موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أحد القيامة الـمجيدة (ج)
مُقدّمة
هناك يّوم في حياة كلّ إنسان لا يُنسى بسبب ذكرياته الّتي جعلت بصمة في حياته. وبالنسبة لنا كمسيحييّن هناك يّوم غيّر تاريخ بشريتنا بأجمعها، هذا اليّوم أُطلق عليه لأوّل مرة اليّوم العظيم، لأن هناك مَن عظمه بقيامته المجيدة وهو يسوع القائم. يّوم قيامة الرّبّ من بين الأموات هو يّوم الإنتصار، يّوم إتمام مخطط الله الآب لخلاص البشريّة، يّوم النعمة الّذي إنتشلنا وحررنا من كلّ خطيئة، ومرض، وشرّ، ووجع، وآلام، وعصّيان. نعم في هذا اليّوم كللّ يسوع مسيرة آلامه ومنح وجه جديد لعلاقتنا بالله الآب فصرنا أبناء ببنوته العظيمة. على ضوء كلمات كاتب سفر الـمزامير (117 (118))، بالعهد الأوّل، سنتهلل معه باليّوم الّذي إستبق به هذا اليّوم العظيم الّذي يجعل منه الله يّوم إبتهاج وتهليل. وعلى ضوء هذا النص سنلتقي برسولة الرسل، بالعهد الثاني، بحسب البشارة اليوحناويّة (20: 1- 10) حيث في اليّوم العظيم تحمل بُشرى الخلاص للتلاميذ وبدورهم يحملونها للبشريّة جمعاء. نهدف من هذا الـمقال بالتمتع بهذا اليّوم العظيم والتسبيح لله الآب الّذي جسّد في إبنه نعمة الخلاص في يّوم الأحد المبارك وصار يّومًا عظيمًا حتى اليّوم.
1. يّوم الفرح والإبتهاج (مز 117 (118): 24- 29)
يتهلل كاتب سفر الـمزامير بكلمات تعلن عمل الرّبّ العظيم في يوم خاص قائلاً: «هذا هو اليَومُ الَّذي صَنَعَه الرَّبُّ فلنبتَهِجْ ونَفرَحْ فيه» (مز 117: 24). بطل هذا اليّوم هو الرّبّ الأمين لشعبه والّذي حقّق لصالحه ما لم يتوقعه ودون إستحقاق. لسنا أمام عمل بشريّ من شخص بشري، بل عمل إلهي بيّد إلهيّة خارقة، تستمر في العمل دون توقف. وإمتنان القلب، من قبل الكاتب، هو ردّ فعل له قيمته إذ يعرف الكاتب أنّ الرّبّ هو وراء هذه الأعمال العظيمة. وبناء على خبرة الكاتب مع الله يتقدم بجرأءة وبثقة أنّ يكمل عمله بما يحتاجه وهو جوهري لّاهوتيًا قائلاً: «إِمنَحِ الخَلاصَ يا رَبُّ اْمنَحْ إِمنحِ النَّصرَ يا رَبُّ اْمنَحْ» (117: 25). وهنا يتوجه الكاتب، بناء على عمل الرّبّ بالـماضي، طالبًا منه بطلب الخلاص والنّصر. نحن لسنا في حرب أو معركة مع العدو، بل يتضرع الكاتب للرّبّ بأنّ يستمر في قيادة تاريخ البشريّة ويتمم أعماله العجائبية محرراً إيانا من كلّ هزيمة وفشل مانحًا الخلاص الإلهي. تحمل كلمات الـمرنم بدعوتنا للحمد والشكر ولـمباركة الرّبّ مُعلنًا: «تبارَكَ الآتي باْسمِ الرَّبِّ نُبارِكُكم مِن بَيتِ الرَّبِّ. الرَّبّ هو اللهُ وقد أَنارَنا فرُصُّوا الـمَواكِبَ والأغْصانُ في أَيديكم حتَّى قُرونِ الـمَذبَح. أنتَ إِلهي فأَحمَدُكَ أَللَّهُمَّ إِنِّي أُعَظِّمُكَ. إِحمَدوا الرَّبَّ لأَنَّه صالِح لِأَنَّ للأبدِ رَحمَتَه» (117: 26- 29). علينا بالإمتنان والحمد للرّبّ لأنّه يفيض علينا برحمة خلاصه في كلّ يّوم، إلّا إنّه إنطلقت أعمال يده الفائقة الطبيعة من اليّوم العظيم الّذي سيحقق مستقبلاً في يسوع إبنه وهذا ما نناقشه لاحقًا بالنص اليوحنّاويّ.
