موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
بانوراما الأحداث الكنسيّة لعام 2025: عام التحوّلات والرجاء
ساحة القديس بطرس يوم تنصيب البابا لاون الرابع عشر

ساحة القديس بطرس يوم تنصيب البابا لاون الرابع عشر

أبونا :

 

شكّل عام 2025 محطة استثنائية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية والكنائس المسيحية عمومًا، إذ تداخلت فيه أحداث روحيّة كبرى مع تحوّلات تاريخية مؤلمة ومفصلية، في ظل إعلان سنة يوبيلية عادية حملت شعار «حجاج الرجاء».

 

وفيما يلي قراءة بانورامية لأبرز الأحداث الكنسيّة شهرًا بشهر:

 

 

كانون الثاني | انطلاقة اليوبيل وتدشين تاريخي في الأردن

 

استهلّ العام بزخم روحي كبير مع استمرار فعاليات سنة اليوبيل التي أعلنها البابا فرنسيس، والتي بدأت رسميًّا ليلة عيد الميلاد 2024 بافتتاح الباب المقدّس في بازيليك القديس بطرس. وقد شهدت السنة أكثر من 30 فعالية يوبيلية شملت جميع فئات الأعمال الرسولية والرعوية في الكنيسة.

 

وفي 10 كانون الثاني، شهد الأردن حدثًا كنسيًا بارزًا تمثّل في تدشين كنيسة عُمّاد السيد المسيح للاتين في موقع المغطس، على نهر الأردن، أحد أقدس المواقع المسيحية. وقد حضر مراسم التدشين مبعوث جلالة الملك سمو الأمير غازي بن محمد، ومبعوث قداسة البابا فرنسيس نيافة الكاردينال بييترو بارولين، في مناسبة روحيّة ووطنيّة تزامنت أيضًا مع مرور 25 عامًا على انطلاق الحج المسيحي إلى الموقع.

 

 

شباط | سيامة أسقفية في قلب الأرض المقدسة

 

في 28 شباط، احتفلت الكنيسة في الأردن بسيامة المطران إياد الطوال أسقفًا مساعدًا ونائبًا بطريركيًا للاتين، وذلك في كنيسة عُمّاد السيد المسيح. وجاءت السيامة بعد تعيينه من قبل البابا فرنسيس في أواخر عام 2024.

 

 

نيسان | وحدة الفصح ورحيل البابا

 

شهد شهر نيسان واحدًا من أكثر الفصول كثافةً وتأثيرًا في مسيرة الكنيسة خلال عام 2025، إذ جمع بين علامة رجاء مسكوني نادرة وحدث مفصلي أنهى حبريّة تاريخية، فطغى عليه مزيج من الفرح العميق والحزن العالمي.

 

ففي 20 نيسان، احتفل جميع المسيحيين في العالم، على اختلاف كنائسهم وتقاليدهم، بعيد الفصح في تاريخ واحد، في مصادفة فلكية أعادت إلى الواجهة أُمنية السيّد المسيح "بأن يكونوا واحدًا". وشكّل هذا التزامن علامة رجاء مسكونية متجدّدة، ودعوة إلى تكثيف الجهود لاعتماد تاريخ موحّد لعيد القيامة مستقبلاً، بما يعزّز شهادة المسيحيين ووحدتهم أمام عالمٍ يتوق إلى المصالحة والسلام.

 

غير أنّ فرحة العيد لم تلبث أن تحوّلت إلى حزن عميق، إذ أعلن الفاتيكان في 21 نيسان (اثنين الفصح) وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عامًا. وكان العالم قد تابع خلال الأسابيع التي سبقت رحيله، التحديثات الدورية الصادرة عن الكرسي الرسولي حول حالة الصحيّة، منذ إدخاله إلى مستشفى جيميلي في 14 شباط، وصولاً إلى خروجه في 23 آذار.

