موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢ يوليو / تموز ٢٠٢٥

الذكاء الاصطناعي والأخلاق

الذكاء الاصطناعي والأخلاق

الذكاء الاصطناعي والأخلاق

الأب رفعت بدر :

 

في رسالة وجّهها البابا لاون الرابع عشر إلى المشاركين في مؤتمر روما السنوي الثاني حول الذكاء الاصطناعي، واستضاف الفاتيكان اليوم الثاني من المؤتمر، قال البابا إن هذا "دليل واضح على رغبة الكنيسة في المشاركة بهذه النقاشات التي تمسُّ حاضر الأسرة البشريّة ومستقبلها".

 

وبلا شك، يبدو واضحًا أنّ للذكاء الاصطناعي اليوم مسارين للإستخدام: الأوّل في مجالات عديدة من مجالات العمل الإنسانيّ كالطّب وعالم العمل، والثقافة ومجال الإتصال، والتربية والسياسة. أمّا الثاني، فهو مع الأسف، الإستخدام القاتل بتطوير تقنيات جديدة لقتل الإنسان عن بُعد. ورأينا في الأسابيع الماضية كيف "تطوّرت" هذه الوسائل لتصل إلى الإنسان في غرفته، تقتله وتغتاله، والناس متسمّرون حول شاشات البث المباشر.

 

وهنا أعود سنة إلى الوراء، وتحديدًا في 24 حزيران 2024، إلى مؤتمر الدول الصناعيّة السبعة وشارك به جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، وتحدّث فيه البابا الراحل فرنسيس حول الذكاء الاصطناعي في خدمة العدل والسلام وقال فيه: "لكي تكون هذه البرامج أدوات لبناء الخير ولبناء غد أفضل، لا بدّ من توجيهها دائمًا إلى خير كلّ إنسان، ويجب أن يكون فيها إلهام أخلاقيّ"، مشدّدًا على أهميّة دور السياسة في تهيئة الظروف التي تجعل هذا الإستخدام الجيّد ممكنًا ومثمرًا.

 

ولحاجة البشريّة الملّحة لهذا القرار الأخلاقي، فقد وقّع البابا الراحل على "نداء روما لأخلاقيّات الذكاء الاصطناعيّ" في سنة 2020، والذي يتضمّن جملة من المبادئ التي تصلح لتكون منصّة عالميّة ومتعدّدة قادرة على أن تجد الدعم من الثقافات والأديان والمنظمات الدوليّة والشركات التكنولوجيّة الكبرى. وفي ذلك الأمر تأكيد على دور الكنيسة وسعيها الحثيث في السير نحو "أخلاقيّات الخوارزميات"، وكذلك رسالتها في إضاءة الطريق أمام العالم لوضع "خارطة طريق" أو "خطوط عريضة" لحلّ المعضلات الآنيّة والتحديّات التي تواجهها الأسرة البشريّة.

 

وأظن بأنّ محاضرة البابا تلك تستحق أن تُقرأ وتحللّ لكي يقف الناس على معرفة الإمكانات التي قد تحملها وسائل الذكاء الاصطناعي لتكون حقًا في خدمة الإنسان والإنسانيّة، لا في هدمها وهدم الاحترام اللائق والضروري لكرامة الإنسان. وأظن كذلك انّ علينا مسؤولية كبيرة المستوى ومزدوجة: أولاً في دعوة المنتجين القائمين على تصنيع أدوات الذكاء، والثانية لتوعية الأجيال الشابة على حُسن استخدام الوسائل لما فيه الخير للجميع.

 

فهذه هي أدوات تستمد "الكثير من بُعدها الأخلاقي من نوايا من يستخدمونها". وهنا أستذكر قول الشاعر المتنبي: كـلـمـا أنـبـت الـزمان قناة ركـّب الـمـرء فى القناة سنانا. فالله تعالى يريد من كل "قناة" أو أداة جديدة أن تكون خيّرة ونبيلة، لكن الإنسان يركب فيها سنانًا أي أدوات حادة للقتل والتدمير.

 

أخيرًا نقول ما نكرّره دائمًا، وهو أننا، نحن البشر، مع الأسف تقدمنا تقنيًّا وتكنولوجيًّا وأدواتيًّا، لكننا تقهقرنا وتراجعنا أخلاقيًّا وأدبيًّا. فالأدوات هي رمز لذكاء الإنسان "الطبيعي" الذي خلقه الله تعالى في الإنسان وميّزه عن جميع الكائنات، بينما الذكاء "الاصطناعي" هو مجهود بشري بإمكانه أن يعمّر حضارة محبة وإخاء، وبإمكانه مع كل أسف أن يجعل من الإنسان فريسة سهلة وهدفًا للقتل والإفناء.