موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
الفاتيكان دولة داخل دولة. وهي أصغر دولة في العالم إذ لا تزيد مساحتها عن نصف كيلومتر مربّع (440 مترًا مربّعًا) ولا يزيد عدد سكانها على الألف نسمة برئيسها الأعلى قداسة البابا وباقي الموظفين. ونحن عندما نقول دولة، نعني أنّ لها معسكرُها وعسكرُها لحماية حدودها، ولها شرطتها لتنظيم الحياة في داخلها. لكن الفاتيكان، بحسب الاتفاقيات الدوليّة لا جنود ولا معسكرات له، إذ عند الضرورة دولة إيطاليا هي التي تضع جنودها تحت تصرف دولة الفاتيكان وتحميه. بينما نظامه الداخلي للحياة اليوميّة فيعد الحرس السويسري هو المسؤول عن تنظيم وترتيب سير الأعمال والنظام فيه.
والسؤال هو لماذا هم الحرس السويسري الذي يقوم بحراسة رئيس الفاتيكان، أي قداسة البابا، وتنظيم الحراسة والرقابة داخل أسواره؟
الحرس السويسري هو منذ أكثر من 500 سنة المسؤول عن حماية البابا ودولة الفاتيكان الصغيرة، فخلف هذا التقليد ما هم إلا علامة إعجاب للسواح لا أكثر ولا أقل. إذ منذ أكثر من نصف قرن يقف شباب من سويسرا في بداية حياتهم أمام كل المداخل والدوائر في الفاتيكان، بزيّهم الجذّاب لحراسة قداسة البابا وسكان وموظفي الفاتيكان ولمراقبة وتنظيم التحرك فيه. وكما هو معروف هو الحرس السويسري الوحيد، الجنود، إذا صح التعبير وتسميتهم جنود الفاتيكان، هو أقدم معسكر ثابت في العالم لم يتغيّر ولم يتبدّل، بلباسه الساحر، الذي يتكلّم عن بقايا الماضي البعيد. لكن في الواقع إنَّ هؤلاء الجنود هم أكثر من منظر خلاب لأعين السواح ولأخذ الصور التذكارية معهم في ساحة القديس بطرس.
تأسست فرقة الحرس السويسري خصيصا لدولة الفاتيكان في 22 كانون الثاني من عام 1506. حيث التقى في ذلك اليوم 150 من الحرس من سويسرا بقيادة Kaspar von Silenen في روما بأمر من البابا يوليوس الثاني، حيث كانت أزمان اضطرابات، فطلب حرسًا لحمايته وحماية محيطه. عاشت هذه الفرقة من الحرس أحلك مرحلة في تاريخها يوم 6 أيار 1527 عند هجوم جيش القيصر الألماني فيلهلم الثاني Wilhelm II مدينة روما والفاتيكان، فسقط منهم 147 حرسًا من أصل 189، عندما حاولوا صد الجنود الألمان ومنعهم من الدخول إلى الفاتيكان، وحاولوا تهريب البابا يوليوس من الفاتيكان تحت خندق محفور من الفاتيكان إلى برج الملائكة المعروف خلف الفاتيكان. ولا تزال ذكرى هذا الحدث حيّة في تاريخ وعقول هذه الفرقة، حيث يتم يوم 6 أيار كل عام حلف يمين فرقة المجنّدين الجدد للأمانة في خدمة البابا والفاتيكان.
إنّ مهمة هذا الحرس الرئيسية ما تغيّرت حتى اليوم، وهي حماية البابا ومداخل أسوار الفاتيكان، ويقفون في الاحتفالات صفًا منيعًا ويسيرون مع الموكب. وفي حالة فراغ الكرسي البابوي، كمثل هذه الفترة، فهم أيضًا في حراسة مجمع الكرادلة.
كما وهو معروف ومحبب لدى السواح، زي الحرس السويسري الخاص أثناء الحفلات، الذي صُمِّم لهم: في بداية القرن العشرين المُنصرم: أي لون لباسهم العسكري المشكَّل بألوانه الأزرق والأحمر والأصفر. فالخطوط الزرقاء والصفراء تتجاذب مع اللون الأحمر على الأكتاف والبنطلونات. كذلك الطواقي على رؤوسهم، جاءت أيضًا في بداية القرن العشرين وتتناسب مع اللباس الكامل. هذا ويتبدل هذا اللباس حسب المناسبات. ففي الليل مثلا من يقوم بالحراسة الليلية يكون لباسه الأزرق وفي فعاليات احتفالية يرتدون الأسود.
ولا ننسى أنّ هناك التزامات وشروط واضحة لمن يتقدم بالانضمام لفرقة الحرس هذه، يجب أن تتوفر فيه، أولا أن يكون ذكرًا كاثوليكيًا، يحمل الجنسية السويسرية، ولا يزيد عمره عن 19 إلى 30 عامًا. أمّا المؤهلات الثانية فيجب أن يكون أنهى التدريب المهني، إلى جانب التدريب العسكري، مثلا في كيفية استعمال السلاح والرماية كذلك يجب تعليم اللغة والآداب الخلقية. وعند الانضمام إلى هذه الفرقة يلتزم المتقدم باحتفال القبول بواجب الخدمة لمدة 26 شهرًا. أما في هذا العام، وبسبب وفاة البابا فرنسيس، فإنّ احتفال حلف اليمين، فتمّ تأجيله إلى الخريف المقبل، كعلامة احترام وتقدير لروح البابا الراحل.
وصدر الإعلان من هذه الفرقة أنهم سيضعون في ضمن واجباتهم في هذه الفترة الصلاة وطلب الرحمة والراحة الأبدية للبابا فرنسيس. وإن فرقة الحرس هذه، رغم عددها المتواضع، وهم حاليًا 136 حارسًا، يتمتعون بصيت وسمعة دولية مثالية، لتمسكهم بالنظام والتقليد. والدليل على ذلك أنهم لن يغيبوا عن الوجود حتى في القرن الحادي والعشرين.