موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٨ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
البابا في عيد العنصرة: الروح القدس يفتح الحدود في داخلنا، وفي علاقاتنا، وبين الشعوب

أبونا :

 

"اليوم أيضًا يتجدّد ما حدث في العلّيّة: مثل ريح عاصفة تهزّنا، وصوتٌ مدوٍّ يوقظنا، ونارٌ تنيرنا: الرّوح القدس يحِلُّ علينا". قدّم البابا لاون الرابع عشر هذا التذكير خلال القداس الإلهي الذي ترأسه بمناسبة عيد العنصرة، بالتزامن مع يوبيل الحركات والجمعيّات والجماعات الكنسيّة الجديدة.

 

وتأمّل البابا كيف "أحدث الرّوح القدس أمرًا خارق العادة في حياة الرّسل".

 

يكسّر قيود الرسل الدّاخليّة

 

وقال "كانوا، بعد موت يسوع، منغلقين على أنفسهم في الخوف والحزن، وأمّا الآن فقد أعطي لهم أن يروا بعيون جديدة ويفهموا بقلب جديد يساعدهم على تفسير الأحداث التي حدثت، ويختبروا في أعماق حياتهم حضور يسوع الذي قام من بين الأموات: انتصر الرّوح القدس على مخاوفهم، وكسر القيود الدّاخليّة في أنفسهم، وضمّد جراحهم، ومسحهم بالقوّة، ومنحهم الشّجاعة ليخرجوا إلى لقاء الجميع ويعلنوا أعمال الله".

 

واستذكر البابا أنّ أبواب العليّة قد فُتحت في عيد العنصرة، لأنّ الروح القدس يفتح الحدود.

 

واستشهد بكلمات البابا الراحل بندكتس السادس عشر في عظة عيد العنصرة عام 2005: "الرّوح القدس يُعطي الفهم. إنّه يتجاوز الانقسام الذي بدأ في بابل –ارتباك القلوب الذي يجعل من كلّ واحد منا ضدًّا للآخر- ويفتح الحدود.. يجب على الكنيسة أن تصير دائمًا، ومن جديد، ما هي عليه أصلًا: أن تفتح الحدود بين الشعوب، وتهدم الحواجز بين الطبقات والأعراق. يجب ألّا يكون فيها لا منسيّون ولا محتقرون. يجب أن يكون في الكنيسة فقط إخوة وأخوات أحرار في يسوع المسيح".

يفتح الحدود في داخلنا

 

وتوقّف البابا عند "صورة بليغة للعنصرة"؛ وهي أنّ "الروح القدس يفتح الحدود أوّلًا في داخلنا. إنّها العطيّة التي تفتح حياتنا على المحبّة. هذا هو حضور الرب يسوع الذي يُذيب قساوتنا، وانغلاقنا على أنفسنا، وأنانيّتنا والمخاوف التي تُعيقنا، ونرجسيّتنا التي تجعلنا ندور حول أنفسنا فقط".

 

وأشار إلى أنّ "الروح القدس يأتي لكي يتحدّى، في داخلنا؛ خطر ضمور الحياة وغرقها في الفرديّة"، معربًا عن حزنه "كيف أنّنا في عالم تزداد فيه فُرص التواصل الاجتماعيّ، نزداد غرقًا في العزلة، نحن دائمًا مترابطون ودائمًا عاجزون عن التواصل، وغارقون دائمًا في الجماهير، ودائمًا مسافرون غرباء ومنعزلون".

 

وأكد أنّ "روح الله يجعلنا نكتشف أسلوبًا جديدًا في الحياة وفي النّظر إلى الحياة".

 

وقال: إنّه "يفتحنا على أنفسنا لنلتقي بأنفسنا ما وراء الأقنعة التي نرتديها، ويقودنا إلى اللقاء مع يسوع المسيح، ويعلِّمُنا كيف نفرح بفرحه، ويؤكِّد لنا بأنّنا، إن ثبتنا في المحبّة فقط، ننال أيضًا القوّة لنحفظ كلمته، والكلمة تبدِّلنا. الرّوح يفتح الحدود في داخلنا، لكي تصير حياتنا أماكن مِضيافة".