 

غير أنّ المشيئة الإلهية شاءت أن يرحل إلى ديار النور بعد يوم واحد من منح بركته الفصحية "إلى مدينة روما والعالم" في ساحة القديس بطرس، وكأنها كانت "وصيّته الوداعية"، تاركًا حبرية اتسمت بالجرأة الإنجيلية، والانفتاح الرعوي، والدفاع عن الفقراء واللاجئين والمهمّشين، والسعي الدؤوب إلى الأخوّة والسلام والحوار بين مختلف الشعوب والأمم والأديان. وإن نسي العالم، فإنّه لن ينسى مكالماته اليوميّة مع الكهنة في غزة، الأمر الذي استمرّ عليها لآخر أيام من حياته.

 

 

أيار | انتخاب بابا جديد وبداية مرحلة جديدة

 

شهد 8 أيار انتخاب الكاردينال روبرت فرنسيس بريفوست كخليفة جديد للقديس بطرس في الكنيسة الكاثوليكية، متخذًا اسم لاون الرابع عشر، ليصبح بذلك البابا رقم 267 في تاريخ الكنيسة. ويُعدّ انتخابه حدثًا تاريخيًا مزدوج الأبعاد، فهو أول بابا من الولايات المتحدة، كما أنه أول بابا ينتمي إلى رهبنة القديس أوغسطينوس، ما يضيف بعدًا روحيًا وتاريخيًا مميزًا لحبريته الجديدة.

 

وقد أعقبت عملية الانتخاب إجراءات احتفالية رسمية، بلغت ذروتها مع قداس التنصيب الذي أُقيم في 18 أيار في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، بحضور آلاف المؤمنين والحجّاج من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى قادة وممثلين عن الدول والكنائس والأديان.

 

 

حزيران | جرح دامٍ في الكنيسة الشرقية

 

في 22 حزيران، هزّ العالم تفجير كنيسة مار الياس للروم الأرثوذكس في حي الدويلعة بالعاصمة السورية دمشق أثناء الاحتفال بالقداس الأسبوعي يوم الأحد، ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 25 مصليًا وإصابة العشرات. وقد شكّل هذا الحدث صدمة سيمّا وأنه أتى بعد انتصار ثورة حملت شعار العدالة الاجتماعية والحقوق المتساوية.

 

إلا أنّ هذه الفاجعة لم تُطفى شعلة الرجاء في قلوب المؤمنين، ففي كانون الأول أُضيئت شجرة عيد الميلاد في ساحة الكنيسة ووضع عليها صور بعض الشهداء، في تأكيد على أنّ صمود الإيمان والرجاء يُجدّدان الحياة حتى وسط الألم والصعوبات.

 

 

تموز - آب | يوبيل الشبيبة وصوت الرجاء

 

من 28 تموز إلى 3 آب، ومن فعاليات السنة المقدّسة، استضافت روما يوبيل الشبيبة، كأول لقاء عالمي ضخم يشارك به البابا لاون الرابع عشر مع أكثر من 1.2 مليون شاب وشابة. وقد تُوّج الحدث لاحقًا بلقب «الحدث الأكثر شهرة لعام 2025» خلال حفل جوائز أفضل الأحداث، في شهادة على حيويّة الكنيسة الشابة.

 

 

أيلول | قداسة شابة تلهم العصر

 

في 7 أيلول، أعلن البابا لاون الرابع عشر قداسة الطوباوي ماركو أكوتيس وبيير جورجيو فراساتي خلال قداس احتفالي في ساحة القديس بطرس، بحضور عائلتيهما. وشكّلت قداستهما رسالة ودعوة قويّة لشباب اليوم بأن القداسة ممكنة في زمن التكنولوجيا.

 

 

تشرين أول: إحياء وثيقة الحوار Nostra Aetate

 

في الثامن والعشرين من الشهر، تمّ في قاعة القديس بولس السادس في الفاتيكان، إحياء ستين عامًا (اليوبيل الماسي) على واحدة من أهم وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني، أي وثيقة "في عصرنا Nostra Aetate" التي وقّعها البابا بولس السادس عام 1965. وهي التي فتحت أبواب الحوار واسعة بين الكنيسة ومختلف الأديان، وبالاخص مع أتباع الديانة الإسلامية. وفي الأردن، تمّ إحياء الذكرى بتنظيم المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، في الجامعة الأميركية في مادبا، وبرعاية وحضور الكاردينال بييرباتيتسا بيتسابالا، بتاريخ 20 تشرين أول.

