موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ مايو / أيار ٢٠٢٢
قداس شكر في بازيليك البشارة في الناصرة على إعلان قداسة شارل دي فوكو
تصوير: رعيّة اللاتين في الناصرة

تصوير: رعيّة اللاتين في الناصرة

أبونا :

 

بعدما أعلن البابا فرنسيس، الأحد 15 أيار الحالي، قداسة الراهب المتواضع شارل دي فوكو، قام أبنائه وبناته من رهبنة الإخوة والأخوات الصغيرات بالإحتفال سويّة في بازيليك البشارة بمدينة الناصرة، الأحد 29 أيار 2022، في قداس شكر للرّب ترأسه البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين ورئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك في الأرض المقدّسة.

 

هذا وشارك في القداس رئيس أبرشيّة عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك المطران يوسف متى، ورئيس أساقفة حيفا والأرض المقدسة للموارنة المطران موسى الحاج، والنائب البطريركي العام للاتين في القدس المطران وليم شوملي، والنائب البطريركي للاتين في الجليل المطران رفيق نهرا، ولفيف من الأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات، وحشد من المؤمنين.
 

وفي عظته، عبّر البطريرك بيتسابالا عن فرحه للقاء الكنائس الكاثوليكيّة مع بعضها البعض للاحتفال ورفع الشكر لإعلان قداسة شارل دي فوكو، مشيرًا إلى أنّ القداس في مدينة الناصرة له ميّزة فريدة "حيث أمضى فيها القديس الجديد لحظات مهمّة في حياته، وربما كانت حاسمة في اهتدائه، لدرجة أن جزءًا من الروحانيّة المنسوبة إليه تُدعى على وجه التحديد باسم ’روحانيّة الناصرة‘ أو ببساطة ’الناصرة‘".

 

وأوضح غبطته بأنّ "المجد الحقيقيّ يكمن في طريق الخدمة المتواضعة، في الصليب، والذي قبل أن يكون رمزًا للألم والتضحيّة، فهو المكان الذي تجلّت فيه محبّة الله اللامحدودة. فالمرء لا يبني الوحدة من جعل نفسه عظيمًا، إنما من خلال إفساح المجال للآخر، ومحبته أكثر من الذات. وفقط، مثل هذه المحبّة التي تعرف كيف تعطي نفسها، وتعرف كيف تجعل من نفسها صغيرة لإفساح المجال للآخر، يمكنها أن تبني الوحدة، وبالتالي تُصبح صورةً لمحبّة الله، وللوحدة بين الآب ويسوع".

روحانيّة الناصرة

 

وأشار البطريرك بيتسابالا إلى أنّ هذا الأمر كان أحد الجوانب المميّزة لحياة القديس شارل دي فوكو. وقال في عظته: "لقد كان جنديًا منحدرًا من البرجوازيّة الفرنسيّة، والتي تعني بأنّه كان بعيدًا عن الكنيسة وأسلوب حياتها وكلّ ما يتعلّق بها، وبالتالي بعيد عن المسيح. إلا أنّه غامر، كجندي أولاً، ثم كمستكشف في شمال إفريقيا، حيث هناك التقى بالمسلمين والفقراء، وبدأ رحلته في إعادة التفكير في حياته الروحيّة، والتي قادته شيئًا فشيئًا للقاء السيد المسيح الذي سيقع في حبّه، ولن يتركه بعد الآن".

 

وقال: "لقد قادته هذه القبائل الصغيرة في شمال إفريقيا، والذين لم يعرفوا المسيح، للقاء المسيح. وفي هذه المرحل المبكّرة من اهتدائه نجد سمات حياته كلّها: فقد قلب حبّه الجديد ليسوع حياته بشكل كامل، وقاده إلى السعي وراء الخفاء، ليكون فقيرًا وقريبًا من الفقراء، وأن يكون شخصًا إيجابيًّا ويجسّر علاقة بناءة مع الإسلام. لقد كانت محبّة المسيح كافيّة له"، مشدّدًا على أنّ "روحانيّة الناصرة، والتي تعود إلى حياة يسوع الخفيّة، ليست إلا النزول إلى حياة الفقراء البسيطة، والفقر معهم، والاختباء بينهم".

