موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في عيد ارتفاع الصليب، ترأس البابا لاون الرابع عشر صلاةً مسكونية في بازيليكا القديس بولس خارج الأسوار، إحياءً لذكرى شهداء وشهود الإيمان في القرن الحادي والعشرين، بمشاركة ممثّلي الكنائس الأرثوذكسيّة والكنائس الشرقيّة القديمة والجماعات المسيحيّة والمنظمات المسكونيّة.
استهل البابا عظته بكلمات بولس الرسول: "أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح" (غلاطية 6، 14)، مؤكدًا أنّ هذا الاحتفال عند ضريح الرسول بولس هو تذكار لشهداء والشهود الذين قدّموا حياتهم شهادة للإيمان في القرن الـ21. وأضاف أنّ استشهادهم هو "وحدة وشركة حقيقية مع المسيح الذي أراق دمه"، إذ أظهر "هؤلاء خدام الإنجيل الشجعان وشهداء الإيمان بطريقة واضحة أنّ المحبّة أقوى من الموت، كما قال القديس البابا يوحنا بولس الثاني.
وقال: إنّ يسوع كشف لنا بصليبه عن وجه الله الحقيقيّ، ورحمته اللامتناهية للبشر. وأخذ على عاتقه الكراهية والعنف في العالم، ليشارك مصير كلّ المُهانين والمضطهدين. اليوم أيضًا، ما زال إخوة وأخوات لنا كثيرون، بسبب شهادتهم للإيمان، في أوضاع صعبة وبيئات مُعادية، يحملون صليب الرب يسوع نفسه: هُم مثلَه، يُضطهدون ويُحكَم عليهم ويُقتلون. قال يسوع فيهم: ’طوبى لِلمُضطَهَدينَ على البِرّ، فإِنَّ لَهم مَلكوتَ السَّمَوات. طوبى لكم، إِذا شَتَموكم واضْطَهدوكم وافْتَرَوْا علَيكم كُلَّ كَذِبٍ مِن أَجلي‘ (متّى 5، 10-11)".
وتوقّف عند شهادة هؤلاء الرجال والنساء، الكهنة والرهبان الراهبات والعلمانيين، الذين "دفعوا حياتهم ثمنًا لأمانتهم للإنجيل، والتزامهم من أجل العدل، ونضالهم من أجل الحرّية الدينية حيث ما زالت مُنتهكة، وتضامنهم مع أفقر الفقراء". وقال: هؤلاء ”هُزموا“ بحسب مقاييس العالم. في الحقيقة، كما يقول لنا سفر الحكمة: "وإِذا كانوا في عُيونِ النَّاسِ قد عوقِبوا فرَجاؤُهم كانَ مَمْلوءًا خُلودًا" (الحكمة 3، 4)".
وأشار إلى أنّنا "في سنة اليوبيل، نحتفل برجاء شهود الإيمان الشجعان هؤلاء. إنّه رجاء مملوء خلودًا، لأنّ استشهادهم لا يزال ينشر الإنجيل في عالم مليء بالكراهية والعنف والحروب. إنّه رجاء مملوء خلودًا، لأنّه على الرغم من أنّهم قُتلوا بالجسد، فلن يستطيع أحد أن يُخمد صوتهم أو أن يمحو المحبّة التي بذلوها. إنّه رجاء مملوء خلودًا، لأنّ شهادتهم للإيمان تبقى نبوءة لانتصار الخير على الشرّ".
أضاف: "نعم، رجاؤهم هو رجاءٌ مُجرّد من السّلاح. شهدوا للإيمان بدون أن يستخدموا قط سلاح القوّة والعنف، بل عانقوا قوّة الإنجيل الضّعيفة والوديعة، كما قال بولس الرّسول: ’فإِنِّي بِالأَحرى أَفتَخِرُ راضِيًا بِحالاتِ ضُعْفي لِتَحِلَّ بي قُدرَةُ المَسيح... لأَنِّي عِندَما أَكونُ ضَعيفًا أَكونُ قَوِيًّا‘ (2 قورنتس 12، 9-10)".
وتذكّر الحبر الأعظم حياة عدد من الشهداء والشهيدات، مستشهدًا بـ"القوّة الإنجيلية للراهبة دوروثي ستانغ التي كرّست نفسها لخدمة الذين لا أرض لهم في منطقة الأمازون: وحين طلب منها قاتِلُوها سلاحها، رفعت الكتاب المقدّس وقالت: ”هذا هو سلاحي الوحيد“". كما استذكر الأب رغيد كني، الكاهن الكلداني من الموصل في العراق، الذي رفض أن يقاتل ليشهد كيف يتصرّف المسيحيّ الحقيقي.
كما أشار إلى الأخ فرنسيس توفي، الأنجليكاني وعضو جماعة الأخوّة الميلانيزية، الذي بذل حياته من أجل السلام في جزر سليمان. وأكد أنّ هناك أمثلة كثيرة، لأنّ اضطهاد المسيحيين لم ينته بعد سقوط الديكتاتوريات الكبرى في القرن العشرين، بل ازداد في بعض مناطق العالم.
وأضاف، مقتبسًا من كلمات البابا يوحنا بولس الثاني خلال إحيائه ذات المناسبة قبل 25 عامًا: "هؤلاء خدام الإنجيل الشجعان وشهداء الإيمان ’يكوّنون لوحة فسيفسائيّة كبيرة للإنسانيّة المسيحيّة... لوحة لإنجيل التطويبات، عاشوها حتى سفك الدم".
وشدّد البابا: "لا يمكننا، ولا نريد أن ننسى. نريد أن نتذكّر".
وأكد أنّه كما في القرون الأولى، كذلك في الألفيّة الثالثة، يبقى دم الشهداء هو بذار مسيحيّين جدّد. ودعا إلى حفظ هذه الذاكرة مع جميع الكنائس والجماعات المسيحية، مجدّدًا التزام الكنيسة الكاثوليكية بحفظ ذكرى شهداء الإيمان من كلّ التقاليد المسيحيّة، مشيرًا إلى عمل لجنة الشهداء الجدد، في دائرة دعاوى القديسين، بالتعاون مع دائرة تعزيز وحدة المسيحيين.
ولفت إلى أنّ الوثيقة الختامية للجمعية السينوديّة السادسة عشرة اعترفت بأنّ ”مسكونيّة الدّم“ توحّد "المسيحيّين من انتماءات مختلفة الذين يبذلون حياتهم معًا من أجل الإيمان بيسوع المسيح". وقال: "إنّ شهادة استشهادهم أبلغ من أيّ كلام: الوّحدة تنبع من صليب الرّبّ يسوع". فليقرِّب دم هؤلاء الشّهود الكثيرين اليومَ الموعود الذي فيه سنشرب معًا من كأس الخلاص الواحدة".
وختم البابا عظته بنداء مؤثر قائلاً: "كتب طفل باكستاني اسمه أبيش مسيح على دفتره، وقد قُتل في تفجير استهدف الكنيسة الكاثوليكيّة: ’لنجعل العالم مكانًا أفضل‘. فليحفّزنا حلم هذا الطفل على أن نشهد بشجاعة لإيماننا، لكي نكون معًا خميرة لإنسانيّة مسالمة وفيها مزيد من الأخوّة".