موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
إلى أنقياء القلوب
حينما يكشف المؤمن عن ضعفه في حضرة الله هو وحده الرابح والمستفيد ، لأنّ صلته بالله تتقوّى ، ويتقدّم في الحياة الروحانيّة ، وتأخذ حياته الحاضرة أبعاداً جديدة أعمق ومعانٍ سامية أصدق، يخرج منها المؤمن نقيّ القلب والفكر ، مُعتَقاً من كلّ خطيئة ، ليواجه الحياة بتفاؤل ورحابة صدر وعطاء ، وكلّ ما يروم في الحياة الدنيا يتّجه الى الخيرات الأبديّة، ويتنبّه الإنسان إلى غاية وجوده في هذه الحياة الدنيا...
وتلتقي المسيحيّة والإسلام في عبارة مجازيّة يجب ألاّ يُساء فهمها. نجدها في التطويبات: "طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يشاهدون الله" (متّى 5). وفي النص القرآنيّ يقرأ المرء عن أصحاب اليمين أنهم "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة" (سورة القيامة 22). وكان داود النبي قد تساءل وملؤه الشوق للقاء الرب والحنين: "متى آتي وأحضر أمام الله؟" مزمور 42 (41).
أمّا المرائي
الذي يُكابر ويتهرّب من مواجهة خفايا نفسه ومعرفتها... فذلك الانسان يعدّ الصلاة عبئاً ثقيلاً وواجباً صعباً، ويظنّ أنّ الصلاة مضيعة للوقت. الصلاة لا تعني له شيئًا، ولا يأبه بالإيمان. وحينما يصلّي يُحابي الوجوه ويتباهى ويصلّي بغرور ، مُتستّراً على خطاياه وعيوبه أمام الله.
ذلك الإنسان يدّعي الإيمان والتقوى مثل الفرّيسيين الذين ورد ذكرهم في الانجيل المُقدّس: "وَيْلٌ لكم أَيّها الكتبة والفرّيسيّون المراؤون لأَنَّكم تُشبِهون قبوراً مُبيّضة تَظهر مِن خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عِظام أَموات وكلّ نجاسة. هكذا أَنتم أَيضاً : من خارج تَظهرون للنَّاس أَبراراً ولكنَّكم من داخل مَشحونون رياءً وإِثماً" (متى 23: 27 و28).
يا بُنَيّ أعطني قلبك
ينظر الله إلى أعماق قلوبنا، ويُريدنا أنقياء من الداخل كي تكون صلاتنا مقبولة لديه، ولا يهتمّ بالمظاهر الخارجيّة، لذلك يقول الله لعياله في الكتاب المُقدّس: "يا بُنيّ أعطني قلبك". في المَثَل الّذي ضربه السيّد المسيح عن "الفريسي والعشار" أو جابي الضّرائب: رضي الله عن صلاة العشار المتواضع الذي أدرك ذنوبه، وبحث عن مكان منزوٍ لكي لا يراه أحد، ولم يجرؤ على النظر إلى أعلى إلى الله، وقرع صدره قائلاً: "ارحمني يا الله لأنني إنسان خاطىء". وعاد الفرّيسيّ المختال إلى بيته حاملاً خطاياه التي لم يغفرها الله إذ تبجّح في صلاته بأعماله وحَسِب نفسه أحسن الناس (لوقا 18 : 9-14). أيًّا منهما نحن نشبه!
خاتمة
من أهمّ أركان الصلاة أن تنبع من أعماق نفس متواضعة، تعترف بخطاياها أمام ربّها. مع أنّ الله يعلم بخبايا النفوس، لكنّه ينتظر منّا أن نفتح له قلوبنا ونتواصل مع حضرته بكلّ ثقة وبساطة، بلا حواجز وعوائق. هذا هو الفرق بين صلاة الإنسان الروحانيّ نقيّ القلب الذي كشف أعماق نفسه الخفيّة بكلّ صدق أمام الله، وبين صلاة المُرائي الذي لا يطلب خلاص نفسه، ويتجاهل شقاءها ووهنها.