موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣ مايو / أيار ٢٠٢٥

"شفاء الرّبّ" بين كاتبي سفر المزامير والإنجيل الرابع

بقلم :
د. سميرة يوسف سيداروس - إيطاليا
سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 29؛ يو 21: 1- 19)

سِلسلة قِراءات كِتابيّة بين العَهدَّين (مز 29؛ يو 21: 1- 19)

 

الأحدُ الثالث من زمن القيامة الـمجيدة (ج)

 

مُقدّمة 

 

في هذا الزمن الفصحي الّذي نتمتع به ككنيسة بالحوار وبالإصغاء للمسيح القائم. هذا الحدث الّذي قيّر وجه التاريخ. على ضوء هذه النعمة المجانيّة سنقرأ بالعهد الأوّل أحد الـمزامير (29 "30")، والّذي نسمع فيه صوت المرنم الّذي يتهلل بشفاء الرّبّ له وبكلماته الّتي تفيض شكر وإمتنان. وعلى ضوء هذا النص سنقرأ حدث فريد بحسب البشارة اليوحناويّة (21: 1- 19) والّتي هي بمثابة تكليل لمسيرة التلاميذ الّذي دعاهم يسوع منذ بدء حياته العلنيّة حيث يدعونا يسوع من الإنتقال مما عشناه بالماضي إلى احتضان وقبول الجديد الّذي على ضوء قيامته يُتمم مخطط الآب وهو الإنتقال مما كنا نعيشه بالـماضي وقبول أنّ نصير رعاة مثله كما سنرى وقبلاً علينا أنّ نحبّ حقيقة.

 

 

1. الشفاء (مز 29 "30")

 

يقوم كاتب سفر الـمزامير بتعظيم الرّبّ قائلاً «أعَظِّمُكَ يا رَبُّ لِأنّكَ أنّ نشَلتَني ولم تُشمِتْ بي أَعْدائي. أيّها الرّبّ إِلهي إِلَيكَ صَرَختُ فشَفيتَني» (يو 21: 2-3). الشفاء، سواء للنفس أم للجسد، يتم بقدرة إلهيّة وليست بشريّة حيث مدعوين وقت الألم أنّ نسمع أجسادنا جيداً حتى نتمكن من التعرف على التدخل الإلهي العجيب والشافي. كلمات «حَوَّلتَ نَدْبي إِلى رقصٍ وخَلَعتَ مِسْحي وبِالسُّرورِ زنَرتَني. لِكَي يَعزِفَ لَكَ قَلْبي ولا يَسكُت أَيُّها الرّبّ إِلَهي، لِلأَبَدِ أَحمَدُكَ» (مز 30: 12- 13). رّوح الإمتنان الّتي لمست قلب وجسد كاتب سفر الـمزامير تتدرج حيث يكشف بنهاية مزمور الشكر بأنّ مسوح قد تمّ تحويلها وصار السّرور والرقص علامات التعرف على وجه الله بحياة الإنسان. وعلى ضوء هذا سنكتشف أنّ السّرور لن ينتهي بل يتابع من خلال لقاء القائم ببعض من تلاميذه الّذين سيعبرون معه بعد ترائيه لهم بحسب يوحنّا.

 

 

2. الحنين للـماضي! (يو 21: 1- 14)

 

