موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
واشنطن بوست: حرب روسيا في أوكرانيا تقسّم العالم المسيحي الأرثوذكسي

عربي21 :

 

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرًا للصحفية ايرين كننغهام قالت فيه إنّ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، دعا الأسبوع الماضي إلى هدنة بين روسيا وأوكرانيا بمناسبة عيد الفصح حيث احتفل المسيحيون الأرثوذكس في كلا البلدين بعيد الفصح الأحد الماضي. لكن مع استمرار القتال، اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موسكو يوم الخميس الماضي برفض اقتراح الأمم المتحدة.

 

تسبب الغزو الروسي في اضطراب الأسواق العالمية، وأعاد إحياء حلف شمال الأطلسي، وأثار تحقيقات في جرائم الحرب. كما أنه تسبب بصدع في الكنيسة الأرثوذكسية، التي تُعد واحدة من أكبر الكنائس المسيحية في العالم، ويتركز معظم أتباعها، البالغ عددهم 260 مليونا تقريبًا، في القارة الأوروبيّة؛ في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق.

 

بالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والبطريرك كيريل (75 عامًا)، تعتبر أوكرانيا جزءًا لا يتجزأ من عالم روسي أكبر؛ عالم تشكل موسكو مركزه السياسي وكييف مركزه الروحي. لهذا السبب، قدم البطريرك كيريل تأييدًا شديدًا للحرب، وضاعف من ذلك التأييد حتى مع امتعاض العالم بسبب التقارير الكثيرة عن الفظائع الروسية في أوكرانيا. وقد أثار موقفه المؤيد للحرب غضب قادة الكنيسة الآخرين في أوكرانيا.
 

الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة

 

تعد الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة واحدة من أكبر الكنائس وأكثرها تأثيرًا في العالم، حيث تضم أكثر من 100 مليون مسيحي تابع لها، وفقًا لمركز بيو للأبحاث. في عام 2009، تم انتخاب كيريل بطريركًا - لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

 

في البداية، كان يُنظر إلى البطريرك كيريل على أنه مصلح قد يحقق بعض الاستقلال للكنيسة، بعد أن استخدم سلفه، أليكسي الثاني، علاقاته السياسية لإبراز مكانة الكنيسة بعد عقود من الشيوعيّة الملحدة. قام السياسيون الروس بتمويل بناء كنائس جديدة، وظهر الزعماء الدينيون في المقدمة في أنشطة الدولة.

 

منذ ذلك الحين، عزّز البطريرك كيريل دوره كحليف للكرملين. ففي 23 شباط الماضي، قبل يوم واحد من الغزو، أصدر بيانًا يشيد بالرئيس بوتين "لخدمته الرفيعة والمسؤولة لشعب روسيا"، ووصف الخدمة العسكرية الإلزاميّة بأنها "مظهر نشط من مظاهر الحب الإنجيلي للجيران".

 

في الأسابيع التي تلت اندلاع الحرب، استخدم البطريرك كيريل خطبه لتبرير "الحملة العسكريّة في أوكرانيا"، كما هو خطاب موسكو، وتصويرها على أنها صراع ضد الثقافة الغربية الخاطئة، على الرغم من حرصه على تجنب الإشارة إلى الصراع على أنه حرب أو غزو. وقد ركّز بشكل شبه كامل على ما يسميه "إبادة" أوكرانيا للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في الجزء الشرقي من البلاد.

 

وفي وقت سابق من هذا الشهر، ألقى البطريرك كيريل كلمة حث فيها الشعب الروسي على الالتفاف حول الحكومة "خلال هذا الوقت العصيب"، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء. ونقلت وكالة أنباء انترفاكس عن البطريرك كيريل قوله في كلمة في موسكو: "فليساعدنا الرب على التوحّد خلال هذا الوقت العصيب على وطننا، بما في ذلك حول السلطات".

الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة - بطريركية موسكو

 

الغالبية العظمى من الأوكرانيين يعتبرون مسيحيين أرثوذكس، وفقًا لمركز بيو للأبحاث. ومع ذلك، تنقسم ولاءاتهم بين ما لا يقل عن هيئتين كنسيتين رئيسيتين، إحداهما الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة، التي تتمتع "بالحكم الذاتي" لكنها تظل تحت سلطة بطريركية موسكو.

 

لقرون، كانت الكنائس في أوكرانيا وروسيا تحت قيادة بطريرك موسكو. ومع ذلك، مع انهيار الاتحاد السوفيتي، ضغطت الكنيسة الأوكرانيّة وحصلت على وضع شبه مستقل في عام 1990. لكن في السنوات الأخيرة، بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني وتدخلت في شرق أوكرانيا، سعى عدد متزايد من أتباع الكنيسة في أوكرانيا لمواجهة ما يرون أنه نفوذ موسكو.