2. اليّوم الخارق (يو 20: 1- 2)
سنتتبع برّوح الإمتنان والحمد خطوات إمرأة، يكشف عنها يوحنّا الإنجيليّ بسبب صمودها وسيرها عكس التيار لأنّها سارت وراء مَن تحب أثناء آلامه (راج يو 19: 22- 29). هذه الـمرأة وهي الـمجدليّة لم تكفي بالشكر والإمتنان لـما عاشته مع يسوع بل قررت أنّ تُكرم جسده بالرغم من الحرس والخوف وميتة الـمعلّم الشنيعة والّتي تمت بظلم وعنف معًا. هذه الـمرأة تتجرأ بمفردها بحسب وصف يوحنّا ببعض الأفعال الّتي تكشف قوّة هذا اليّوم الخارق الّذي إكتشفته الـمجدليّة. الـمجدليّة ويوحنّا هما الّذين رافقا مريم أمّ يسوع تحت الصّليب، فقال عنها:
وفي يَومِ الأَحَد جاءَت مَريمُ الـمِجدَلِيَّةُ إِلى القَبْرِ عِندَ الفَجْر،
والظَّلامُ لم يَزَلْ مُخَيِّماً،
فرأَتِ الحَجَرَ قد أُزيلَ عنِ القَبْر.
فأَسرَعَت وجاءَت إِلى سِمْعانَ بُطرُس والتِّلميذِ الآخَرِ الَّذي أَحَبَّهُ يسوع،
وقالَت لَهما: "أَخَذوا الرَّبَّ مِنَ القَبْرِ، ولا نَعلَمُ أَينَ وَضَعوه" (يو 20: 1-2).
ذهاب الـمجدليّة للقبر، فجر الأحد بمفردها وبدأها بالسير والبحث والعودة للتلاميذ بدافع الحبّ ليسوع الـمعلّم، فصارت خطواتها ترسم ملامح اليّوم الخارق الّذي يغير مجرى وتاريخ البشريّة بالكامل. حبّ الـمجدليّة لحقيقة وهويّة يسوع الـمعلّم، جعلها تقوم بأفعال جنونيّة على الـمستوى البشري إلّا أنّ هناك مفاجأة بل خبر سّار ستحمله وستتولى هي رسالة نشر الخبر الّذي كشف عن خلاص الرّبّ في هذا اليّوم العظيم. كم من الأعمال الجنونيّة الّتي تحمل بُشرى خلاص وتأتي من أشخاص غير متوقعين. هذا الخروج الباكر والـموعد الغريب بسبب مصداقيّة ما تشعر به فهي تعيش الحدث بالكامل دون أنّ تطلب المساعدة ولن تتوقف مسيرة بحثها إذ تذهب للتلاميذ!
3. اليّوم العظيم (يو 20: 3- 9)
يصف الإنجيليّ، تبعيّة التلميذين للمجدليّة من جديد نحو القبر للتحقّق من خبر اللاوجود لجثة يسوع بهذا السّرد الكتابيّ:
فخرَجَ بُطرُسُ والتَّلميذُ الآخَرُ وذَهَبا إِلى القَبْر يُسرِعانِ السَّيْرَ مَعاً.
ولكِنَّ التَّلميذَ الآخَرَ سَبَقَ بُطرُس، فوَصَلَ قَبلَه إِلى القبْرِ وانحَنى فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، ولكنَّه لَم يَدخُلْ.
ثُمَّ وَصَلَ سِمْعانُ بُطرُس وكانَ يَتبَعُه، فدَخَلَ القَبْرَ فأَبصَرَ اللَّفائِفَ مَمْدودة، والمِنديلَ الَّذي كانَ حَولَ رَأسِهِ غَيرَ مَمْدودٍ معَ اللَّفائِف، بل على شكْلِ طَوْقٍ خِلافاً لَها، وكان كُلُّ ذلك في مَكانِه.