يتألف الجزء الأول من الإصحاح الـ 21 بحسب إنجيل يوحنّا من عنصريّن رئيسيّين: الأوّل يشدد الكاتب على وجود التلاميذ في حضور القائم من بين الأموات، والّذي يبلغ ذروته في القربان المقدس (يو 21: 1-14)؛ والثاني يُعيد القائم تأهيل بطرس لدوره الرعويّ الـمبنيّ على الحبّ والتبعيّة (يو 21: 15-19). إنّ اللقاء الشخصي بين القائم من بين الأموات وبطرس هو لقاء خاص بل هو لقاء وجهاً لوجه. بمقالنا اليّوم، في حضور القائم، يمكننا أنّ نتوقف ونتأمل هذا المشهد الإنجيليّ الّذي يرويّه التلميذ الّذي أحبه يسوع. فنقرأ بأنّ سبعة من تلاميذ يسوع، يحاولون إتمام صيدًا إلا إنّه فشل ببحيرة طبرية. فهم ذاواتهم بعض من تلاميذ القائم الّذين بعد أنّ دعاهم الرّبّ، قرروا تبعيته وهو يبشر في شوارع الجليل؛ لكن حدث آلامه وموته، غيّر مصيرهم إذ لم يفهموه حقيقة، مما جعلهم يبادروا بالعودة إلى نشاطهم الأصلي الّذي هو حرفة الصيد. نقرأ بحسب تمهيد الإنجيلي القائل: «تَراءَى يسوعُ بَعدَئِذٍ لِلتَّلاميذِ مَرَّةً أُخْرى كان ذلكَ على شاطئِ بُحَيرَةِ طَبَرِيَّة. وتراءى لَهم على هذا النَّحْو. كان  قدِ اجتَمَعَ سِمْعان  بُطرُس وتوما الّذي يُقالُ له التَّوأَم ونَتَنائيل وهو مِن قانا الجَليل وَابنا زَبَدى وآخَران مِن تَلاميذِه. فقالَ لَهم سمعان  بُطرُس: "أنا ذاهِبٌ لِلصَّيد". فقالوا له: "ونَحنُ نَذهَبُ معَكَ". فخَرَجوا ورَكِبوا السَّفينَة، ولكِنَّهم لم يُصيبوا في تِلكَ اللَّيلَةِ شَيئاً» (يو 21: 2- 3). تأخذنا هذه الآيات إلى أوّل لقاء لتلاميذ المعمدان مع يسوع (راج يو ١).

 

لقد إنقضى الليل للتو، اللحظة الأكثر صعوبة وإحباطًا، عندما ظهر لهم الرّبّ على الشاطئ، ليضمن أنّ  يُثمر صيدهم الثمار المرجوة. فكم من الـمرات، نجد أنفسنا أيضًا في وضع هؤلاء الرجال لقد عملنا طويلًا، لكننا لا نستطيع قطف الثمار المرجوة؛ أنّها لحظات قد نجد أنّفسنا فيها نشعر بخيبة الأمل والإحباط والشعور بالعجز، ونشعر ببعد الرّبّ عنا. في أحلك الليالي، كما في ذلك الحين، تُصبح حاضرًا على شاطئ قلوبنا. مدعوين لتنال من جديد دعوة الرّبّ بثقتنا في كلمته ولتركها تعمل في حياتنا، لنُكمل نحن أيضًا العمل الّذي أوكله إلينا القائم. يمكننا أنّ نتسأل ما هي المشاعر الّتي تنتابنا عندما ندرك أنّ الرّبّ لم يتخلَّى عنا؟ فهو على شاطئ قلوبنا.

 

مُحاولة منا لفهم قرار بطرس الغريب بالعودة إلى الصيد بعد عيد الفصح، وبعد أنّ عشنا مع يسوع المعلّم أسبوع خاص وهو الأسبوع الأخير من حياته الأرضية حيث دخل منتصراً إلى أورشليم مشيراً إلى نجاح رسالته بعمق، مما أبدى لنا بأنّه حسم نهائيًا شهرته الّتي حققها بين الحشود الغفيرة. فقد بدت شهرة النجار الناصريّ الآن لا تُقهر. سنوات من الخدمة العامة الشاقة، والسفر والبعثات في جميع أنحاء فلسطين، لجني ثمار كلّ هذا الإلتزام والعمل. يطمحون التلاميذ إلى لحظة مجد ويستغلون الفرصة المواتية للحصول عليها. حتى وقت قريب، لم يكونوا سوى شخصيات مجهولة وغير مهمة، والآن فأنّ المعلّم الّذي إختاروا تبعيته يحظى بإشادة الجميع ويمتدحه الجميع باعتباره ابن داود، ملك اليهود. ومع ذلك، وكما يحدث غالبًا في الحياة، فإنّ النجاح لا يدوم طويلًا، مجرد غمضة عين.

