موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تعد بيئة العمل من القضايا المهمة التي تهم العاملين في كافة القطاعات، سواء كانت عملية أو تعليمية، أو إدارية. فمن حق الموظف أن يعمل في بيئة مريحة تضمن له الراحة وأسس العدالة والتحفيز، والمكافآت والتطوير، والتقدير.
قد تختلف بيئة العمل من مكان لآخر، حيث أنّها تعتمد على عدّة عوامل أساسيّة، منها الغاية من العمل هل هو الإنجاز العملي! أو الربح المادي! أو بعض الأيدولوجيات التي تبث في الموظفين بعض الأفكار والقيم أو قد تعتمد عليها.
خلال سنين طويلة حافظت الكنيسة في الشرق الأوسط وفي العالم على أهميتها بالجانب الديني والاجتماعي، وحافظت على هوية دينية واضحة، وبنت مجتمعًا متكاملاً مبنيًّا عليها أولاً من الناحية الإيمانية وتداخل هذا الجانب بالحياة، وثانيًا من ناحية مشاركة الكنيسة في القضايا الأساسية في المجتمع ممثلة بالتطوّر المجتمعي وخصوصًا الجانب التعليمي في المدارس والجامعات، والعمل الإنساني مثل بيوت الأيتام ومراكز ذوي الاعاقة وملاجئ العجزة...
في السنوات الأخيرة ازداد الاهتمام بالجانب الديني وتأثيره على المؤسسات، وعلى مناخ العمل، لا بل أن الناس يقضون وقتًا طويلاً في العمل، ولهذا فإن اختيار مكان العمل من أهم القرارات التي من الممكن أن تؤثّر على طريقة وطبيعة اندماج الأشخاص في المجتمع. ويتوقع الموظفون في المؤسسات الدينية أن تكون بيئة العمل مكانًا يكتشفون فيه أنفسهم ويعبّرون عن شخصياتهم وإيمانهم بطريقة أفضل لأنهم يتبعون مؤسّسة أو كنيسة تدعم هذه الأيدولوجية.
هناك أبحاث تؤكد أن المبادئ الدينية لديها تأثير نسبي على الموظفين وأدائهم في المؤسّسات، أو بالأحرى يمكن أن تتأثر المؤسسات في المبادئ الدينية وقيمها. إن الأخلاق والإيمان وحب السيد يسوع المسيح يمكن أن يخلق تناغمًا بين الموظفين في المؤسسات الدينية. هناك عوامل أخرى تحدد ولاء والتزام الموظفين في المؤسسات الدينية وغير الدينية مثل التقدير والترقيات، والحوافز.
المؤسسات الدينية التابعة للكنيسة، والتي يعمل فيها عدد كبير من الأشخاص قد يختلف مفهوم العمل فيها عن باقي المؤسسات، لأنهم يعملون بمكان مصبوغ بصبغة دينية مسيحية مبنية على الإنجيل وحب المسيح، وهذا الجانب المهم من الممكن أن يؤثر على طبيعة العمل بشكل عام ومما يؤثر بالضرورة على طبيعة وكيفية التعبير عن الولاء والالتزام في المؤسسة.
من المهم توضيح أن المعتقدات الدينية يمكن أن تؤثر بعمق على كيفية إنجاز الموظفين لمهامهم وأدائهم لعملهم. فالهويّة الدينية مرتبطة بمجموعة من النتائج المهمّة في بيئة العمل؛ إذ يمكنها أن توجه وتُعزِّز قرارات الفرد ومساهماته في مكان العمل عندما تكون هناك صلة واضحة بين القيم والسلوكيات الدينية وبين القيم والسلوكيات بشكل عام.
فالعمل في مؤسسة تابعة للكنيسة يرتبط بمفهوم الرسالة إلى جانب العمل، فمن الواجب إتمام العمل، لكن أيضًا من الواجب تحقيق رسالة، أولاً تجاه الشخص نفسه، وضمان خلاص نفسه وأن يعيش في الخير، وأن يشهد شهادة حسنة في المجتمع أمام الآخرين ليكون كل عامل أو موظف نورًا يسطع من خلاله نور المسيح، ومن ثم أن يكون العمل تمجيدًا لله وخدمة للخير العام.
الامتلاء من النعمة والتفكير في المصلحة العامة والعمل بروح الرسالة هي من أسس بيئة العمل في المؤسسات المسيحية، سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو خدماتية. ويمكن أن تكون بيئة العمل في المؤسسات المسيحية مساحة كبيرة لعيش الإيمان، ولإعطاء الآخرين فكرًا مستنيرًا وروحًا جديدًا في العمل.
ولكن هناك عقبات أمام هذه الشهادة، التي من الممكن أن تعمل على سحب العاملين إلى مكان آخر، مثل الأنانية، والانفرادية في العمل، أن يكتفي العامل بالقليل من العطاء، أو أن لا يهتم بروح الجماعة التي يعمل فيها، فيجد بالنتيجة نفسة في بيئة غير مريحة أو غير محفزة للعطاء أو للرسالة. مما ينعكس بالسلبية عليه أولاً وعلى الجماعة ثانيًا وأخيرًا على الانتاج سواء كان عمليًا أو تعليميًا مثل الجامعات والمدارس.
لا بدّ من التذكير دائمًا بهذه الرؤية ورسالة الكنيسة في مجالات العمل، لأنه مع الوقت قد يجد الموظف نفسه منغمسًا ومندمجًا بالعمل، أو أن يتعرّض لبعض المواقف السلبية التي تجعله ينسى الهوية الروحية والإنسانية، التي نشأت عليها هذه المؤسسات. وهذا واجب جماعي مشترك بين جميع أعضاء العمل في المؤسسة، من الإدارة لجميع العاملين.