موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الثلاثاء، ٢٤ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
الهجوم على كنيسة مار إلياس بدمشق يثير مخاوف المسيحيين في سوريا
أعاد التفجير الانتحاري، الأول من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول، طرح مخاوف المسيحيين في سوريا، والذين لم يخفوا قلقهم على مصيرهم منذ انتقال السلطة في البلاد إلى ممثلين عن فصائل إسلامية متشددة.

مريم سيف الدين :

 

منذ نحو 165 عامًا، تاريخ وقوع مجزرة ضد المسيحيين في باب توما في دمشق عام 1860، لم يشهد مسيحيو سوريا اعتداء بحجم الذي شهدوه الأحد، حيث أقدم انتحاري على تفجير نفسه داخل كنيسة مار إلياس بمنطقة الدويلعة في دمشق. وأدى الهجوم لمقتل 25 شخصًا وإصابة حوالي 60 آخرين، وفق وزارة الصحة السورية، ونسبته دمشق إلى تنظيم "الدولة الإسلامية".

 

وبعد موجة التنديد الدوليّة بالهجوم الانتحاري، تعهد الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الإثنين، بمعاقبة المتورطين فيه. وأعلنت السلطات السورية في وقت لاحق توقيف عدد من المشتبه بضلوعهم في الهجوم.

 

ويعزز هذا التفجير الانتحاري، الأول من نوعه منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول 2025، مخاوف المسيحيين في سوريا. وهم لا يخفون قلقهم على مصيرهم منذ انتقال السلطة في البلاد إلى ممثلين عن فصائل إسلامية متشددة.

 

ولا تتوفر أرقام دقيقة حول أعداد المسيحيين في سوريا، إذ تختلف التقديرات بحسب المصادر. ويقدر بعض الباحثين عددهم بأقل من 300 ألف نسمة.

 

 

تراجع كبير

 

في حديث إلى فرانس24، يشير الصحافي والباحث السوري روجيه أصفر إلى غياب الأرقام الدقيقة لمجمل السوريين. لكنه يقول إن عدد المسيحيين في سوريا تراجع بنسبة تفوق 70 بالمئة خلال الـ15 عامًا الماضية. ويعطي كمثال مدينة حلب، حيث "كان يتراوح عدد المسيحيين فيها بين 200 و220 ألفًا، وتراجع إلى حوالي 30 ألفًا أو أقل".

 

يشير أصفر إلى أن الأجواء التي تدفع المسيحيين نحو الهجرة واللجوء إلى الخارج لا ترتبط بالضرورة بأن يكونوا هم في مسرح الاستهداف، إذ يتأثرون بالجو العام.

 

وخلال السنوات الـ15 الماضية تعرّض المسيحيون لبعض الاعتداءات أبرزها اختطاف 13 راهبة من دير "مار تقلا" الأرثوذكسي في بلدة معلولا بالقلمون بشمال دمشق، نهاية العام 2013، على يد مسلحين من "جبهة النصرة". وأُفرج عن الراهبات بعد أكثر من ثلاثة أشهر بوساطة قطرية مقابل إطلاق أكثر من 150 سيدة سورية من سجون الأسد.

 

وخلال أحداث الساحل السوري التي استهدفت علويين في آذار، قتل عدد من المسيحيين. وأفاد حينها رئيس أساقفة حمص وحماة والنبك للسريان الكاثوليك، المطران يوليان يعقوب مراد، عن "مقتل 12 مسيحيًا".

 

 

صندوق بريد!

 

شكلت مجزرة الأحد صدمة لدى مسيحيي سوريا، وأثارت القلق من أن تكون بداية لسلسلة هجمات مشابهة تطال الكنائس وتهدد بتهجير من تبقى منهم، والذين يقدر المطران مراد نسبتهم في سوريا بأقل من 2 بالمئة.

 

يقول الباحث السوري روجيه أًصفر إن ما حصل الأحد لم يكن الحادث الطائفي الوحيد في سوريا، لكنه يعتبر أن الحوادث السابقة كانت عابرة، ويتخوف من تداعياته "الكثيرة". ويشير إلى أنها تدفع من كانوا يترددون من المسيحيين لاتخاذ قرار الهجرة.

 

ويعتبر أن "أكثر المتضررين من بعد الضحايا أنفسهم والسوريين هي السلطة المستهدفة الأولى بما حصل، المسيحيون كانوا مجرد صندوق بريد".

 

ويوضح أصفر كلامه شارحًا أن "الاعتداء الإرهابي على الدروز والعلويين والإسماعيليين ليس له تأثير على السلطة في الخارج مثل الاعتداء على المسيحيين، فهو يقوض سلطتها". لكنه يؤكد "أن السلطة أكثر من يتحمل المسؤولية عن الهجوم من بعد مسؤولية المنفذين أنفسهم".

 

 

الضمانات الغربية لا تحمي

 

بعيد سقوط نظام بشار الأسد والقلق على مستقبل الفئات التي توصف بـ"الأقليات"، طالبت العديد من الدول الغربية السلطة السورية الانتقالية بحماية الأقليات وضمان مشاركتهم في الحياة السياسية.

 

عن الضمانات الغربية يقول الباحث إنه كمواطن لا يمكنه أن يستمد أمانه من ضغوطات خارجية. ويشير إلى ضرورة أن تتوفر عوامل الأمان في الداخل وأن تكون مبنية على عقد اجتماعي وتوافق وانسجام بين الشعب والسلطة.

 

وطرح التفجير الانتحاري تساؤلات حول توقيته، وربطه البعض بالأوضاع في المنطقة، على الرغم من أن سيناريو التفجير لم يكن مستبعدا منذ إعلان سقوط الأسد، وزادت من احتماله أحداث الساحل السوري.

 

عن محاولات ربط توقيت التفجير بالحرب بين إسرائيل وإيران واتهام الأخيرة أو حلفائها بارتكابه، يقول أًصفر إن الدلائل المتوفرة تشير إلى أن المنفذ من خلفية إسلاموية متطرفة، "هذا النمط مألوف عند التيارات المتشددة الإسلامية السنية، وبغياب الدلائل الجدية هي اتهامات سياسية الهدف منها تصفية حسابات مع إيران أو غيرها أو التهرب من المسؤولية".

 

 

تمييز ضد المسيحيين؟

 

يلفت أصفر إلى اللغة التي تستخدمها السلطة الانتقالية في سوريا في الحديث عن الضحايا المسيحيين، والتي تختلف عن تلك المستخدمة لدى الحديث عن الضحايا المسلمين. ويقول إنه "خلال المقارنة بين بيانات السلطة إثر تفجير الكنيسة وتلك التي أصدرتها في حوادث أخرى وجد أن السلطة سمت القتلى المسيحيين بالضحايا، بينما تصف القتلى المسلمين بالشهداء. كذلك يشير إلى "إصرار السلطة على استخدام عبارة الطائفة المسيحية بدل الدين المسيحي، ويرى أن ذلك يأتي من خلفية متشددة ترفض اعتبار أن هناك دين غير الإسلام".