 

منذ الغزو، اشتدّت هذه الدعوات وتزايد غضب أبناء الرعيّة من دعم الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة للحرب. كل هذا وضع الكنيسة الأرثوذكسيّة الأوكرانيّة وزعيمها، متروبوليت كييف وسائر أوكرانيا أونوفوري، في موقف محفوف بالمخاطر، لاسيما مع تزايد التقارير عن مذابح المدنيين وغيرها من الفظائع.

 

في 24 شباط الماضي، يوم الغزو، أصدر المتروبوليت أونوفوري بيانًا وصف الحملة العسكرية بأنها "كارثة"، وناشد بوتين "وقف الحرب بين الأشقاء فورًا"، مشدّدًا على أنّ الحرب بين الروس والأوكرانيين "هي تكرار لخطيئة قابيل، الذي قتل شقيقه بدافع الحسد.. مثل هذه الحرب لا مبرر لها، لا من الله، ولا من الناس".

 

كما أكدت الكنيسة دورها في تقديم المساعدة للمدنيين والإشراف على دفن أعضاء الخدمة الأوكرانية.

 

وتوقف بعض الكهنة عن ذكر البطريرك كيريل في صلواتهم، ودعوا أونوفوري للانفصال عن موسكو تمامًا.

كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسيّة

 

الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا عمرها ثلاث سنوات.

 

كان تأسيسها نتيجة مباشرة للحركة المزدهرة للانفصال عن الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة وإنشاء كيان كنسي مستقل تمامًا لأوكرانيا. وأثار اعتراف بطريركية القسطنطينية المسكونيّة في اسطنبول غضب موسكو. وقد قطعت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة علاقاتها بالبطريركيّة المسكونيّة.

 

زعيم الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا هو المتروبوليت أبيفانيوس الأول (43 عامًا)، والذي كان صريحًا في انتقاده للرئيس فلاديمير بوتين والحرب. بعد فترة وجيزة من الغزو، أصدر أبيفانيوس بيانًا يشبّه الزعيم الروسي بكل من المسيح الدجال وأدولف هتلر. وقال: "روح المسيح الدجال تعمل في زعيم روسيا، وعلاماتها التي أخبرنا بها الكتاب المقدس: الكبرياء والإخلاص للشر والقسوة والتدين الباطل.. كان هذا حال هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، هذا ما أصبح عليه بوتين اليوم".

 

هذا الأسبوع، بعد أن زار مدينة تشيرنيهيف المدمرة، حثّ المتروبوليت أبيفانيوس الأوكرانيين على مواصلة محاربة الغزو الروسي. وقال: "بالنظر إلى المعاناة والدمار والعنف الوحشي وانتشار الموت الذي تجلبه روسيا إلى كل ركن من أركان أوكرانيا.. نفهم بشكل أفضل أن القتال ضد المعتدي وطرده من أرضنا فقط يمكن أن يجلب لنا السلام العادل".

بطريركية القسطنطينية المسكونيّة

 

تعتبر بطريركية القسطنطينية المسكونيّة، ومقرّها مدينة اسطنبول التركيّة، واحدة من أقدم المؤسسات في العالم. وليس للكنيسة الأرثوذكسية زعيم واحد، لكن البطريرك المسكوني برثلماوس الأول يعتبر مرشدها الروحي و"الأول بين متساويين" مع البطاركة الأرثوذكس الآخرين.

 

هذا وانتقد البطريرك برثلماوس موسكو والحرب والبطريرك كيريل والكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة.

 

ففي اليوم الأول من الغزو، أدان ما قال إنه "هجوم غير مبرر من جانب روسيا ضد أوكرانيا". وفي وقت لاحق، في مقابلة مع CNN Turk، دافع عن قراره منح الاستقلال الذاتي للكنيسة الأرثوذكسيّة في أوكرانيا، وحذّر من أن عدوان روسيا وعزلتها قد يؤديان إلى "حرب باردة جديدة". وقال: "العالم كله ضد روسيا.. المسافة بين روسيا والعالم الغربي تزداد اتساعًا. هذا يعني أننا ندخل فترة حرب باردة جديدة".

 

كما قامت البطريركيّة المسكونيّة بتسليم مساعدات إنسانيّة إلى الكنيسة في كييف.

 

وفي زيارة لبولندا في أواخر آذار، ندّد البطريرك برثلماوس بالغزو ووصفه بأنه عمل "فظيع".

 

وقال البطريرك برثلماوس الأول في إفادة صحفية، وفقًا لوكالة أسوشيتيد برس: "من المستحيل ببساطة تخيّل مقدار الدمار الذي أحدثه هذا الغزو الوحشي للشعب الأوكراني والعالم بأسره". وأضاف إنّ التضامن مع الأوكرانيين "هو الشيء الوحيد الذي يمكنه التغلب على الشر والظلام في العالم".