 

بادر سمعان أخيرًا بالعودة إلى حياته الطبيعية، إلى أنشطته وعمله وحياته بالماضي، إلى الأشياء المعتادة. يستطيع أخيرًا أنّ  يذهب للصيد مجددًا حيث يصف الإنجيلي في مقدمة الإصحاح: «وتَراءَى يسوعُ بَعدَئِذٍ لِلتَّلاميذِ مَرَّةً أُخْرى كان  ذلكَ على شاطئِ بُحَيرَةِ طَبَرِيَّة. وتراءى لَهم على هذا النَّحْو. كان  قدِ اجتَمَعَ سِمْعان  بُطرُس وتوما الّذي يُقالُ له التَّوأَم ونَتَنائيل وهو مِن قانا الجَليل وَابنا زَبَدى وآخَران مِن تَلاميذِه. فقالَ لَهم سمعان  بُطرُس: "أنا ذاهِبٌ لِلصَّيد". فقالوا له: "ونَحنُ نَذهَبُ معَكَ". فخَرَجوا ورَكِبوا السَّفينَة، ولكِنَّهم لم يُصيبوا في تِلكَ اللَّيلَةِ شَيئاً» (يو 21: 2- 3). توحي مباردة بطرس في النهاية في أحداث القيامة، إلى أنّ وضعه كوضعنا كنسيًا وعالميًا قد كشف بوضوح هشاشة الكثير ما إعتبرناه يقينيات راسخة لا تتزعزع. وما اليقين في الواقع إلا إسقاطٌ على مستقبلٍ لماضٍ معروف، لكل تلك العادات ومناطق الراحة المألوفة الّتي نرغب في تكرارها من جديد والبقاء على قيد الحياة ومواصلتها! في النهاية، نحن جميعًا كائناتٌ اعتياديةٌ إلى حدٍ ما، وكلٌّ منا يُنمّي بطريقته الخاصة وطقوسه المنزلية والعلائقية، كما يروي النص الكتابيّ. ولكن، في إطار سنة اليوبيل، عندما نتصرف بهذه الطريقة، فأنّ ما يُعبّر عنه ليس أملًا بالضبط. بل هو حاجةٌ طبيعيةٌ للعودة إلى الوضع الطبيعي، إلى ما يُعتبر يقينًا. بطرس هو المثل الّذي ينتقل من أيامه العادية على بحيرة طبرية إلى الخوف من عدم اليقين في أيام عيد الفصح، ويمر عبر صدى النجاح.

 

يعود بطرس إلى الماء، بيئته الطبيعية وهو الصيد! يعود سمعان في النهاية، إلى كينونته تلك الّتي سبقت وصول تراءي القائم. لا بأس إنّها مجرد مسألة النظر بعمق في القلب وفهم ما يحركه بشكل أعمق. لا أحد، في النهاية، يحب الأزمات، ... إلخ في هذه اللحظات، نبحث جميعًا عن ملجأ بشكل عملي. لأنّ إذا لم يهرب سمعان من غموض هذا الوقت، فقط إذا تقبل "الشخصية" الّتي سيُصبح عليها، يُتاح له الإبداع والإمكانية الحقيقية لمستقبل مختلف تمامًا، مستقبل لن يعود بالضرورة إلى حالته الطبيعية. من الآن  فصاعدًا، سيتذكر بطرس هذا اليّوم الّذي وقع عليه نظرة يسوع حيث "رآه" لأول مرة، ذلك اليّوم الّذي خرج فيه حقًا إلى النّور ونال اسمه الحقيقي. كانت تلك بداية زمن الشك والأزمة معًا الّذي هو أيضًا ولادة جديدة. منذ ذلك اليّوم، تعرفنّا على روحانيّة الشك حيث ننقاد مع بطرس إلى حيث لا نعرف. من سمعان، صياد السمك، إلى بطرس، صياد البشر. نعم، ربما لا تسير الأمور كما تمنيتَ، لكنها بالتأكيد ستكون للأفضل.

