موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣ أغسطس / آب ٢٠٢٥
البابا في قداس يوبيل الشبيبة: رجاؤنا هو يسوع ولا ترتضوا بالقليل!

أبونا :

 

رجاؤنا هو يسوع، عيشوا معه مسيرة طوال حياتكم، ودعه ينيركم... هذا ما عبّر عنه البابا لاون الرابع عشر، صباح الأحد 3 أب 2025، في القداس الإلهي بمناسبة يوبيل الشبيبة في منطقة تور فيرغاتا، على مشارف العاصمة الإيطاليّة روما.

 

وفي مستهل عظته، أقرّ بأنّ الليتورجيا اليوم لا تتكلّم مباشرة عن المسيرة التي قام بها تلميذا عمواس مساء الفصح، لكنّها تساعدنا لنتأمل في ما يرويه هذا الحدث: "اللقاء مع الرّب القائم من بين الأموات الذي يُغيّر حياتنا، ويُنير كلّ مشاعرنا، ورغباتنا، وأفكارنا".

 

⮜ الرب يطرق باب نفوسنا

 

أشار إلى أن القراءة الأولى، المأخوذة من سفر الجامعة، تدعونا إلى أن نعرف ونختبر حدودنا، وزوال الأشياء الفانية، كما فعل التلميذين. وقال: "كذلك نحن، خلقنا الله على هذه الحال: خلقنا من أجل هذا. لا لحياة راكدة حيث كلّ شيء ثابت، بل لحياة تتجدّد باستمرار بالعطاء، والمحبّة. ولهذا نتوق دائمًا إلى ”المزيد“، إلى ما لا تستطيع أيّة خليقة أن تُعطينا إيّاه".

 

أضاف: "نشعر بعطش عميق ومُتّقد إلى درجة أنّه لا شراب في هذا العالم يمكن أن يُطفئه. وأمام هذا العطش، لا نخدع قلوبنا فنحاول إسكاتها ببدائل عقيمة! بل لنُصغِ إلى عطشنا! ولنجعله بمثابة سُلَّمٍ نقف عليه لنطلّ، مثل الأطفال، من نافذة اللقاء مع الله. سنجد أنفسنا أمامه، هو الذي ينتظرنا، بل يضرب برفق على زجاج نفسنا (راجع رؤيا يوحنّا 3، 20). وما أجمل، حتّى في سنّ العشرين، أن نفتح له قلوبنا، ونسمح له بأن يدخل، لنغامر معه في المساحات الأبديّة التي لا حدّ لها".

⮜ حكمة القديس أوغسطينوس

 

وذكّر البابا أنّ القديس أوغسطينوس، وهو يتكلّم على بحثه العميق عن الله، كان يتساءل: "ما هو إذًا موضوع رجائنا؟ هل هي الأرض؟ لا. هل هو شيء من الأرض، مثل الذّهب، أو الفضة، أو الشّجر، أو الحصاد، أو الماء؟ هذه الأشياء فيها مسرّة، هذه الأشياء جميلة، هذه الأشياء صالحة. وكان يُتابع ويقول: "ابحث عن الذي خلقها، فهو رجاؤك".

 

وعندما كان يتأمّل القديس أوغسطينوس في المسيرة التي قطعها، كان يُصلّي ويقول: "أنت [يا ربّ] كنتَ في داخلي، وأنا كنت خارجًا. هناك كنتُ أبحث عنك [...]. ناديتَني، وصرختك مزّقت صمتي. ومضيتَ أمامي مثل البرق، وبدَّد نورك عماي. نشرتَ عطرك، فتنفّستُ واشتقتُ إليك، وتذوّقتُك، وها أنا جائع وعطشان. لمَستَني، فاشتعلتُ شوقًا إلى سلامك".

