موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تبدأ جلسات انتخاب حبر أعظم جديد أقصاه بعد اليوم الخامس عشر (ولأسباب نادرة إلى اليوم العشرين) من وفاة البابا، من قبل جميع الكرادلة الذين لديهم حق الانتخاب، وهم من سن الثمانين فما دون، وعددهم اليوم 137 كاردينالاً.
يوم الاجتماع، يدخل الكرادلة بلباسهم المتعارف عليه، أي السوتانة ذات الأزرار الحمر والزنار الأحمر. يخرجون من مدخل دار القديسة مارتا الرئيسي، الذي يكونوا قد تجمّعوا فيه واحدًا بعد الآخر حتى يتم تجمّعهم الكامل، ليدخلوا إلى مكان انعقاد الاجتماع الرسمي، وهو كنيسة السيكستين. هناك يبدأ الاجتماع المغلق.
كيف تجري جلسات اجتماع الكرادلة، التي تنتهي باختيار البابا الجديد؟
تجري الجلسات المغلقة خلف جدران وأبواب مغلقة من كل الاتجاهات. من هنا تأتي كلمة Conclave، فـClave تعني باللاتينية "المفتاح". بالتالي، تتمّ هذه الجلسات تحت سرّية وحراسة ومراقبة، وإغلاق كل منفذ تفاديًا لنشر أية أخبار إلى الخارج وإلى الداخل.
ساعة دخول الكرادلة إلى الاجتماع، يؤدي كل واحد بمفرده اليمين، ويُقسم على حفظ السرّية طيلة الاجتماعات وحتى انتخاب البابا، ومن يُخِلُّ بهذا النظام يُحرم من متابعة الاشتراك بالجلسات. فهذا يعني تبدأ الجلسات المغلقة بعيدًا عن كل اتصال مع العالم الخارجي؛ لا جرائد ولا تليفونات ولا تسريب أية أخبار عن سير الانتخاب، كأنهم في القرون الوُسطى حيث ما كانت وسائل الأعلام هذه معروفة، فهم اليوم يتخلّون عنها، كأنّ لا وجود لها، إذ قبل الجلسة الأولى يكون عمّال فنيون قد فحصوا كنيسة السيكستين سنتيمترًا بسنتيمتر من الداخل والخارج بحثا عن وجود كاميرات تصوير أو تليفونات حساسة مُخبأة أو آلات تسجيل أو تصنّت لالتقاط وإرسال أصوات إلى الخارج. نحن أمام احتياطات صارمة لئلا يحدث أي تأثير خارج على انتخاب شخص مُعيّن.
هذا وتقام قبل كل جلسة صلاة جماعية وابتهالاً إلى الروح القدس، لكي يُلهِم الكرادلة لانتخاب من يستحق الانتخاب لإدارة كنيسة السيّد المسيح.
هل يستطيع أحد الكرادلة أن يُرشّح نفسه للانتخاب، كما في السياسة؟
لا، وهذا غير وارد، إذ لا يمكن لأي كاردينال أن يفعل ذلك أو أن يرشّح نفسه للانتخاب. الكرادلة الملتئمون يختارون الشخصيّة التي يُجمِع عليها مجمعهم في قاعة الانتخاب. والمعروف أيضًا أنه لا يوجد نص ملزم على أن البابا يجب أن يكون كردينالاً، أي من مجمع الكرادلة المجتمعين. لكن التاريخ لا يذكر منذ البابا أوربان السادس عام 1378 أنّه قد تمّ انتخاب بابا بغير لقب كردينال أو من خارج مجمع الكرادلة المجتمعين.
هل من قانون لتحديد سن البابا المنتخب؟
في الواقع لا يوجد سن محددة لعمر البابا، إذ هو سيكون واحدًا من المجتمعين والذين لا يتعدون سن الثمانين. أمّا الآراء فكثيرة، فمنهم من يقول الأفضل ألا يكون البابا شابًا وآخرون يقولون أنّ الأفضل أن يكون متقدمًا في السن.
إنّ الذين يقولون: الأفضل شابًا، حتى يتسنى له أن يُدخل تعديلات طويلة الأمد في الكنيسة، أما من يقولون الأفضل متقدمًا في السن، فللتنوّع في صفوف البابوات. أما اختيار البابا القديس يوحنا بولس الثاني بعمر 58 سنة عام 1978، فكان نسبيًا شابًا وكان الأول غير الإيطالي منذ 456 سنة، وكان هدف انتخابه لمعاكسة روسيا والوقوف بوجه الشيوعيّة التي انهارت فعلاً في وقت حبريته.
