موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢٥ يوليو / تموز ٢٠٢٥
تأمل الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا: الأحد السابع عشر من الزمن العادي، ج، 2025

بطريرك القدس للاتين :

 

حين توجّه التلاميذ إلى يسوع طالبين منه أن يعلّمهم الصلاة، قائلين: "يا رب، علّمنا أن نصلّي، كما علّم يوحنّا تلاميذه" (لوقا ١١: ١)، لم يقدّم لهم مجرّد صلاة جاهزة، بل قادهم في مسيرة من ثلاث مراحل متكاملة.

 

وهنا نلمس أوّل مفتاح أساسي في إنجيل هذا الأحد (لوقا ١١: ١–١٣): الصلاة ليست ترداد كلمات أو تلاوة صيغة محدّدة، بل هي مسيرة ودرب.

 

وهي مسيرة لا تخلو من التحدّيات والتعقيدات: فمثل "الصديق اللجوج" (لوقا ١١: ٥–٨)، وكذلك الآيات التي تليه (لوقا ١١: ٩–١٣)، ليست سهلة الفهم، لأنها تكشف لنا أن الصلاة ليست استجابة فورية أو تلقائية، بل طريق يحتاج إلى صبر ومثابرة وثقة.

 

في صميم هذا النص، نجد مثلًا. وما يربط هذا المثل بصلاة "أبانا" هو عنصر جوهري: الخبز. في صلاة "أبانا"، يَبرز طلب الخبز في قلب الصلاة: "أزُقْنا خُبزَنا كَفافَ يَومِنا" (لوقا ١١: ٣). وهذا الطلب نفسه هو ما يحرّك أحداث المثل، الذي يبدأ بشخص يذهب إلى صديقه في منتصف الليل ليطلب منه ثلاثة أرغفة: "مَن مِنكم يَكونُ لَه صَديقٌ فيَمْضي إِلَيه عِندَ نِصفِ اللَّيل، ويَقولُ له: يا أَخي، أَقرِضني ثَلاثَةَ أَرغِفَة" (لوقا ١١: ٥). إذًا، أمامنا صديق، يزوره صديقه في ساعة متأخّرة من الليل، لكنه لا يملك ما يقدّمه له من خبز.

 

يتطلّب هذا المثل قراءة متأنّية وانتباهًا لما يحمله من معانٍ ضمنيّة. فمن الطبيعي، في ظاهر الأمور، أن يؤجّل الصديق الذي لا يملك خبزًا طلبه إلى اليوم التالي، نظرًا للوقت المتأخر. لكن يسوع يكشف لنا أمرًا أعمق: هذا الرجل، وإن كان لا يملك خبزًا، إلا أنه يملك صديقًا. صديقًا يثق به ثقة كاملة، ويعلم يقينًا أنه يملك الخبز، وسيمنحه إيّاه متى طُلب منه. صداقة من هذا النوع، تجعل من الممكن أن يُطرق بابه في منتصف الليل، من دون تردّد أو خجل.

 

وهكذا هي الصلاة. الصلاة أشبه بصديق يقتحم حياتك فجأة، وفي وقت غير مناسب، طالبًا منك الضيافة. الصلاة هي أن تفتح الباب، وأن تسمح لهذا الحدث بأن يُربك هدوءك، تمامًا كما فعل السامري الصالح في المثل الذي تأمّلنا فيه سابقًا. الصلاة هي أن نواجه حقيقة أننا لا نملك ما يحتاجه الآخر، ولا نملك "خبز الحياة" الذي يشبع الجوعه العميق. ولهذا السبب، ينبغي علينا أن نتوجّه إلى الآب، ونطلب منه هذا الخبز، بالصلاة التي علّمنا إياها يسوع.

 

لكن الصلاة تعني أيضًا ألّا نكتفي بالملاحظة أو التراجع، وألّا نُعيد الصديق خائبًا إلى بيته، ولا أن نتحجّج بعجزنا عن تلبية طلبه. ففي جوهرها، الصلاة هي أن نعرف أن لنا أبًا، يمكننا أن نقصده حتى في عتمة الليل، ونبثّه حاجتنا، ونقول له بصدق: "لا نملك خبزًا، لا لأنفسنا ولا لأحبّائنا". إن معرفتنا بوجود الآب، تمنحنا القدرة على إبقاء أبوابنا مفتوحة، مستعدّين لاستقبال من يلجأ إلينا في أي وقت، لأننا نعلم أن لدينا من نلجأ إليه نحن أيضًا. الربّ، في الحقيقة، يملك الخبز الذي نطلبه. لكنه لا يمنحه لنا على الفور، بل يقدّمه لمن يثابر، لمن لا يستسلم، لمن يثق بثقة كاملة أنّه لن يُخيَّب: "أَقولُ لَكم: وإِن لم يَقُمْ ويُعطِهِ لِكونِهِ صَديقَه، فإِنَّه يَنهَضُ لِلَجاجَتِه، ويُعطيهِ كُلَّ ما يَحتاجُ إِلَيه" (لوقا 11: 8).

 

أي لمن يؤمن بعمق الصداقة مع الآب، لمن يعرف كيف ينتظر، لمن يعلم أن الله لا يُخيّب الرجاء، من هنا يأتي النداء: "إِسأَلوا تُعطَوا، ٱطلُبوا تَجِدوا، اِقرَعوا يُفتَحْ لَكم" (لوقا ١١: ٩). لكن، مع ثقة من يؤمن بأن الله أب، وسيعطي أولاده الصالحات، أكثر بكثير من أي أب أرضي: "فإِذا كُنتُم أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَن تُعطوا العَطايا الصَّالِحَةَ لِأَبنائِكم، فما أَولى أَباكُمُ السَّماوِيَّ بِأَن يَهَبَ الرُّوحَ القُدُسَ لِلَّذينَ يسأَلونَه" (لوقا ١١، ١٣).