موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
البابا لاون: الحرب ليست مقدسة أبدًا، السلام وحده هو المقدّس

أبونا :

 

في ختام اللقاء الدولي للسلام: حوار الأديان والثقافات، الذي نظمته جماعة "سانت إيجيديو"، انضمّ البابا لاون الرابع عشر إلى قادة أديان العالم في الكولوسيوم بالعاصمة الإيطالية روما، مساء الثلاثاء 29 تشرين الأول 2025، في لقاء صلاة من أجل السلام.

 

في خطابه، الذي ألقاه بحضور ممثلين عن سائر الأديان، جدّد البابا لاون دعوة الكنيسة إلى المصالحة والحوار والأخوّة بين جميع الشعوب. وقال: "صلّينا من أجل السلام بحسب تقاليدنا الدينية المتنوّعة، والآن نحن مجتمعون معًا لنُطلق رسالة مصالحة. فالصراعات موجودة في كل مكان توجد فيه حياة، والحرب لا تُساعدنا لمواجهتها ولا لحلّها. السلام هو مسيرة مصالحة دائمة".

 

عالم عطشان إلى السلام

 

ومؤكدًا على الحاجة الملحّة للوحدة في عالمٍ مزقته الحرب والنزوح، ندّد البابا "بالفساد واستعراض القوة واللامبالاة بالحق"، داعيًا إلى "زمن مصالحة حقيقيّة وراسخة". وأضاف بحزم: "كفى حروبًا، بما تحمله من تراكمات مؤلمة من الموت والدمار والمُهجَّرين! نحن اليوم، معًا، نُعبّر ليس فقط عن إرادتنا الثّابتة في السّلام، بل أيضًا عن وعينا بأنّ الصّلاة قوّة مصالحة كبيرة".

 

وحذّر قداسته من إساءة استخدام الدين، قائلاً: "الذي لا يصلّي يسيء استعمال الدين، بل قد يجعله وسيلة للقتل. الصلاة هي حركة الروح، وانفتاح القلب. ليست صراخ كلام، ولا مظاهر استعراضيّة، ولا شعارات دينية تُستخدم ضدّ خليقة الله. نحن نؤمن بأنّ الصلاة تغيّر تاريخ الشعوب. لتكن أماكن الصلاة خيامًا للقاء، ومزاراتٍ للمصالحة، وواحاتٍ للسلام".

بروح أسيزي

 

وبمناسبة مرور نحو أربعة عقود على اللقاء التاريخي بين الأديان الذي دعا إليه القديس يوحنا بولس الثاني في مدينة أسيزي الإيطالية عام 1986، ذكّر البابا بأن "روح أسيزي" ما تزال تُلهم الحوار والصداقة بين المؤمنين. ووجّه شكره لجماعة سانت إيجيديو ولجميع المنظمات التي "تحافظ على هذه الروح حيّة، حتى وإن وجدت نفسها أحيانًا تسير عكس التيار".

 

وأشار إلى أنّ اللقاء يأتي بالتزامن مع مرور ستين عامًا على وثيقة Nostra Aetate، الصادرة عن المجمع الفاتيكاني الثاني لتجديد العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والأديان، مؤكدًا أنّ "الصلاة في روح أسيزي، بالنسبة إلى الكنيسة الكاثوليكية، ترتكز على أساس راسخ". ثم استشهد بكلمات الوثيقة: "لا نستطيع أن ندعو الله أبًا الجميع إذا رفضنا أن نعتبر إخوة كلّ الناس المخلوقين على صورة الله".

السلام وحده هو المقدّس

 

واستشهد البابا لاون بما قاله البابا فرنسيس لمؤتمر سانت إيجيديو العام الماضي في باريس: "علينا أن نُبعد عن الأديان هذا الخطر وهو أن تصير أداة لتغذية النزعات القوميّة أو العرقيّة أو الشعبويّة. الحروب تشتد. الويل لمن يسعى إلى جرّ الله للمشاركة في الحروب!". وأضاف مؤكّدًا: "الحرب ليست مقدسة أبدًا، السلام وحده هو المقدّس، لأنّه مشيئة الله".

 

وتابع قائلاً: "يجب أن نعمل كي تنتهي سريعًا هذه المرحلة من التاريخ التي اتسمت بالحرب وبطغيان القوّة، وأن يبدأ تاريخ جديد. لا يمكننا أن نقبل بأن تطول هذه المرحلة أكثر من ذلك، وأن تكون هي عقليّة الشعوب، وأن نعتاد على الحرب كأنها رفيقة عادية لتاريخ الإنسان. كفى! إنّه صراخ الفقراء وصراخ الأرض. كفى! أيها الرّبّ الإله، أصغِ إلى صراخنا!".

الله يريد عالمًا بلا حرب

 

ودعا البابا السياسيين إلى تحمّل مسؤوليتهم في صنع السلام، واصفًا إنهاء الحرب بأنّه "واجب مُلِحّ يقع على عاتق جميع القادة السياسيين أمام الله". وأكد أنّ "السلام هو أولوية كل سياسة"، وأنّ "الله سيُحاسب مَن لم يسعَ إلى السلام أو أجّج التوترات والصراعات، كل يوم، وشهر، وسنة من الحرب".

 

ومردّدًا كلمات المكرّم جورجيو لابيرا، الذي وصفه بانّه "شاهد سلام"، حثّ البابا العالم على دخول "عصر التفاوض، وتاريخ عالمٍ جديد بلا حرب". وشجّع المؤمنين من جميع الأيان على التغلّب على ما أسماه "عولمة العجز الراهنة" من خلال الحوار والتفاوض والتعاون والمسؤولية المشتركة.

 

وفي ختام كلمته، ومع صمت الكولوسيوم في الصلاة، قال البابا لاون الرابع عشر: "إن كان العالم أصمًّا أمام هذا النداء، فنحن واثقون بأن الله سيصغي إلى صلاتنا وإلى أنين المتألمين الكثيرين، لأن الله يريد عالمًا بلا حرب. وهو سيحرّرنا من هذا الشر".