موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ١ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢
بشار جرار يكتب: نحو خدمة تليق بمن عمّد المسيح

بشار جرار :

 

رغم كوني خريج كلية تراسنطة، لم أحظ وزملائي كافة -مسلمين ومسيحيين- بشرف رحلة مدرسيّة إلى المغطس، موقع عمّاد السيد المسيح وانطلاق المسيحية عبر نهر الأردن إلى العالم كله.

 

حكمة ومحبة حراس الأراضي المقدسة رهبان الفرنسيسكان في خدمة التربية فالتعليم ارتأت اقتصار الرحلات المدرسيّة على الجوانب الترفيهية، بعيدا عن أي محتوى قد يتحول إلى نقاش ديني في تلك المرحلة العمرية.

 

منذ تخرجي من المدرسة وحتى الآن وأنا على أعتاب الستين، تشرفت بالزيارة ثلاث مرات، كل مرة كنت آتي فيها بشوق أعظم ولهفة أكبر محملا بمعرفة تراكمية جمعتها عبر مسيرتي المهنية بريطانيا وأمريكيا خاصة في مجال الإعلام وهو في هذه الحالة له صنو آخر يعرف بالتسويق.

 

هذه المرة تحديدًا، كانت مميزة عن سابقتيها كونها أتت بعد زيارة إلى الأراضي المقدسة غرب النهر، زيارة شملت البشارة والقيامة وما بينهما من بركات "عمونائيلية"..

 

بهذه الروح أكتب وافتح البيكار باستئذان على قدر محبة المضيف وحكمته. ما شهدته يستدعي العتاب، عتاب المحب الغيور. عتاب من ينشد الكمال أداء لأمانة الشهادة، شهادة الحق التي لا نملك السكوت عنها إن أراد المحب لهذا المكان العظيم أن يسمع..

 

ميزة العمّاد على البشارة والقيامة أنها البداية المثلى لملايين المؤمنين من مختلف أنحاء العالم. ليس تعميد الأطفال فقط -وتلك تخص الكنائس الرسولية (خاصة الأرثوذوكس والكاثوليك) أكثر منها البروتستانتية والإنجيلية- وإنما تثبيت الإيمان والتبرّك أيضا وهذا ما يعنيني هنا كأردني أمريكي.

 

أعلم وعن قرب، حجم الإقبال السنوي الهائل في أمريكا على التوجه إلى الأراضي المقدسة وهي حتى الآن على حساب جميع الدول العربية وأهمها الأردن وسورية ومصر، ونصيب الأسد فيها لإسرائيل. لكن حتى الإنجيليين ومن يوصفون بالمسيحيين الصهيونيين يسلّمون ككتابيين بأن موقع عمّاد السيد المسيح هو بيت عنيا على الضفة الشرقية من نهر الأردن.

 

لن أنبس ببنت شفة في الفضاء العام عما رأيت ولكن، هذه بعض المقترحات، لن أرقمها وسأكتفي بتسلسلها لوجستيًا: ليس المغطس ولا كنز السياحة الدينيّة (الكتابية بعهديها) بحاجة إلى دعاية، ولكن من غير المعقول عدم مراعاة اعتماد خطاب السوق العالميّة وليس خطابنا نحن بمفرداتنا التقليدية. ثمّة حاجة إن لزم الأمر لعصف الأفكار مع رجال دين وأساتذة تاريخ وخبراء سياحة أردنيين مغتربين عركوا الحياة عن قرب وفهموا الذهنية العامة والمزاج العام لكل سوق مستهدف بالاستقطاب أو الاستزادة. سفاراتنا "ما بيقصروا" ولكن زيادة الخير خيرين.

 

اقتنع السائح أو الحاج وكسبناه، هل أعددنا البنية التحتية – من الحمامات العامة وحتى الطرق ولافتات الطرق غير المخفية وراء شجيرات طالت أغصانها المورقة شاخصة الطريق باللغتين العربية والإنجليزية. حبذا لو تمت إضافة اليونانية والإيطالية والروسية على المواقع الدينية البارزة كالمغطس وجبل نيبو. هذه مبادرة تؤثر في نفسية المتلهف لزيارة الأماكن المقدسة.

 

وصل السائح أو الحاج إلى الموقع، أفلا يتم تخصيص استراحة في مأمن من الكلاب الضالة هل ننتظر لا قدر الله حادثة يستغلها المغرضون ومتاعيس السوشال ميديا؟!

 

لماذا غابت سيارات "الغولف" الصغيرة وقد كان بيننا عجزة وشبه معاقين حركيا. ما ضير أن يتم وضع حد للحر والذباب بكافة الوسائل المتاحة من ضمنها ما يتم توفيره في الصالات المفتوحة كالمراوح على الطاقة الشمسية مثلا! ما المشكلة في أن يتولى الشرح عن أهمية المكان موظف أو متطوع يجتاز امتحان الأهلية تاريخيا ودينيا ولغويا.. منافسنا "مش قليل" ولدينا الكثير الكثير من الكفاءات.

 

أخيرًا وليس آخرًا، من غير المعقول أن يقتصر الأمر على كشك ومحل لبيع التذكاريات، حتى من الناحية الريعية أو الربحية الأمر لن يحقق العائد المطلوب. بالإمكان مثلا تخصيص دارة متواضعة للراغبين بقضاء ليلة أو أكثر تأملا في معاني ما تم قبل العمّاد وبعده. جوانب كثيرة في حياة يوحنا المعمدان بالإمكان تجسيدها على نحو إنتاجي. زرت متحفًا خاصًا في الناصرة كان ثمن قطعتي خيش لزي الرجل والمرأة في زمن يسوع المسيح نحو مئتي دولار.. في بيت لحم وبيت ساحور والقدس تباع حفنات من البخور والزيوت والزعتر بما هو أضعاف أضعاف "رسوم" دخول المغطس. ماذا لو بيع ما اقتات عليه يوحنا المعمدان -عسل بري وجراد، (ويمكن أن يستعاض عن هذا بالخروب الذي تشير اليه بعض التقاليد)، في عبوات عليها شارة المغطس. أو لدينا هذه الشارة، "الماركة" أو "البراند"؟ رأيت أيقونات ومسابح وردية رأيت أمثالها في سائر المدن المقدسة التي زرتها غرب النهر، أفلا نخص يوحنا المعمدان والمغطس الأردني بعلامة خاصة؟

 

هي الغيرة على قدر المحبة ولا عتاب بين المحبين.. لم أقل في عنوان مقالتي "المسيح" بل من "عمّد المسيح" وما كان يوحنا الذبيح الشهيد أهلا بحل سيور نعليه، فماذا يكون حالنا نحن؟