موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١٦ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١
16 أيلول: القديسان كورنيليوس البابا، وكبريانس الأسقف، الشهيدان

إعداد الأب وليم عبدالمسيح سعيد الفرنسيسكاني :

 

بدأ الإمبراطور الروماني تراجان داسيوس اضطهادًا محليًا ما بين عامي (249م–251م) لمسيحيي روما، واستشهد منهم أعداد كبيرة ومعهم أسقف روما البابا فابيانوس في 20 كانون الثاني 250. كان من الصعب وقتها اختيار أسقف جديد بسبب توسُّع عمليات الإضطهاد من تعذيب وإعدام ميداني، وظلّت روما بلا أسقف مدة تزيد عن عام. وقتها كان يُدير شئون الكنيسة مجموعة من الكهنة من أشهرهم الكاهن واللاهوتي والكاتب والمُترجِم ذو الأصول الإفريقية والدراسة الرومانية نوڤاتيانوس.

 

أثناء سفر الإمبراطور الروماني تراجان داسيوس لخوض معركة حدودية ضد القوطيين الذين حاولوا إحتلال أجزاء من حدود الإمبراطورية الرومانية، وانشغال كل رجال السياسة والحرب بهذا الحدث، قلَّت حِدّة الإضطهاد ضد مسيحيي روما وبدأ التفكير في انتخاب البابا الجديد، وقد كان مُرشَّحًا الكاهنين موسى وكورنيليوس. استُشهِد المرشح الأول موسى خلال التعذيب بعد القبض عليه، وتصوَّر نوڤاتيانوس أنه صار قريب من البابوية لأنه ذا العلم الغزير الذي سيُعطيه الأفضلية عندما تم وضع ترشيحه أمام السينودس مع كورنيليوس، إلا أن المجمع اختار كورنيليوس لمعرفتهم بقلبه المتحد بالمشيئة الإلهية وتواضعه ورحمته. وبذلك تم اختياره حبرًا رومانيًا وأسقفًا لروما في 13 آذار 251 خلفًا للبابا فابيانوس. وقد دامت حبريته لمدة عامين فقط (251–253).

 

بمقتل تراجان داسيوس خلال حربه مع القوطيين هدأت وطأة الإضطهاد، وكان من أبرز أحداث فترة الهدوء النسبي هذه هي مناقشة الخلاف على مدىَ صحة قبول توبة المسيحيين الذين أنكروا الإيمان وقاموا بتقديم ذبائح ورفع بخور للأوثان في زمن الإضطهاد على يد تراچان داسيوس خوفًا من القتل. تمت إقامة سينودس لمناقشة الأمر، وإتفق البابا كورنيليوس والأسقف كبريانوس في الرأي على أن قبول توبتهم عن ضعفاتهم التي ندموا عليها أمرًا بديهيًا ما داموا تائبين بحق عن إنكارهم للإيمان، بحيث يكون ذلك بداية تأهيل روحي لهم حتى يكونوا أكثر شجاعة في موجات الإضطهاد التالية المتوقعة، كما أنه عليهم تقديم الإماتات والتكفيرات الجسدية التي تحددها الكنيسة كنوع من إظهار جدية التوبة (مثل إماتة الحواس بالصوم والقدرة على التضحية والإستغناء إستعدادًا لتضحيات أكبر قد تُصادفهم مرة أخرى في حياتهم) كل ذلك عملاً بمبدأ الرحمة الإلهية والحب الإلهي الذي يُعطي كل إنسان الفرصة الكاملة للتوبة طوال حياته على الأرض والذي لابد للكنيسة أن تُعبِّر عنه كما فعل الأب الرحيم في مثل الإبن الضال، وأنه لا يجب إدانتهم لأنه على الواقف أن يحذر من الوقوع، ولا يصحّ أن يكون الإنسان ديّاناً لأخيه، مع عدم تجاهُل أن المعمودية وَسْمٌ لا يُمحىَ. وقد نفاه الإمبراطور غاليوس الذي اضطهد المسيحيين فمات كرنيليوس في المنفى عام 253، ونقل جثمانه إلى روما ودفن في مقبرة كاليستس.

 

أما القديس كبريانس فولد في مدينة قرطاجه نحو عام 210 من أبوين وثنيين. اهتدى إلى الإيمان ورسم كاهنًا ثم أسقفًا للمدينة عام 249. كان في الظروف العسيرة مثال الراعي الصالح بسيرته وكتاباته. نفي خلال اضطهاد الإمبراطور فـاليريانس، أتى مرسوم إمبراطوري أكثر صرامة يَقضي بإعدام كل الإكليروس المسيحي. وفي 13 أيلول 258، اعتُقِل الأسقف كبريانوس في سجن الوالي الجديد جاليريوس ماكسيميوس، وتم فحصه للمرة الأخيرة في اليوم التالي ليوم إعتقاله، لعل رأيه يتغير بعد صدور حكم الإعدام في المرسوم الإمبراطوري. إلا أنه ثبت على إيمانه ولم يُنكره برغم التهديد، ولم يكن ينطق سوى بكلمة واحدة طوال الفحص الأخير وهي: "الشكر لله".

 

تقرَّر تنفيذ حكم الإعدام الجماعي للأسقف كبريانوس وجميع أفراد الإكليروس المعتقلين معه في مكان مفتوح ليصبح إعدامًا ميدانيًا للترهيب، فتبع عدد كبير من أهالي قرطاج المؤمنين ركب كبريانوس وإخوته إلى رحلتهم الأخيرة، ويذكر شهود واقعة استشهاده، بأنه خلع ثيابه وركع مُصلّيًا بعد أن عُصِبَت عيناه كعادة جميع المحكوم عليهم بالإعدام، وتم قطع رأسه بالسيف. ودفن المؤمنين جثمانه بالقرب من مكان الاستشهاد بقرطاج ومات شهيدًا في 14 أيلول عام 258.

 

فلتكن صلاتهما معنا.