كما لا يوجد مرشحون يقدّمون ذاتهم بخطابات تقديم وتعريف على شخصياتهم، إذ هذه لا مكان لها. كل كاردينال يتسلم بطاقة انتخاب مكتوب عليها باللاتيني: "أختار ... بابا". وبعد كتابة الإسم يَلُفّ المنتخِب البطاقة على بعضها وتوضع على صينية ذهبية واسعة ثم توضع في كأس، فيُمنَع بذلك من تزوير أو إمكانية الانتخاب مرة ثانية في الجلسة الواحدة. وحال الانتهاء من جمع البطاقات يبدأ العد للتأكد من مطابقته لعدد الحضور. كل بطاقة تُسحب تُثقب بإبرة وتُعلَّق في خيط وتعرض على حبل، للدلالة على أنه لا بطاقة ضاعت أو نقصت.
هل عدد الجلسات محدود لانتخاب بابا جديدا؟
كل يوم تجري 4 جلسات تنتهي كل جلسة منها بالانتخاب، حتى يفوز المنتخب الجديد بثلثي الأصوات. إن الجلسة الأولى، وهي جلسة التعارف على بعض، إذ الكثيرون لا يعرفون بعضهم البعض ولا أوطان الكثيرين، تُعطي انطباعًا وتُعرّف بل وتكشف عن الأسماء المُرجّحة أن يكون أحدها هو الذي سيتم الإجماع عليه وانتخابه بابًا جديدًا.
وبعد كل جلسة، تتقلص الأسماء المُرشَّحة من الكرادلة التي يُمكن انتخاب أحد منها، والذي يجب أن يحصل على ثلثي الأصوات. ويُقال أنّ البابا فرنسيس كان مهتمًّا بإصلاح هذه النقطة، وحاول أن تكون النتيجة لا بثلثي المنتخبين بل بالأغلبية العليا، لكن هذه الرغبة لم تصل إلى قرار نهائي، فالانتخاب الحالي سيعتمد على الحصول على ثلثَي الأصوات.
هنا، وبعد ثلاثين اقتراعًا إذا لم يتم فيها انتخاب البابا، يمكن للكرادلة أن يقرّروا حسب القانون المتّبع، أن يُجمعوا على أسماء الإثنين الحاصلين على أعلى الأصوات وينهوا الانتخاب بالتصويت السري الأخير. فمن يحصل منهما إما على أكثرية الأصوات أو الأكثرية المعترف بها، وهي نصف الأصوات زائد صوتًا واحدًا، فيتم انتخاب أحدهما بالأكثرية.
كم هو الوقت المقرر حتى يتم انتخاب بابا جديد، أو كم هو عدد جلسات الانتخاب المقررة؟
تبدأ أول جلسة بعد ما بين 15 إلى 20 يومًا من دفن البابا الراحل. أما مدة اجتماع الكرادلة لانتخاب البابا فهي غير مُلزِمة لوضع وقت محدّد مسبقًا لها. ومدتها تختلف من انتخاب إلى انتخاب. فمثلا لانتخاب البابا بندكتس السادس عشر سنة 2005 ما دام الاجتماع المغلق إلا يومان، كذلك انتخاب البابا فرنسيس ما دام إلا يومان بالعدد.
يذكر التاريخ أن أطول انتخاب كان عام 1740 وقد دام 181 يوما وانتهى بانتخاب البابا بندكتس الرابع عشر. وأمّا أقصر انتخاب فحدث عام 1503 وما احتاج إلا لجلسة واحدة، ما دامت إلا ساعتين وانتهت بانتخاب يوليوس الثاني.
أما في حالة استحالة انتخاب بابا بعد 30 جلسة (كما حدث في القرون الوسطى)، فهناك اقتراح في قانون الانتخاب، وهو أنّه إذا لم يلاقي أي اقتراع حلّا، فيبقى الكرادلة تحت إقامة جبرية خلف أسوار الفاتيكان المنيعة، حتى الاتفاق على انتخاب البابا الجديد.
من المرجّح أن انتخاب البابا هذه المرة سيتطلّب وقتًا أطول للسبب أن البابا فرنسيس عيّن في السنين الأخيرة كرادلة عدّة من مناطق غير معروفة، ومعظمهم من الذين لهم حق الانتخاب، فهم سيحتاجون إلى وقت كافٍ ليتعرفوا على بعضهم ويُجمع رأيهم على انتخاب المناسب. هذا وإن انتخاب البابا هذه المرّة مرتبط ليس بشخصية من سيُنتَخب، لكن أيضًا بالظروف الحالية التي تمرّ بها الكنيسة والتي سيساعد المنتخب في حلها.
