موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يبدو أنّ لفظة "لغة" في العربية مأخوذة من "لوغوس" اليونانيّة ومعناها "كلمة" و"منطق" و"سبب".
اللغات المنطوقة
يقدّر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة بثلاثة آلاف لغة، منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس، وأخرى رئيسيّة -يزيد عددها على المائة- يتكلّم بها أكثر من مليون شخص للغة الواحدة. من تلك اللغات تسع عشرة لغة كبرى يزيد عدد المتكلّمين بكلّ منها عن خمسين مليون نسمة، منها في آسيا على سبيل المثال لا الحصر: الهندية، والأوردية، والبنغالية، والبنجابية، والملايوية-الأندنوسية، واليابانية، والكورية. وفي أوروبا: الروسية، والإيطالية، والألمانية. أمّا اللغات الأهمّ فهي خمس لغات عابرة للحدود يتحدّث بها سكان العديد من الدول، وهي: الإنجليزية، والفرنسية، والعربيّة، والإسبانية، والبرتغالية.
تقسيم اللغات
تُقسَم اللغات حسب غناها اللفظي والمعنوي إلى قسمين: أوّلاً اللغات الفقيرة شبه البدائيّة، وهي الأقلّ تعبيرًا عن المعاني وبسيطة الألفاظ، ومنها اللغات الإفريقيّة، ولغات الهنود الحمر وغيرها. ثانيًا اللغات المُرتقية وهي اللغات واسعة التعبير عن المعاني، وشاملة الألفاظ، وهي قسمان غير متصرّفة مثل اللغة التركية، ثانيًا متصرّفة (تقبل التصريف): وهي قسمان رئيسيّان الآريّة، والساميّة.
الآريّة
هي اللغات الآرية (الهندوأوروبية) Indo European ، وأصل تلك اللغات "الآريّة"، وهي لغة قوم في شمال أوروبا في القرون الغابرة قبيل الطوفان أو بعده، وربّما كانوا من نسل يافث بن نوح عليه السلام. وهذه اللغات الآرية يتكلم بها حوالي نصف البشر وهم سكان جنوب آسيا (شبه القارة الهندية)، وكذلك سكان أوروبا وسكان الأمريكتين الجدد وأستراليا.
واللغة الآريّة تنقسم إلى جنوبية وشمالية. ومنها اللغات الهندية، والكردية، والأفغانية، والفارسية، والأرمنيّة، واللاتينية والإيطالية والفرنسية والأسبانية والرومانية والإنجليزية والألمانية والهولندية والإغريقية (ومنها أتت اليونانية).
الساميّة
وهي لغات قديمة اندثر معظمها، ولكنها لغات الحضارة الكبرى عبر التاريخ، وهي أوّلاً الآرامية لغة السيّد المسيح، ومنها اللغات البابلية والكلدانية والسريانية، ويرى بعض علماء اللغات أنها لغة واحدة تطوّرت في مراحل زمنية متفاوتة. ثانيًا العبرانية، ومنها اللغة العبرية الحديثة، وكذلك الفينيقية والقرطاجية. ثالثًا العربيّة وهي احدى اللغات الساميّة وتنتمي الى الفرع الجنوبي من اللغات الساميّة الغربيّة.
لغة البشريّة الأمّ
ادّعى بعض اليهود قبل الاكتشافات الأثريّة أن لغتهم هي اللغة الأمّ ولغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى. ولكن الاكتشافات الأثريّة بيّنت كتابات بلغات أخرى قبل تدوين التوراة، ولم يُعثَر على كتابات أو آثار عبريّة من تلك الأزمان.
أقدم السجلاّت المكتوبة والمعروفة حتى الآن هي صور الكلمات السومريّة المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة سنة، أي سنة 3500 قبل الميلاد. ثمّ سجلاّت مكتوبة باللغة الصينية قبل ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة أي سنة 1500 قبل الميلاد، كما وُجدت سجلاّت بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام.
بناءً على ذلك وأسس علميّة أخرى متشعّبة الجوانب، يرى بعض علماء اللغات أنّ اللغة البابليّة هي اللغة الأمّ للبشريّة، وهي لغة الناس الأمّ بعد الطوفان، في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد. وهي اللغة التي تكوّنت السومريّة منها.
حضارة ما بين النهرين
نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات، وهي حضارة البشريّة بعد الطوفان ولغة الناس البابليّة. ثمّ كثر الناس وتفرّقوا في الأرض في هجرات جماعية طلبًا للعيش وبحثًا عن الرزق، ومن أوّل الهجرات تلك التي كانت إلى بلاد النيل وغيرها وكوّنت حضارات كبرى مشهورة.
في الهجرة بدأ الناس يجدون في أماكنهم الجديدة أشياء لم يعرفوها من قبل، وأخرى اخترعوها، فأضافوا أسماء وكلمات وألفاظ جديدة تختلف من بلدة الى أخرى حسب الحاجة ، واشتدّ هذا الاختلاف بين اللغات مع مرور الزمن. وهكذا أصبحت تتفرّع من أصحاب كلّ حضارة لغات أخرى بسبب الهجرة والتباعد. هذه هي النظرية العلميّة الأقوى التي يتّفق عليها معظم علماء اللغات.
وقامت بعض الدول -التي تدّعي بأنّها "دول كبرى أو عظمى"– والتي تفتقر الى الحضارة والعراقة والتاريخ، للأسف قامت بتدمير حضارة ما بين النهرين المتوغّلة في القِدَم والرقيّ والتقدّم والأصالة... كما لم يحرص أهل العراق على الحفاظ على معالم حضارتهم وكنوزهم التراثيّة والمسيحيّة بالوسائل التكنولوجيّة الحديثة.
تطوّر اللغات
تتطوّر اللغات وتتغيّر قواعدها ومفرداتها وأنماطها الصوتية مع الاستعمال ومرور الأزمنة. لذلك نجد لغات تسمّى ميتة مع أنها أصول لبعض اللغات الحيّة، لعدم وجود مَن يتكلّم بها أو مَن يفهمها في الوقت الحاضر، مثل السومرية والبابلية والحثية والأكادية والمصرية القديمة والعربية الحِميَريّة – التي نشأت في جنوب الجزيرة العربيّة وكان يتكلّم بها القحطانيّون - واليونانيّة. ويعود ظهور الكتابة للغات الى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد.
خاتمة
قَسَم الشّرّ البشر، ووصل ببعضهم الغرور والكفر إلى درجة الرغبة في مناطحة السماء ببرج "بابل" فبلبل الله ألسنتهم أي لغاتهم. أمّا يوم العنصرة فقد حلّ روح الله على الرسل والتلاميذ، واستطاعوا أن يتكلّموا بألسنة غير لسانهم، وكان كلّ السامعين يسمع بلسانه (أعمال الرسل 2: 1 وتابع).