 

 

تشرين الثاني | نيقية، تركيا، ولبنان

 

احتفلت الكنائس بمرور 1700 عام على مجمع نيقية المسكوني الأول، الذي وضع أسس قانون الإيمان. وفي هذا السياق، قام البابا لاون الرابع عشر بأول زيارة خارجية له إلى تركيا (27–30 تشرين الثاني)، حيث شارك في صلاة مسكونية في إزنيق، والتقى البطريرك المسكوني وقادة الكنائس الكاثوليكية والشقيقة، وفتح آفاقًا جديدة للحوار بين الأديان.

 

وتابع البابا رحلته إلى لبنان (30 تشرين الثاني – 2 كانون الأول) في زيارة وُصفت بـ«زيارة أمل»، وحملت شعارًا مستمدًا من الإنجيل المقدّس: "طوبى للساعين إلى السلام". وقد اشتملت الزيارة على لقاءات رسمية مع رئيس الدولة اللبنانية، ورؤساء الكنائس، ورؤساء الأديان والشباب، ومرفأ بيروت، والقداس الحاشد في واجهة بيروت البحرية، بالإضافة إلى زيارة مزار مار شربل كأول حبر أعظم يزور المكان.

 

 

كانون الأول | الميلاد يعود إلى الأرض المقدسة

 

واختُتم العام بعودة الاحتفالات الميلادية إلى فلسطين، خصوصًا في غزة وبيت لحم، بعد توقّف دام عامين نتيجة الحرب. وجاءت هذه العودة بعد أشهر مريرة عاشها النازحون إلى كنيسة العائلة المقدسة خلال أيام الحرب الصعبة، حيث شارك المسيحيون مصير شعبهم بكل ما حمله من ألم ومعاناة يومية. وكانت الكنيسة قد تعرّضت في 17 تموز لقصف مباشر أسفر عن استشهاد ثلاثة من المصلّين، وإصابة نحو عشرة آخرين بينهم كاهن الرعيّة الأب جبرائيل رومانيلي.

 

وشكّل حضور الكهنة والراهبات المنتمين لرهبنة الكلمة المتجسّد، بين جماعة المؤمنين، صورة حيّة للرعاة وسط رعيتهم، مؤكّدين التزام الكنيسة برسالتها في الرعاية والعناية في أقسى الظروف. وكما تجسّد هذا الالتزام في زيارتين قام بهما الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، إلى غزة في أيار وكانون الأول، حيث حمل رسائل دعم وتشجيع، مشدّدًا على أن الكنيسة لن تترك أبناءها، وأنها ستكون من أوائل المؤسسات التي ستساهم في إعادة إعمار البيوت والمدارس، وترميم ما دمّرته الحرب. ويبقى الرجاء بأن يحمل العام الجديد خاتمة حقيقة لهذه المعاناة، وأن تتحقّق تطلّعات الشعب الفلسطيني المشروعة إلى الأمن والكرامة والسلام.

 

 

خاتمة - رجاء ثابت في المسيح

 

كان عام 2025 عامًا استثنائيًا بامتياز: عام يوبيلٍ حمل عنوان الرجاء، عام وداعٍ وبدايات مع رحيل بابا وانتخاب آخر، عام جراحٍ دامية طبعت جسد الكنيسة والإنسانية، وعام شهادات قداسة أنارت الدرب وسط العتمة.

 

لكنه، قبل كلّ شيء، كان عام الرجاء الذي سارت فيه الكنيسة، رغم الأزمات والتحدّيات، كجماعة حجّاج نحو المستقبل، متشبّثة بالإيمان، ومجدِّدة التزامها بالحياة والكرامة الإنسانيّة. رجاءٌ، وإن بدا هشًّا في ميزان البشر، يبقى ثابتًا في المسيح، سيّد التاريخ والرجاء الذي لا يُخيّب، المنتصر على الموت، والفاتح آفاق الغد.