موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
رغم الزيارة الأخيرة لرؤساء الكنائس في 14 تموز، وما تبعها من زيارة السفير الأمريكي، مايك هاكابي، لم يتوقّف العنف ضد بلدة الطيبة الفلسطينيّة المسيحيّة، بل استمرّ، إذ تعرّضت لهجوم جديد في الليلة الواقعة بين الأحد 27 تموز والاثنين 28 تموز.
قرابة الساعة 2:20 فجرًا، اقتحمت مجموعة من المستوطنين البلدة، ووفقًا للتقارير، فقد رشقوا منازل السكان بالحجارة، وحاولوا إحراق أحدها، كما خطّوا عبارات تهديديّة باللغة العبرية على الجدران، وأضرموا النار في ثلاث مركبات، إحداها تعود لصحفي والأخرى لعضو في المجلس البلدي.
وحين خرج عدد من الشبان الفلسطينيين لحماية منازلهم ومواشيهم وعائلاتهم، لاذ المهاجمون بالفرار. وقد وصلت قوات الاحتلال بعد أكثر من ساعة من وقوع الاعتداء. وتُعدّ هذه الاعتداءات امتدادًا لهجمات متكررة تنفذها مجموعات من المستوطنين تُطلق على نفسها "شباب التلال"، بقيادة رجل الدين المتطرّف نيريا بن بازي، والتي سبق أن استهدفت الأراضي الزراعية والمواشي في البلدة.
أصبح العنف الآن يستهدف الناس بشكل مباشر. ورغم أن الدوافع تبدو مستندة إلى التعصّب الديني، فإنّ هذه الهجمات لا تقتصر على معاداة المسيحيين، بل تأتي في سياق حملة أوسع ضد الوجود الفلسطيني، تطال المجتمعات المسلمة أيضًا.
ويبدو أن الهدف الأعمق هو التهجير التدريجي للفلسطينيين من أرضهم، بمن فيهم المسيحيون، إذ تُشكّل المجتمعات المسيحيّة جزءًا أصيلاً من النسيج الفلسطيني، وغالبيتهم من أبناء الأرض المقدّسة. وفي تطوّر مثير، أصدرت الشرطة الإسرائيليّة مؤخرًا تقريرًا برّأت فيه المستوطنين من التهم، بل ذهبت إلى حد الإيحاء بأنّهم ساعدوا الأهالي في إخماد الحرائق.
وتحمل هجمات الليلة الماضية بصمة انتقام سياسي محتمل، خصوصًا في أعقاب الإدانات الصارمة التي صدرت مؤخرًا عن ممثلين من الإدارة الأمريكية ضد عنف المستوطنين. وفي هذا السياق، صرّح السفير الألماني ستيفن زايبرت قائلاً: "سواء كان الهدف بلدة مسيحيّة أو مجتمعًا مسلمًا، قد يدّعي هؤلاء المستوطنون المتطرفون امتلاك تفويض إلهي، لكنهم في الحقيقة مجرّد مجرمين، غرباء عن أي دينٍ أصيل".
ما يجعل هذه الهجمات بالغة الخطورة هو أنها تستهدف مجتمعات مسيحيّة صغيرة تُشكّل شهادة حيّة للسلم والعيش المشترك في الضفة الغربية المحتلة. فعلى مدار سنوات، امتنعت هذه المجتمعات عن الردّ بالعنف، حتى في وجه استفزازات وهجمات متكررة نُفّذت في كثير من الأحيان على مرأى ومسمع من القوات العسكرية الإسرائيلية، وتحت رقابةٍ صامتة.
ويبقى نداء هذه المجتمعات ثابتًا وواضحًا: المطالبة بتحقيقٍ عادل وشفاف تُجريه أطراف ثالثة محايدة، لا الجهات المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في دوامة العنف. وقد أثارت التقارير التي قدّمتها السلطات الإسرائيلية حتى الآن موجة من القلق والاستياء، حتى في أوساط المعتدلين داخل المجتمع الإسرائيلي، نظرًا لافتقارها إلى الحياد والجدّية، ما يعمّق أزمة الثقة ويُضعف فرص المساءلة الحقيقية.