 

 

3. صعوبة الإيمان بالقيامة (يو 21: 3- 4)

 

نحن بالقرب من البحر، أي مكان عمل التلاميذ حيث بين إلتزاماتهم اليوميّة، وبين حنينهم إلى ماضيهم، ... إلخ نختبر الإرتباك الكبير وسوء الفهم لحدث قيامة يسوع المعلّم. بحسب تمهيد السرد اليوحنّاوي بمبادرة بطرس حيث: «قال لهم سمعان بطرس: أنا ذاهب للصيد» (يو 21: 3). كم مضى من الوقت منذ أنّ رأينا بطرس يصطاد، بحسب رواية يوحنّا الّتي زودتنا من الإصحاحات 13 إلى 19، بالعديد من الإشارات إلى بطرس بين رفضه غسل قدميه ثم غسله كله من الرأس إلى القدمين، ثم وسط كل هذا التخلي من قبل التلاميذ، يصل بطرس إلى القمة بالإنكار الثلاثي (راج يو 18)! هل يمكننا أنّ نتسأل هل بطرس فهم شيئًا عن الهويّة الحقيقية للرّبّ؟ كلا، ثمّ نراه بحسب إعلان مريم المجدلية (راج يو 20)، يركض على الفور، فيصدم ونجده يحنّ لماضيه مُقرراً العودة ليحتضن حياته السابقة؛ باعتباره صيادًا، فإنّ دعوة يسوع له كصياد للبشر ليس واضحًا له بعد! يمثلنا بطرس جميعًا، النساء والرجال الّذين يريدون لقاء الرّبّ ولكننا نفهم صراعنا مع الّذات؛ من أعمال وحياة الماضي الّتي نفتقدها؛ الفشل في العمل وعدم التعلّم من التجارب، … إلخ. نحن لا نتذكر عدد المرات الّتي رافقنا فيها المعلّم الرّبّ، ولكن الصعوبة الكبرى تكمن في عدم فهم الهويّة الحقيقية للمعلّم الّذي هو الرّبّ. المفاجأة، في وسط هذا الارتباك الداخلي العظيم، يخبرنا الإنجيلي بأنّ هناك من يعرفه ويعلن هويته لباقي التلاميذ: «فقالَ التَّلميذُ الّذي أَحبَّه يسوعُ لِبُطُرس"إنّه الرّبّ". فلَمَّا سَمِعَ سمعان  بُطرُس إنّه الرّبّ، اِئتَزَرَ بِثَوبِه، لأنّه كان  عُرْياناً، وأَلْقى بِنَفْسِه في البُحَيرة» (يو 21: 7).

 

وقت اللقاء مع القائم «فلَمَّا كان  الفَجْر، وقَفَ يسوعُ على الشَّاطِئ، لكِنَّ التَّلاميذَ لم يَعرِفوا أنّه يسوع» (يو 21: 4)، أي عند وقت عودة الصيادين من عملهم بالصيد. في الواقع، عند الفجر، يأتي القائم ويتكلم مع الجميع. وقت الفجر هو وقت التعب والأزمات، نحن كالتلاميذ مشغولين بالعمل والحنين إلى الماضي. في الواقع، لا توجد حياة بدون القائم من بين الأموات. الفجر هو بداية ميلاد النور، والحياة بدونه ليل، ولكن معه نحن مدعوون للعيش في بهجة ولادة "الفجر" النور. بعد أنّ تحدث القائم من بين الأموات مع التلاميذ السبعة، جاء الوقت لإجراء محادثة شخصية. حوار شخصي، ضمن حوار جماعي، قصة شخصية ضمن قصة القائم مع المجموعة. مدعوين مع بطرس لنسمح للفجر أنّ يعبر فينا، حيث يأخذ القائم المبادرة ويتحاور مع بطرس. في الواقع، الحوار الحقيقي مع القائم ينتشلنا من الليل المظلم الّذي إخترناه للسماح بإشراق نور الفجر بداخلنا.

 

 

4. ساعة النّور الكامل (يو 21: 14- 19)

 

أود أنّ أرويّ الحوار بين الحيّ وبين التلميذ الّذي سيصير هامة الرسل، بشكل روائي بسيط حيث يخبرنا يوحنّا بالنص إنّهم بعد أن تناولوا طعامهم مما يفتحنا الآن على ساعة النور الكامل وهنا تأتي مبادرة يسوع لسمعان.

