موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يقدّم إنجيل لوقا حياة يسوع على الأرض كمسيرة واحدة عظيمة، تتجه نحو هدف واضح ومحدد: القدس. وهو هدف جسدي، ولكن بالأخص هدف روحي ولاهوتي: فالقدس هي المكان الذي يُصعد إليه لتقديم العبادة لله؛ ويسوع، عندما يصعد إلى القدس، يقدّم العبادة الحقيقية للآب، يقدم ذاته، عطية محبة من أجل خلاص الجميع.
وبسبب خطيئة الإنسان، ستكون هذه العطية ذبيحة دموية، وتتخذ شكل الموت الرهيب على الصليب. يمضي يسوع في طريقه نحو القدس مقدِّماً على هذه الخطوة، التي كان يدركها، ومن أجل مواجهتها، "عَزَمَ على الاتِّجاهِ" واتخذ القرار الحاسم بأن يذهب حتى النهاية (لوقا 9: 51).
لكن مقطع اليوم (لوقا 24: 46-53)، عيد الصعود، يخبرنا بأن القدس، في الحقيقة، ليست بالنسبة ليسوع الهدف النهائي والأخير، بل هي الباب الذي يسمح له بالعبور، بالعودة إلى الآب، بالصعود إلى السماء: فطريقه لا ينتهي إذًا في القدس، لأن الهدف الحقيقي لمسيرة يسوع هو الآب. فمنه أتى، وإليه يعود (راجع يوحنا 13: 3).
يخبرنا الإنجيلي لوقا أن يسوع كان مع تلاميذه في العلية، معلِّماً إياهم كلماته الأخيرة. ومع ذلك، فإن حدث الصعود لا يحدث في القدس. بل يوضح لوقا "ثُمَّ خَرَجَ بِهم إِلى القُرْبِ مِن بَيتَ عَنْيا" (لوقا 24: 50). وليس التركيز في هذه العبارة على بيت عنيا، التي تبقى في خلفية الرواية، بل على المعنى العميق لخروج يسوع بتلاميذه من القدس. فحتى وإن كانت وجهتهم قريبة من المدينة، إلا أن الأهم هو أنهم خرجوا منها. فلماذا هذا التأكيد؟
لأن مسيرة يسوع نحو القدس تستمر الآن في شخص تلاميذه. فعليهم هم أيضًا أن ينطلقوا، أن "عَزَموا على الاتِّجاهِ" ويختاروا السير، مثل يسوع ومعه، نحو المكان الذي فيه يبذلون حياتهم.
في إنجيل اليوم، تبقى القدس محور الحدث، وترد ثلاث مرات، وكل مرة منها تقترن بحركة يقوم بها التلاميذ. فالقدس هي المكان الذي يعود إليه التلاميذ "ثُمَّ رَجَعوا إِلى أُورَشَليم وهُم في فَرَحٍ عَظيم" (لوقا 24: 52). وهي المكان الذي يبقى فيه التلاميذ "فَٱمكُثوا أَنتُم في المَدينَة إِلى أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى" (لوقا 24: 49). وهي أيضًا المكان الذي يجب أن ينطلقوا منه "اِبتداءً مِن أُورَشَليم" (لوقا 24: 47).
يعودون إلى القدس ليستمدوا الحياة مجددًا من سر الفصح. ويبقون في القدس لانتظار عطية الآب، الروح القدس، الذي يجعل الفصح حيًا فيهم وفيما بينهم. وينطلقون من القدس ليحملوا هذه العطية للجميع، كما هم قد تلقّوها. وهكذا، فمسيرة يسوع لم تنتهِ. إنها مستمرة نحو الآب، لكنها حتى في ذلك لم تُختَتم بعد.
لن تكتمل هذه المسيرة إلا عندما يتجه كل إنسان نحو الآب، حيث هو في انتظارنا. ولكي يتحقق ذلك، لا بدّ أن يبدأ تلاميذه السير أولًا في هذا الطريق.
يجب على التلاميذ أن يعلنوا، إلى كل الشعوب، دون استثناء، بالكلمة والشهادة، الخبر الجديد العظيم عن الرب القائم من بين الأموات "كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويَقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث، وتُعلَنُ بِٱسمِه التَّوبَةُ وغُفرانُ الخَطايا لِجَميعِ الأُمَم، اِبتداءً مِن أُورَشَليم" (لوقا 24: 46-47)، الذي يفتح أمام الجميع طريق العودة إلى الآب، من خلال التوبة ونيل غفران الخطايا. بالنسبة للتلاميذ، سيكون كل مكان هو القدس، هو المكان الذي، مثل معلمهم، سيُدعَون فيه لبذل حياته. ومثل معلمهم، سيختبرون أن القدس ستكون بالنسبة لهم أيضًا بابًا، الباب المفتوح الذي يعودون من خلاله إلى الآب.