّج أحدًا. بعدها طلبت من خدّامها تحطيم الأصنام في القصر. خاف والدها من هذا التصرّف بأن تكون بربارة قد مالت إلى المسيحية، بعد تحطيمها أصنام القصر، فقرّر أن يمنع عنها الطعام جزاء لها. فلم يتركها يسوع فبعث لها بعصفور ليعطيها قمحًا من النافذة لتأكل وتتغلّب على الجوع. هربت بربارة من القصر وأبوها يركض وراءها، قيل إن صخرة عاقتها في الطريق سرعان ما انشقّت الصخرة لتعبر من وسطها ثم عادت الصخرة إلى وضعها الأول.

 

قيل إنها حاولت التخفّي بين حقول القمح دون جدوى فأمسكها والدها وأعادها ووضعها في قبو مظلم. أخذها والدها في اليوم التالي إلى الوالي مركيانوس فغضب منها وأمر بسجنها وتعذيبها وكانوا يمشّطون جسدها بأمشاط حديدية ويضربونها بمخارز حديدية، فتمزّق جسدها وتفجّرت دماؤها وهي صابرة وصامتة. وأعادوها إلى زنزانتها فظهر لها السيد المسيح وشفاها من جراحها، وفي الصباح لما رآها الحاكم بأن جراحها قد شفيت قال لها: إن الآلهة قد شفتك وضمّدت جراحك. فأجابته: إن الذي شفاني هو يسوع المسيح. فغضب الحاكم وأمر بقطع رأسها خارج المدينة وعندما وصلت إلى الجبل جثت على الأرض وضمّت يديها إلى صدرها بشكل صليب وحنت هامتها، عندئذ طلب والدها أن يقتل ابنته بيده فسُمِحَ له، فتناول الفأس وضرب به عنقها. عاد والدها إلى البيت وفأسه بيده تقطر من دم ابنته وقبل وصوله إلى أبواب المدينة انقضّت عليه صاعقة فأحرقته. كان ذلك عام 235.

 

ولعَظَمة هذه القديسة فقد أجمعت الكنائس الرسولية عامة والمشرقية منها خاصة على الاحتفال بتكريمها والتشفّع لها في اليوم الرابع من شهر ديسمبر من كل عام. وبهذه المناسبة يأكل المؤمنون: قمح مسلوق وتُسكَب في صحون وتُزيَّن بالقمبز والمكسّرات والسكّر. ويرمز القمح إلى القيامة وإلى الابتهاج والفرح بانتصار القديسة. كما تجري أعمال تنكّر الأطفال بأزياء مضحكة ربما من باب الهزؤ والسخرية من عبادة الأصنام. كما يتم أيضًا زراعة كمية صغيرة من القمح فوق قطن مبلّل بالماء في صحن ليكون نابتًا في عيد الميلاد.

 

صلاة: "يا بربارة الكلية الوقار، لما جزت سبيل الجهاد، فررت من رأي أجدادك، وكبتول حكيمة دخلت إلى ديار ربك حاملة مصباحك. وبما أنك شهيدة شجاعة، نلت نعمة لتشفي الأمراض الجسدية. فأنقذينا، نحن مادحيك، من أسواء النفس بصلواتك إلى الرب إلهنا. فلتكن صلاتها معنا".