 

يسوع: "يا سمعان بن يوحنا (وليس بطرس)، أنت بتحبني؟

قال له: نعم يا رب، أنت تعرف أني بأحبك.

يسوع. "ارع خرافي".

 

هذا السؤال الّذي يتكرر لثلاث مرات، اليّوم  يطرحه علينا القائم من بين الأموات، يطرحه على داخلنا متسائلاً: "أتحبني؟". من خلال تساؤلات يسوع الثلاث، ينزل القائم من بين الأموات إلى مستوانا منتقلاُ: من "هل تحبني" إلى "أنت صديقي، أي أنك تحبني"، بحسب قدرة بطرس/قدرتنا على فهم محبة القائم من بين الأموات والترحيب بها. هل نحن قادرون على ذلك؟

 

الكلمة الأولى للقائم في هذا الحوار الذي يبدأ بسؤال افتتاحي، يفاجئنا القائم مقرراً أنّ يبدأ من جديد اليّوم، بالاعتماد على بطرس وعليّ وعليك، ليجعلنا ننمو في الحبّ الإلهيّ. هذا هو السؤال الّذي يطرحه القائم من بين الأموات على سمعان قبل أنّ يدعوه إلى تبعيته بشكل جذري حيث نقرأ أحد النصوص الأكثر حبّاً بحسب يوحنا. المثير للإهتمام هو أنّ يسوع القائم لا يزال يثق في بطرس وبنا. حيث يستمر بدعوتنا ومشاركته الرسالة اليوميّة.

 

إن لقاءنا اليوم مع القائم من بين الأموات يعتمد على المودة، ونحن مدعوون إلى لمس العمق الّذي يحمله قلبنا. القلب، في الحقيقة وليس التظاهر. ردنا على سؤال القائم من بين الأموات: "أاتحبني؟" لندعه يتردد في قلوبنا الّذي هو مقر محبتنا. يمكننا أنّ نسأل أنفسنا في الصلاة: هل نستطيع أنّ نعرف نوعية حبّ القائم من بين الأموات؟ فلنعطي أنفسنا وقتًا للحوار في الصلاة من خلال هذا السؤال! التساؤل الّذي قد نواجهه في الصّلاة هو إننا لن نستطيع أنّ نحب مثل حب الرّبّ، حبّ نقيّ وإلهيّ. ربما نفكر لماذا لا نستحق ذلك أو ماذا فعلت لأستحق هذا؟ نحن في مجتمع يعتمد كلّ شيء فيه على التبادل، ولا توجد مجانيّة للأسف. هل مدعوين لنستحق أم لنتبادل! لا هذا ولا ذاك، بل علينا أنّ نقبل بكلّ حرية هذا الحبّ الّذي يولد كثمرة للحوار مع القائم من بين الأموات. لا ينتظر الرّبّ شيئًا كمقابل، بل نكون صادقيّن في استجابتنا ونمنحه المساحة في داخلنا لمحبتنا.

 

قلب هذا النص كما يتضح من السؤال الثلاثي الموجه إلى بطرس، وكما أكدّ يوحنا سابقًا، هو أنّ نحبّ يسوع ونسمح له أن يسكن فينا (راج يو 15). نحن مدعويّن لتفعيل وعينا بأنّ المصدر الدائم لحبنا له هو حبه لنا. على ضوء تساؤل يسوع الثلاثي "أتحبني؟" يمكننا أنّ نفسرها بطريقتيّن:

 

الأولى إذا كان الأمر يتعلق بالإنكار الثلاثي لبطرس والّذي جعله يتوب، فمن المثير للإهتمام بأنّ نرى كيف أنّ يسوع، في الحوار، لا يرفض بطرس أو يوبخه على هشاشته، بل يركز على قدرته على الحبّ. الجزء الفعلي، غير المرئي بالنسبة لنا ولكن نشعر به ونقدره من قبل القائم. ماذا يحمل قلبك للرّبّ؟ فهو أمر ضروري في الطريقة الّتي نتعامل بها معه في الصلاة. ما هو نوع حبنا للرّبّ؟ أم إننا لا نزال على مستوى الـمعزة والتقدير، أو ربما أقل؟