حينَئذٍ دخَلَ أيضاً التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ.
يكشف الإنجيلي عن التفاصيل الصغيرة الّتي دارت في الطّريق ويوحنّا، التلميذ الآخر، وهو أكثر شبابًا وصل قبل العجوز بطرس وإذ كلّ ما كُفن به الـمسيح من اللّفائف موضوعة كما كانت على الجسد إلّا إنّ حقيقة اللاوجود لجسد يسوع لهو أمر حقيقي.
إلّا أنّ يضيف الإنجيلي فعلين هامين جعلا من هذا اليّوم الخارق، لهو يوم مهيب وعظيم والسبب هنا هو الدافه الّذي ربط بين نظر التلميذ الآخر وما يحمله قلبه إذ قال: «التِّلميذُ الآخَرُ وقَد وَصَلَ قَبلَه إِلى القَبْر، فَرأَى وآمَنَ» (يو 20: 8). وهنا يصل الإنجيليّ، لذروة تعليمه اللّاهوتي وهو الإيمان الباطنيّ، من خلال العيّن الجسديّة الّتي حركت نمو بذرة الإيمان الّذي بداخله. الإيمان بأمر ما، في هذا اليّوم العظيم، أمر لم يتأكد بعد! الإيمان بماذا؟ وهو ما يرويّه في الآية اللّاحقة قائلاً: «ذلك بِأَنَّهُما لم يكونا قد فهِما ما وَرَدَ في الكِتاب مِن أَنَّه يَجِبُ أَن يَقومَ مِن بَينِ الأَموات» (يو 20: 9). الكلمة الأخيرة للقيامة وإتمام العمل الإلهي الإعجازي المهيب بيّد الله الآب، وهو الخلاص الكامل لكل بشريتنا في يّوم الأحد أي اليّوم العظيم. أين الـمجدليّة صاحبة تحرك التلميذين وتحققهما مما قالت سنراها واقفة، بل مستمرة في بحثها عن الـمعلم، في هذا اليّوم العظيم. ما سيرويه الإنجيليّ من لقاء بكر وخاص ومنفرد بالقائم (راج يو 20: 11- 19).
الخلّاصة
تتبعنا على ضوء كلمات كاتب سفر الـمزامير (117: 24- 29) الّذي دعانا لتهليل للرّبّ في اليّوم الخاص الّذي كشف عن أمانته لشعبه وأعلن خلاصه. وهو يّوم إفتتح فيه بشكل إستباقي لما تمّمه الـمسيح لاحقًا، في يوم الأحد وهو بمثابة اليّوم العظيم إذ إفتتحته خطوات الـمجدليّة في الصباح الباكر حينما ذهبت للقبر. وفي هذا اليّوم الّذي لا ينسى بسبب عظمته، بالرغم من اللافهم لحدث قيامة يسوع في هذا اليّوم العظيم إلّا أنّ الأحداث والأشخاص، من خلال الأفعال والتفاصيل الّتي عرضها الإنجيلي بسرده جعلت مهابة وقوّة هذا اليّوم العظيم الّذي لا يُنسى، بسبب عظمة الرّبّ إلهنا، ليس فقط للـمجدليّة وللتلميذيّن بل لكلّ البشريّة إذ أنّ لازال "القبر فارغًا" حتى يومنا هذا. في هذا اليّوم العظيم، لازلنا كمؤمنين نقدسه في يّوم الأحد الأسبوعيّ كقيامة أسبوعيّة، حيث نحيا ذكرى اليّوم العظيم الّذي تكلم الله الآب في إبنه الـمنتصر مانحًا الخلاص والإنتصار والنعمة والنّور لكل مَن يؤمن به. دُمتم في تهليل دائم في اليّوم العظيم، الّذي إفتتح أيامًا عظيمة لا تحصى. فلنشكر الرّبّ مُهلليّن في اليّوم العظيم قائلين: "الـمسيح قام".