موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٢٨ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
مجزرة مار إلياس: لماذا لا يكفي الغضب؟

د. شارلي يعقوب أبو سعدى :


إنّ الجرائم المروّعة التي تُرتكب بحقّ الأبرياء لا يمكن مواجهتها فقط بالبيانات العاطفية أو التصريحات الانفعالية. صحيح أنّنا كمسيحيين لسنا طارئين على هذه الأرض، بل نحن من جذورها، وشركاء أصيلون في حضارتها وتاريخها. ولكنّ الاكتفاء بترديد هذه الحقائق دون تحوّلها إلى فعل، لا يصنع التغيير ولا يحمي الوجود.

 

ما حدث في كنيسة مار إلياس في دمشق ليس مجرّد اعتداء عابر، بل هو جرس إنذار جديد في سلسلة طويلة من الاستهداف، تُشير إلى أزمة عميقة في الهوية والانتماء والعلاقات بين الأديان في الشرق الأوسط. لذلك، نحن بحاجة اليوم إلى رؤية نبوية، شجاعة، ومتكاملة، تربط بين العمل السياسي والمجتمعي والكنسي واللاهوتي، وتُفعّل التنسيق بينها من أجل استجابة متكاملة وفاعلة. وفيما يلي بعض المقترحات العملية:

 

 

أولًا: على المستوى السياسي والحقوقي

 

← نشر ثقافة المواطنة لا الطائفية، من خلال دعوة وزارات التربية والتعليم لتطوير مناهج تُعزز قيم التعددية وتقبل الآخر، وتحترم وجود المسيحيين والمسلمين على حد سواء.

 

← إعادة كتابة التاريخ الوطني المشترك بطريقة عادلة، تُنصف الحضور المسيحي وتُبرز دورهم في بناء هذه الأوطان.

 

← سنّ تشريعات تُجرّم التكفير وخطاب الكراهية، وتحمي حرية المعتقد، وتحظر التمييز الديني بجميع أشكاله.

 

← تحييد مؤسسات الدولة عن التمييز الديني، لضمان المساواة أمام القانون، والعمل لصالح جميع المواطنين دون اعتبار لانتمائهم الديني.

 

 

ثانيًا: على المستوى المجتمعي والثقافي

 

← إنتاج محتوى إعلامي توعوي مضاد لخطابات الكراهية، يشمل فيديوهات، مقالات، قصص واقعية، وحلقات بودكاست تُبرز نماذج التعايش بين المسيحيين والمسلمين.

 

← تنظيم حملات توعوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تؤكّد أنّ المسيحيين ليسوا غرباء ولا دخلاء، بل أبناء هذه الأرض وجزء لا يتجزأ من هويّتها.

 

← بناء تحالفات مجتمعية بين نشطاء مسيحيين ومسلمين لرفض التكفير والعنف الطائفي والعمل المشترك من أجل السلم الأهلي.

 

 

ثالثًا: على المستوى الكنسي والرعوي

 

← رفض الخوف والانغلاق أمام الفكر التكفيري، فالكنيسة مدعوّة لأن تكون نورًا لا ينطفئ، وشاهدة للحق حتى وسط الاضطهاد.

 

← الخروج من التحصّن الطقسي نحو فكر مسيحي حي وفعّال، يُلامس المجتمع ويشارك في بنائه.

 

← تدريب الشباب والعاملين في الكنيسة على الحوار بين الأديان، والاستماع المتبادل، وفهم عقلية الآخر بروح الانفتاح.

 

← إطلاق مبادرات مشتركة مع مؤسسات إسلامية معتدلة، تشمل مشاريع بيئية وصحية وثقافية.

 

← تأكيد أهمية الحضور المسيحي الفاعل في الشأن العام بمستوياته السياسية والاجتماعية والثقافية، باعتباره امتدادًا طبيعيًا للدعوة الإنجيلية إلى خدمة الإنسان والعمل من أجل الخير العام.

 

 

رابعًا: على المستوى اللاهوتي والإيماني

 

← تجديد الخطاب اللاهوتي المسيحي تجاه الآخر، انطلاقًا من إيماننا بأن كل إنسان مخلوق على صورة الله (تكوين 1:27).

 

← التأكيد على محبة الجميع، بما فيهم المختلفون دينيًا، كما علمنا المسيح: "أحبّوا أعداءكم" (متى 5:44).

 

← تنمية تربية روحية تجمع بين الانغراس العميق في الإيمان المسيحي والانفتاح الواعي والمسؤول على الآخر، بعيدًا عن الخوف والتعصّب.

 

← تحصين الهوية المسيحية من عقدة الضحية أو منطق الكراهية، وتعزيز الدعوة النبوية إلى الشهادة والمحبة حتى وسط الألم.

 

← ممارسة لاهوت شجاع، يقوم على معرفة راسخة بالإيمان، واحترام للآخر، دون انغلاق أو انفعال.

 

← تبنّي خطاب دفاعي عقلاني، يُبرز عمق الإيمان المسيحي وأصالته، دون تهجّم أو انفعال.

 

 

خلاصة: بين الألم والرجاء

 

إن ما سبق ليس نظريًا، بل خطوات قابلة للتنفيذ على مستوى الأفراد، الكنائس، المساجد، المجتمع المدني، والجهات الرسمية. فنحن إما أن نكون معًا، أو لن نكون. نختلف في العقائد، نعم، لكنّ هذا لا يعني أن نعيش في خلاف دائم. هناك فرق بين الاختلاف والخلاف.

 

وإلى اخوتي المسيحيين أقول: لا نواجه التكفير بالردّ عليه فقط، بل بالصلاة، والثبات، والعيش في شهادة المحبة النبوية. يسوع علّمنا ألّا نردّ الشرّ بالشرّ، بل نواجه الكراهية بالصدق والشجاعة والرحمة والمحبة.