موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ألقى البابا لاون الرابع عشر، اليوم السبت 20 أيلول 2025، تأمّلاً عميقًا حول مفهوم العدالة ودورها، وذلك في كلمة وجّهها إلى رجال القانون الكنسي والمدني المشاركين في "يوبيل العاملين في مجال العدالة"، الذي يسلّط الضوء على رسالتهم في خدمة الحقيقة والعدالة.
وخاطب البابا حشدًا كبيرًا من الحجاج في ساحة القديس بطرس مؤكدًا أنّ العدالة "لا غنى عنها، سواء لتنمية المجتمع أو كفضيلة رئيسة تُلهِم وتُوجِّه ضمير كل رجل وامرأة". واستذكر الدعوة الكتابية إلى "محبة البر وبغض الشر" (را، مز 45: 8) والتعريف التقليدي للعدالة على أنها "إعطاء كل ذي حق حقه"، مشيرًا إلى أنّ هذا الشكل من العدالة "لا يسد الرغبة العميقة الكامنة" في قلب كل إنسان.
وأوضح البابا لاون أنّ العدالة "تجتمع كرامة الشخص وعلاقته بالآخر وبُعد الجماعة الذي يقوم على التعايش، والبنى والقواعد المشتركة". كما ذكّر بأنّ العدالة هي "في المقام الأول فضيلة؛ أي موقف ثابت يحدد أفعالنا على أساس المنطق والإيمان"، وهي "الفضيلة الأخلاقية التي قوامها إرادة ثابتة وراسخة لإعطاء الله والقريب ما يحق لهما"، بحسب ما ذكره التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
وأضاف: "إن قوة المغفرة، المرتبطة بوصية المحبة، هي ما يَبرز كعنصر مؤسِّس لعدالة قادرة على الجمع بين ما يسمو على الطبيعة وما هو بشري". وبيّن الحبر الأعظم أنّ عدالة الإنجيل "لا تنفصل عن العدالة البشرية، بل تطرح عليها التساؤلات وتعيد صياغتها، وتحفزها على التوجه دائمًا إلى ما هو أبعد، حيث تدفعها نحو البحث عن المصالحة".
وقال: "لا يكفي معاقبة الشر، بل يجب إصلاحه، ما يتطلب نظرة عميقة إلى خير الأشخاص والخير المشترك". ووصف قداسته هذا الأمر بـ"الواجب الصعب لكنه غير المستحيل بالنسبة لمن يلتزمون، واعين بتأديتهم خدمة أكثر إلزامًا من غيرها، بالتصرّف في الحياة بشكل نزيه".
ثم أشار إلى أول تبعات "التفرقة المتنامية" وهي "عدم تمكّن البعض من التمتع بالعدل"، موضحًا أنّ "المساواة الفعلية ليست مجرّد مساواة شكلية أمام القانون، بل هي تمكين الجميع من تحقيق تطلعاتهم، وضمان تمتعهم بالحقوق المرتبطة بكرامتهم من قِبل منظومة قيم مشتركة ومتقاسَمة قادرة على إلهام قواعد وقوانين يُبنى عليها عمل المؤسّسات".
وأشار الأب الأقدس إلى أنّ اليوبيل "يدعونا أيضًا إلى التأمل في أحد جوانب العدالة غالبًا ما لا يتم التركيز عليه، وهو واقع العديد من البلدان والشعوب التي لديها جوع وعطش للعدالة، لأن ظروف حياتها غير عادلة وغير إنسانية إلى درجة لا يمكن قبولها".
وأكد البابا لاون الرابع عشر أنّ المشهد الدولي الحالي يتطلّب تطبيق ما كتب القديس أغسطينوس حين قال: "من دون عدالة، لا يمكن للحكم أن يقوم، ولا يمكن أن يكون هناك قانون في دولة تفتقر إلى العدالة الحقيقية".
كما شدّد الحبر الأعظم على أنّ العدالة هي الفضيلة التي تعطي كل ذي حق حقه – لا الإنسان فحسب، بل الله أيضًا. وتابع قداسته مقتبسًا من القديس أوغسطينوس قائلاً: "ما يبعد الإنسان عن الله لا يمكن أن يكون عدالة بشرية حقيقية".
وختم البابا لاون الرابع عشر كلمته قائلاً: "لتلهمنا كلمات القديس أوغسطينوس المليئة بالتحدّي كي نعبّر دائمًا بأقصى ما يمكن عن ممارسة العدالة في خدمة الشعوب، وأعيننا شاخصة نحو الله، لكي نعبّر بالكامل عن العدالة والحق وكرامة الأشخاص".