وهناك اليوم عامل رئيسي يُمكن أن يعتمد عليه الكرادلة في انتخاب البابا الجديد، وهو أهمّية مستقبل القارة الأفريقية بالنسبة للكنيسة. فإن انتشار الكنيسة يجري في هذه القارة بقوة خارقة، فيمكن أن اختيار بابًا من أفريقيا سيكون سندًا لإزدياد عدد المسيحيين السريع ومستقبل الكنيسة هناك.
كما تعد مسالة الحرّية الدينية في كثير من مناطق العالم نقطة يركز عليها الكرادلة. كيف يمكن التعامل مع السياسات التي تقمع الحريات الدينية. هناك كرادلة متخصصون في التعامل مع هؤلاء السياسيين، فيمكن أن مجمع الكرادلة سيركّز في انتخاب البابا على شخص مؤهل لهذه المشكلة. فمن الممكن أن اجتماع الكرادلة سيدوم أطول هذه المرة. ومن الممكن إذن أن الكنيسة تقف هذه المرة أمام كونكلاف مثير تطلع عنه مفاجأة غير متوقّعة.
انتخاب البابا
كلّ جلسة لا تنتهي بانتخاب البابا، يتم حرق بطاقات الانتخاب، لتَصعد من مدخنة السكستين دخانًا أسودًا كعلامة على عدم الإجماع بعد على مرشّح رئيسي. وهذا الدخان هو علامة الاتصال الوحيدة الصامتة مع العالم الخارجي. لكن العلامة الأكيدة والإعلان الرسمي أنه قد تم انتخاب بابًا جديد، فتظهر من مدخنة السكستين دخانًا أبيض، وحال رؤيته تنطلق من حناجر الجماهير المحتشدة في ساحة القديس بطرس صرخات الفرح والتصفيق التي لا تعرف الحدود حتى يُطلُّ البابا المنتخب.
عندما يتم إجماع الكرادلة على انتخاب بابا، يبدأ أيضًا تقليد قديم، وذلك بسؤال هذا الشخص أولاً إذا كان يَقبل بالانتخاب قبل الإعلان عنه، فإن قَبِل يُعلِن هو نفسه أمام الحضور أيّ اسمٍ يريد أن يختار ويحمِل أثناء حبريته. والبابا الجديد عادة ما يربط اسمه باسم سلفه، لكن البابا جوزيف راتزنغر اختار الاسم بندكتس السادس عشر سنة 2005، وخلفه جورجيو ماريو بيرغوليو سنة 2013 اختار اسم فرنسيس، وهو أول بابا في التاريخ الذي اختار هذا الإسم. من ثمّ، يغيّر البابا المنتخب لباسه الخارجي أي السوتانة، إذ تكون في القاعة 3 سوتانات بيضاء معلّقة بأحجام صغير ووسط وكبير.
كيف يعلم العالم أنّ الكرادلة اختاروا بابا جديد؟
كما هو معروف بعد تأكد اجماع الكرادلة عن اختيار البابا، تطلع دخنة بيضاء من مدخنة سقف كنيسة السكستين المذكورة، وهي العلامة النهائية الحاسمة، التي تدلّ على انتهاء اجتماع الكرادلة بانتخاب بابا جديد، فيتم بعد لحظات ظهور عميد الكرادلة من على شرفة بازيليك القديس بطرس ليُعلن أمام الجمهور أنه تم انتخاب الكاردينال الفلاني بابا جديدا.
ويقول: أبشركم بفرح كبير! ثم ينطق بالكلمتين المشهورتين(Habemus Papam) ، أي "لدينا بابا". ويُعلن للجماهير أيَّ اسمٍ اختار لنفسه. يتبعها الحدث المهم أي أنّ البابا الجديد المنتخب، يكون قد لبس السوتانة الملائمة، فيتقدّم ويقف على شرفة الشباك ليحيّ الجماهير المتجمّعة في ساحة كنيسة القديس بطرس وهي تحيّيه، ثم يمنح لها بركته الأولى للحضور وللعالم.
بعدها تبدأ عملية تنصيب البابا الجديد، وذلك بقداس احتفالي في ساحة كنيسة القديس بطرس يتم فيها وضع علامة التنصيب بوضع الباليوم أي البطرشيل الخاص على أكتافه والذي يرمز إلى ارتباط رسالته مع رسالة القديس بطرس.
فلنصلّ لانتخاب الشخص المناسب للوقت المناسب الذي سيقود سفينة القديس بطرس، رغم الأمواج العالية حواليها. "الحق أقول لك: أنت بطرس الصفاة وعلى هذه الصفاة سأبني كنيستي.. وأبواب الجحيم لن تقوى عليها" (متى 16: 18).