موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اليوم الأحد 15 حزيران 2025، قداسًا احتفاليًّا، لمناسبة زيارة ذخائر القديسة تريزا الطفل يسوع إلى لبنان، على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي "كابيلا القيامة" عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة، في حضور حشد من الفاعليات والمؤمنين من مختلف المناطق.
بعد الإنجيل المقدس، القى البطريرك الراعي عظة قال فيها: "تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الثالوث الأقدس الذي هو قلب الإيمان المسيحيّ. فنحن نؤمن بإله هو شركة محبّة، وليس وحدة منعزلة. فنحن لا نعيش فقط في عبادة الله، بل في علاقة مع الله الآب الذي خلقنا، والإبن الذي افتدانا، والروح القدس الذي يقدّسنا، متمّمًا فينا ثمار الفداء. ونحتفل أيضًا باستقبال ذخائر القدّيسة تريز الطفل يسوع، الملقّبة بالزهرة الصغيرة. إنّ وجود ذخائرها بيننا علامة نعمة وبركة حضور، وشهادة حبّ منها، هي التي عاشت الطريق الصغير، وباتت شفيعة الإرساليّات، وهي قالت ’أنّها ستمضي أبديّتها ناثرةً على الأرض ورود النعم‘".
تابع "سرّ الثالوث الأقدس هو أسمى أسرار الإيمان المسيحيّ. فهو سرّ إله واحد في ثلاثة أقانيم: الآب والإبن والروح القدس في وحدة محبّة كاملة، وحياة إلهيّة واحدة تفاض علينا، وتدعونا للتأمّل فيها، والسير في نورها. ليس الثالوث الأقدس عقيدة نعلّمها أو نردّدها في قانون الإيمان، بل هو أسلوب حياة وُجدنا لأجله: أي أن نعيش في شركته، أن نكون واحدًا بالمحبّة، كما الآب في الإبن، والإبن في الآب، والروح القدس رباط المحبّة المتبادلة بين الآب والإبن. وهكذا باسم الآب والإبن والروح القدس نفتتح كلّ صلاة وعمل ملتمسين أنوار وعضد الثالوث القدّوس، ونختتم صلاتنا بالمجد للثالوث القدّوس. وعندما نبارك، إنّما نبارك باسم الثالوث، لأنّه مصدر كلّ نعمة".
وقال "عندما نتأمّل سرّ الثالوث الأقدس، نتأمّل أيضًا في صورة الكنيسة والعائلة والمجتمع: وحداتٍ متعدّدة في محبّة وتكامل. فحيث تُفقد الشركة، يُظلم السرّ الإلهيّ فينا. لبنان في عمق رسالته هو وطن التنوّع والشركة، وطن الطوائف المتعدّدة في وحدة وطنيّة، تمامًا كما أنّ إلهنا هو تعدّد أقانيم في وحدة محبّة. لكن هذه الرسالة معرّضة اليوم للتشويه بفعل الإنقسامات والتباعد والتجاذب. وطننا، رغم ما مرّ به، يبقى وطن الدعوة والرسالة. هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير بتراثه وإنسانيّته، يقف اليوم أمام مفترق طرق. إمّا أن يتابع السير في نفق المراوحة والإنقسام، أو أن ينهض من جديد على أساسات الشركة والتجدّد".
أضاف البطريرك الماروني "لكن ثمّة فرص حيّة علينا ألّا نهدرها، وهي: أن هناك إمكانيّات إصلاح ونهوض إقتصاديّ. وهناك مواطنون صالحون يبنون بهدوء. وهناك شباب مؤمن ببلدنا ولم يغادروا الحلم. وهناك فرص للخروج من منطق النزاع. وهناك فرصة لبناء المؤسّسات العامّة والفعّالة التي تنبع من إرادة الخدمة لا السيطرة. وهناك فرصة لإعادة الثقة بين المواطن والدولة. نحن نؤمن أنّ النور أقوى من الظلام، والمحبّة من الإنقسام والعمل الجماعيّ من الحسابات الضيّقة".
وقال البطريرك الراعي "القدّيسة تريزا الطفل يسوع، القدّيسة الصغيرة، التي توفيت بعمر أربع وعشرين سنة، تترك لنا ثلاث أمثولات عظام: التواضع، ومحبّة المسيح، والانفتاح على العالم. بتواضعها وضعت كلّ ذاتها بين يدي الله، دائمًا متساوية مع ذاتها وبصمت. بحبّها للمسيح جعلت كلّ حياتها مصوّبة إليه بالحبّ النقيّ الشديد. وبانفتاحها على العالم علّمتنا أن نحبّ العالم، وأن نضع فيه لون الرجاء. وكانت تردّد: لدينا هذا اليوم لنحبّ، لنحبّ القريب والبعيد، محبّتنا لله".
ورفع غبطته الصلاة "لكي ينير الثالوث الأقدس بيوتنا وأديارنا ومؤسّساتنا ويملأها سلامًا ووحدة، ولكي يفيض على العالم نعمة الحوار بدل الخصام، والبناء بدل الهدم، ولكي بشفاعة القدّيسة تريزا الطفل يسوع يفيض علينا ورود النعم، ولكي تكون زيارة ذخائرها نعمة وبركة سماويّة على لبنان وشعبه وحكامه، ولكي بشفاعتها يوقف الحروب المدمّرة الدائرة بين إسرائيل وغزّة، وبين إسرائيل وإيران، وبين روسيا وأوكرانيا".