علاقة مع الجميع

 

وتطرّق البطريرك بيتسابالا إلى ميّزة ثانيّة في حياة القديس شارل، وهي العلاقة.

 

وقال: "أن تحب المسيح يعني أن تحب الإنسان. ولا يمكن الفصل بين هذين الجانبين. فالمرء يبحث عن وجه المسيح من خلال لقائه بالإنسان. وفي تلك الأوقات، كانت هذه طريقة جديدة للتبشير بالإنجيل: ففي الوقت الذي كان فيه المبشرون الغربيون يسافرون إلى جميع أنحاء العالم لتقديم الإنجيل بطريقتهم الخاصة، أراد شارل دي فوكو أن يذهب إلى الناس، وأن يقترب من الناس، وأن يحاول تعلّم قيمهم وثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم. لقد شعر بأنّه أخ للجميع، مستبقًا بذلك ما هو اليوم موضوع مركزي في حياة الكنيسة. لكن فكرته عن الأخوّة لم تستند إلى مشاعر غامضة أو عامة. لقد كان متجذرًّا في علاقة مباشرة مع يسوع".

حبٌ حقيقيّ

 

وأشار إلى أنّ اللافت في هذا القديس هو أنّه "يبدو أنّه لم يفعل شيئًا. لم يهدي أحدًا، ولم يؤسس شيئًا. وإن قراءة أرشيف أديرتنا في الأرض المقدّسة والبطريركيّة تظهر بأنّه فشل في مشاريعه، ولم يصدم أحدٌ بعظم شهادته. وربما كان ينظر إليه على أنه أحد الشخصيات الغريبة التي غالبًا ما تتردّد على كنائسنا في الأرض المقدّسة. باختصار، إنّه قديس لا يأتي بأيّة نتيجة. وقد مات مقتولاً، وحيدًا، كما يموت كثيرون اليوم".

 

لكنّ البطريرك شدّد على أنّ "المعيار الوحيد الذي يمكننا من خلاله قياس تجربته إلى حدّ ما هو الحب. فمحبته قادته للمسيح وإلى الاقتداء به في كلّ شيء، حتى الموت. لقد أراد أن يعرّف نفسه في كل شيء مع موضوع حبّه، يسوع، وفي النهاية فقط، بالموت، كان قادرًا على ملء الفراغ الذي كان يرافقه دائمًا، لأنّه في تلك اللحظة، كان قادرًا على احتضان الحب الذي غلبه بشكل كامل ونهائيّ". وأكد بالقول: "دائمًا ما يكون الحب الحقيقيّ مُولّدًا، ومُنفتحًا على الحياة وعلى آفاق جديدة بشكل دائم".

ماذا يعلمنا القديس شارل دي فوكو؟

 

وأوضح البطريرك بيتسابالا إلى أن القديس شارل "يذكرنا بعدم العمل في حياة الكنيسة بحثًا عن نتيجة. إنّه يدعونا لتحرير أنفسنا من البحث عن النتيجة بأي ثمن، أو من أجل النجاح في مساعينا. يذكّرنا أنه لكي نكون كنيسة فليس من الأهميّة أن نقوم ببناء مشاريع عظيمة. في حين أن الكنيسة تحيا وتنمو من لقاء المسيح ومحبته. فبدون محبّة المسيح، كل ما تبقى منا هو هياكل باهظة الثمن، سواء كانت ماديّة أو بشريّة".

 

أضاف: "إن حبّ المسيح يعني محبّة الإنسان، حيث هو، وكما هو. كما من خلال الاقتراب منه: في عمله، في عائلته، في أسئلته، في معاناته، في ألمه، من دون التظاهر بتقديم الحلول، والتي غالبًا ما تكون غير موجودة. وهنا في الأرض المقدّسة، يعني الوقوف بجانب كل إنسان؛ في رغبته في الحياة، في تعطشه للعدالة، في مطالبته بالكرامة. إنّه يعني طلب قوة المغفرة، وبناء علاقات صداقة مع الجميع، ورفض فكرة العداوة، وفي بناء علاقة سليمة مع أولئك الذين لا يعرفون المسيح. إنّها الرغبة في أن نكون أخوة وأخوات مع الجميع، من خلال شهادتنا لمحبّة السيد المسيح اللامحدودة والموثوقة والملموسة للجميع".