موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٦ أغسطس / آب ٢٠٢٥

مع المؤثّرين الرقميّين في العالم

دعوا للمحبّة صوتًا في وسائل إعلامكم!

دعوا للمحبّة صوتًا في وسائل إعلامكم!

الأب رفعت بدر :


تُعدّ أشهر الصيف من أبرز لحظات اليوبيل الذي يُحتفل به حول العالم بمناسبة مرور 2025 سنة على ميلاد السيّد المسيح. وفي هذه المناسبة التاريخيّة، تتوجّه الأنظار نحو روما العريقة، حيث توافد هذا الاسبوع أكثر من مليون شاب وشابة جاؤوا من نحو 150 دولة في العالم، لأيامٍ مستمرّة في يوبيل الشباب. وقد شارك من الأردن وفدان في يوبيل الشباب، إلى جانب وفد فلسطيني يرتدي أعضاؤه الكوفية الفلسطينية المميّزة، وحيّاهم المنظّمون بشكل خاص في اللقاء الافتتاحي.

 

وأذكر أنّني شاركتُ في روما أيضًا خلال عام 2000، حين كان العالم يحتفل باليوبيل الكبير، وكتبتُ حينها مقالاً في الرأي بعنوان: "شباب العالم في روما" (25 آب 2000)... روما ما زالت كما هي، مدينة تُسمّى "الخالدة"، لما شهدته من أحداث تاريخيّة كبرى، ولما تحتله من مكانة روحيّة وثقافيّة، خصوصًا بالنسبة للعالم الكاثوليكي الذي يرى في قلب روما قلبًا يشع نورًا وهداية في عالم اليوم، أي حاضرة الفاتيكان التي تدير برئاسة قداسة البابا الشؤون الروحيّة لأكثر من مليار و400 مليون شخص في العالم.

 

وقبيل انطلاق يوبيل الشباب، شهدت روما يوبيلاً خاصًا ينظّم لأوّل مرّة، وهو يوبيل المؤثّرين الرقميّين، وهو حدث يعكس روح العصر، حيث بات الحضور الرقميّ للشباب واقعًا لا يمكن تجاهله. وقد تشرّفتُ بالمشاركة في هذا الحدث، بدعوة رسميّة، ضمن برنامج استمرّ يومين نظّمته دائرة (أو وزارة) الإعلام في الفاتيكان. وكان من أبرز محطّاته اللقاء مع البابا لاون الرابع عشر، الذي بلا شك يضع بصمته كلّ الأحداث والفعاليات التي يترأسها، وجميعها طبعًا لأوّل مرّة كون انتخابه لم يمضِ عليه ثلاثة أشهر بعد.

 

تحدّث البابا لاون للمؤثّرين الرقميّين قائلاً إنّ المسألة لا تقتصر على إنتاج محتوى، بل هي لقاء القلوب، والبحث عن المتألّم والمحتاج كي ينهض من جديد ويجد معنى لحياته". وشدّد على أنّه "لا يجوز أن يُستخدم أيّ شيء يصدر عن الإنسان وإبداعه لكي يسيء إلى كرامة الآخر. رسالتنا، ورسالتكم، هي تغذيّة ثقافة إنسانيّة مسيحيّة، ويجب أن نقوم بها معًا. هذه هي، بالنسبة إلينا جميعًا، جمال شبكة التواصل". وكرّر البابا لنا خلال اللقاء: "أيّها المؤثرون، دعوا للمحبّة صوتًا في وسائل إعلامكم"!.

 

أمّا الكاردينال بييترو بارولين، أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان، الذي دشّن لدينا كنيسة المغطس مع مطلع هذا العام، فقال إنّ الإيمان المسيحي يُذكّرنا بأنّ كلّ إنسان هو وجه، لا مجرّد "بروفايل"، وهو قصة مقدّسة، لا مجموعة بيانات. ولهذا، فإنّ الرسالة الرقميّة تتطلّب دومًا "أسلوبًا روحيًّا يفضّل اللقاء الحقيقي على الخطابات، والخدمة على النجوميّة، والشركة على الفردانيّة، والصبر على العجلة، والحقيقة على ما يُبهر".

 

خلاصة، عدتُ من هذا اللقاء في روما بانطباعات عديدة وجديدة، ومن أبرزها أنّ المؤسّسات الدينيّة ليست بعيدة عن الثورات والتحوّلات الرقميّة التي يشهدها العالم، فهي تشارك فيها وتستخدمها بفعاليّة وكثافة. غير أن هذا الحضور الرقميّ الكثيف يجب أن يسير مع الجودة والمحتوى الأخلاقي الجدير بنشره ووضعه على الصفحات الشخصيّة والجمعيّة التي تمثّل مؤسّسات رسميّة.

 

هناك مؤثّرون رقميّون في كلّ أنحاء الدنيا، لكن لا بدّ من الاتفاق على أنّ صفة "المؤثّر الرقميّ" لا تعني فقط أعدادا مليونيّة أو بعشرات الألوف من المتابعين، بل تتطلّب أولاً أن يكون التأثير بالمحتوى، وبالجودة، وبالحقيقة وقيم العدالة وكرامة الإنسان، والتي يعرضها المؤثرون بطريقة راقية واحترافيّة. فلنكن مؤثرين، نعم، والساحة مفتوحة للجميع، لكن لنضع معايير إنسانيّة جديدة، تبثّ الرجاء والأمل في النفوس. عندها، وعندها فقط، يُصبح المؤثر مؤثّرًا حقيقيًّا لا وهميًّا.