يفتح الحدود في علاقاتنا

 

وأشار البابا أيضًا إلى أنّ "الرّوح القدس يفتح الحدود في علاقاتنا"؛ فيسوع قال إنّ عطيّة الروح القدس "هي الحبّ بينه وبين الآب، الذي يأتي ليسكن فينا". بالتالي، "عندما يسكن حبّ الله فينا، نصبح قادرين على أن نفتح أنفسنا على الإخوة، ونتغلّب على كلّ تصلّب فينا، ونتجاوز كلّ خوف فينا من المُختلف عنّا، ونُهذِّب أهواءنا التي تضطرب في داخلنا".

 

وعلاوة على ذلك، أكد البابا أنّ الروح القدس "يبدّل الأخطار الخفيّة التي تلوّث علاقاتنا، مثل سوء الفهم، والأحكام المسبقة، وتوظيف الآخرين لمصالحنا"، موضحًا أنّ "الروح القدس يُنضجُ فينا الثّمار التي تساعدنا لنعيش علاقات صادقة وسليمة: "المحبّة والفرح والسّلام والصّبر واللُّطف وكرم الأخلاق والإيمان" (من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5، 22).

 

وأكد أنّ هذا "معيار حاسم للكنيسة أيضًا: فنحن نكون حقًّا كنيسة يسوع المسيح القائم من بين الأموات وتلاميذ العنصرة، فقط إن لم تكن بيننا حدود أو انقسامات، وإن عرفنا في الكنيسة كيف نتحاور ونقبل بعضنا البعض ونستوعب تنَوُّعاتنا، وإن صرنا ككنيسة مكان استقبال وترحيب بالجميع".

يفتح الحدود بين الشعوب

 

أخيرًا، أشار إلى أنّ الروح القدس يفتح الحدود بين الشعوب.

 

وقال: "في العنصرة، تكلّم الرسل بلغة الذين التقوا بهم، وهدأت أخيرًا فوضى بابل بالانسجام الذي ولّده الرّوح القدس. فعندما توحّد نفخة الرّوح قلوبنا وتجعلنا نرى في الآخر وجه الأخ، لا تصير التنوُّعَات سببًا للانقسام والصّراع، بل إرثًا مشتركًا نستقي منه جميعًا، ويجعلنا كلّنا نسير معًا في الأخوّة".

 

كما أشار إلى أنّ "الروح القدس يحطِّم الحدود ويهدم جدران اللامبالاة والكراهية"، لأنّه "يعلّمنا ويذكّرنا ويحفر في قلوبنا وصيّة المحبّة، التي وضعها الرّب يسوع في وسط وقمّة كلّ شيء".. "وحيث تكون المحبّة، لا مكان للأحكام المسبقة، ولا لمسافات الأمان التي تُبعدنا عن القريب، ولا لمنطق الإقصاء الذي نراه يتجلّى، للأسف، حتّى في القوميّات السياسيّة".

العنصرة تُجدّد الكنيسة والعالم

 

واستشهد بما قاله البابا الراحل فرنسيس في عظة عيد العنصرة عام 2023، حين لاحظ أنّه "في عالم اليوم يوجد خصام كبير وانقسام كثير"، مشيرًا إلى أنّ "الحروب التي تهزّ كوكبنا هي علامة مأساويّة على كلّ ذلك". وقال: "لنطلب إلى روح المحبّة والسّلام، أن يفتح الحدود، ويهدم الجدران، ويُذيب الكراهية، ويساعدنا لنعيش أبناء للآب الوحيد الذي في السّماوات".

 

وأكد بأنّ "العنصرة هي التي تجدّد الكنيسة والعالم".

 

وخلص البابا لاون الرابع عشر في عظته رافعًا الدعاء: "لتحلّ علينا وفي داخلنا ريح الروح القدس العاتية، وليفتح حدود قلبنا، وليمنحنا نعمة اللقاء مع الله، وليوسّع آفاق المحبّة، وليعضُد جهودنا في بناء عالم يسوده السّلام"، طالبًا مرافقة وشفاعة "سيّدتنا مريم العذراء الكاملة القداسة، وسيّدة العنصرة، والعذراء التي حلّ عليها الرّوح القدس، والأمّ الممتلئة نعمة".