 

الثانية أن التساؤل الثلاثي هو طريق للشفاء الّذي قاد بطرس ويقودنا إلى تغيير صورته الخاطئة عن المسيح كيريوس أي الرّبّ، بقبول ما أعلنه القائم من بين الأموات، أي الرعيّ. وهذا يساعدنا على الإنتقال من الصيّد بالحياة الماضيّة، إلى البدء في العمل في المراعي والحياة الحاضرة، هو البرنامج الجديد للقائم!

 

اليوم يقدم لنا القائم طريق الشفاء. رحلة تبدأ دائمًا من البداية كل ما تم اختباره معه، وخاصة الإنكار، علامة الهشاشة، فهو لا يتخلص منه، بل يحوله بقراره؛ حيث يضع نقطة ويبدأ من أوّل السطر أي من جديد، وتسير على نفس خط رحلتنا القصيرة "أبدأ من جديد منك". يعلن القائم من بين الأموات لكل واحد منا، في الجزء الخلفي من رحلتنا، أنني أبدأ من جديد منك، حيث نسمعه يقول: أريد أن أبدأ من جديد معك.

 

الكلمة الأخيرة للقائم من بين الأموات، في نهاية النص نجد أنفسنا مع الأمر "أنت اتبعني". لقد وصلنا إلى نهاية إنجيل يوحنّا! لدى يوحنّا، خلافاً للأناجيل الإزائية، نجد الدعوة إلى المتابعة في نهاية الإنجيل، ونعلم أنّه ليس من قبيل المصادفة أن يختتم يوحنا المحادثة بين القائم من بين الأموات والراعي المستقبلي (بطرس/أنا/أنت) بالانفتاح على التالي النهائي "أنت اتبعني" بدءاً مني ومن ذلك الجزء الصغير من حبيّ له، الذي يحمل قلبي، لينمو ليصل إلى المحبة مثله. المفاجأة، في كل هذا، تعهد إليه بالالتزام الذي كان له (راج يو 10) الرعيّ هو جوهر عمل الله والتزامه بأنّ يكون راعياً لنا فنحن قطيعه، أي كلّ الإنسانية. يدعو القائم من بين الأموات الجميع إلى أن يكونوا جزءًا من قطيعه، ويدعونا اليوم إلى المشاركة في الإلتزام المحدد، وهو الرعيّ. أنّ تكون راعيًا يعني ضمان الحياة، ونقل حياة القائم من بين الأموات إلى كل إنسان.

 

 

الخلّاصة

 

كما رأينا بحسب كلمات كاتب سفر الـمزامير (29) بالعهد الأوّل كلمات شكر وإمتنان للشفاء الّذي ناله من الرّبّ. هكذا رأينا أنّ شفاء التلاميذ (يو 21: 1- 19) يتم بترائيّ القائم وبالحوار معهم وبقبولهم بالرغم من بساطة حبنا له خاصة عن توجيهه سؤواله الثلاثي لبطرس "أتخبيني؟". أنا شخصيا أعتقد أن السؤال الوحيد الذي سيسألني إياه عندما نلتقي وجها لوجه هو "أتحبني؟"، إذا كنا قادرين على الحب، فقط هذا ولا شيء أكثر. حينها فقط سنكون قادرين على فهم لفظ "اتبعني". في الواقع، الكلمة الأولى والأخيرة في حياتنا تنتمي إلى القائم من بين الأموات عندما نكون قادرين على الحوار معه بحقيقتنا دون كشف ما يحمله قلبنا. مدعوين لطلب نعمة بأنّ نعرف كيف نلتقي بالقائم في الحقيقة ونحرر أنفسنا من الحب الكاذب أو حتى مجرد الحبّ الزائف. دُمتم في إستمرار بلقاء القائم وهو يكشف عن حبه ونعلن عن محبتنا.