 

وقال بأنّها كلمات رائعة، تذكّر بما قاله البابا فرنسيس في لشبونة، خلال اليوم العالمي للشبيبة، في 3 آب 2023، لشباب آخرين مثلكم: "كلّ واحد مدعوٌ إلى أن يواجه أسئلة كبيرة ليس لها جواب بسيط أو فوريّ، فهي تدعونا إلى أن نقوم برحلة، وأن نتجاوز أنفسنا، وأن نذهب إلى ما هو أبعد من أنفسنا، إلى إقلاع عن الأرض، وإلّا لا يمكننا الطّيران. لذلك لا نخَفْ إن وجدنا في أنفسنا عطشًا، وقلقًا، وأنّنا غير مكتملين، ونريد معنى ومستقبلًا [...]. نحن لسنا مرضَى، بل أحياء!".

 

ومثل بحث القديس أوغسطينوس عن المعنى، أقرّ البابا لاون بأنّ الشباب يتساءلون في قلوبهم عن أسئلة مهمّة مماثلة لا يمكن تجاهلها: "ما هي السعادة الحقيقيّة؟ ما هو طعم الحياة الحقيقي؟ ما الذي يحرّرنا من مستنقعات اللامبالاة، والملل، والفتور؟".

⮜ الأمور التي في العُلى

 

في الأيام الماضيّة، استذكر البابا أنّ الشباب عاشوا خبرات عديدة جميلة. ومن كلّ هذا "يمكنكم أن تستخلصوا جوابًا مهمًّا"، وهو أنّ "ملء حياتنا لا يعتمد على ما نُراكمه، ولا على ما نملكه، كما سمعنا في الإنجيل، بل على ما نعرف كيف نقبله ونشارك غيرنا فيه بفرح".

 

وقال: "أن نقتني، ونراكم، ونستهلك، لا يكفي. نحن بحاجة إلى أن نرفع عيوننا، وأن ننظر إلى العُلى، إلى "الأُمورِ الَّتي في العُلى" (قولسي 3، 2)، لكي ندرك أنّ كلّ شيء يأخذ معناه، في واقع هذا العالم، فقط بقدر ما يساعدنا على أن نتّحد بالله وبالإخوة في المحبّة... وبهذا سنفهم بصورة أفضل ماذا يعني أنّ "الرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه" (رومة 5، 5).

⮜ رجاؤنا هو يسوع

 

وشدّد البابا لاون على ذلك بالقول: "أيها الشباب الأعزاء، رجاؤنا هو يسوع".

 

واستذكر قول البابا يوحنا بولس الثاني، مخاطبًا الشباب في اليوم العالمي الخامس عشر للشبيبة، 19 آب 2000، في المكان نفسه: هو "الذي يوقظ فيكم الرّغبة في جعل حياتكم شيئًا أسمى [...]، لكي تحسِّنوا أنفسكم والمجتمع، فتجعلوا فيه مزيدًا من الإنسانيّة والأخوّة".

 

وقال: "فلنتمسّك بيسوع، ولنثبت في صداقته دائمًا، فننمو فيها بالصلاة، والسجود، ومناولة القربان الأقدس، والاعتراف المتكرّر بخطايانا، والمحبّة السخيّة، كما علّمنا الطّوباويان بييرجورجيو فراسّاتي وكارلو أكوتيس، اللذان سيُعلنان قريبًا قدّيسَين. تطلّعوا إلى العُلى، وإلى القداسة، أينما كنتم. لا ترتضوا بالقليل! إذّاك سترَون نور الإنجيل ينمو كلّ يوم في داخلكم وحولكم".

 

وخلص البابا لاون عظته موكلاً الشباب إلى مريم العذراء، سيّدة الرّجاء. وقال: "بمعونتها، وأنتم عائدون في الأيام المقبلة إلى بلادكم، في كلّ أنحاء العالم، واصلوا السير بفرح على خطى المسيح المخلّص، وانقلوا إلى كلّ من تلتقونه حماسكم وشهادة إيمانكم! مسيرة مباركة!".