موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
في زمن تتغير فيه وجوه العالم، تبقى لحظة السيامة الكهنوتية علامة ثابتة في مسيرة كلّ كاهن، وبالأخص عندما يكون ذلك الكاهن هو من يتولى اليوم قيادة الكنيسة الجامعة. ففي مثل هذا اليوم، لثلاث وأربعين سنة خلت، نال الأب روبرت فرنسيس بريفوست -الذي سيُعرف لاحقًا باسم البابا لاوُن الرابع عشر- السيامة الكهنوتية في كنيسة القديسة مونيكا بروما. ومن هناك، بدأت رحلة خدمة جذورها متوغّلة في الروحانية الأوغسطينية، ومسيرتها متّجهة إلى أقاصي الأرض.
"بالنسبة لي، إطعامكم جميعًا بخبزٍ عادي أمر لا أستطيع فعله. لكن هذه الكلمة هي نصيبكم. أنا أغذّيكم من المائدة نفسها التي تغذّيني. أنا خادمكم". هذه الكلمات التي تعبر عن فكر القديس أوغسطينوس في عظته رقم 339، كانت تتصدر البطاقة التذكارية التي طُبعت بمناسبة السيامة الكهنوتية لروبرت فرنسيس بريفوست في 19 حزيران 1982. أما الصورة المختارة فكانت أيقونة روسية من القرن الخامس عشر تمثّل العشاء الأخير.
لثلاث وأربعين سنة خلت، نال لاوُن الرابع عشر السيامة الكهنوتية في كنيسة القديسة مونيكا في روما، على بُعد خطوات من الفاتيكان ومن ساحة سانت أوفيسيو التي يقيم فيها البابا اليوم. وقد منحه السيامة المطران البلجيكي جان جادوت، الذي كان آنذاك نائب رئيس أمانة سر الفاتيكان لشؤون غير المسيحيين، بعدما خدم سابقًا كمندوب رسولي وسفير بابوي في آسيا وأفريقيا، ثم في الولايات المتحدة الأميركية. كان الأب روبرت فرنسيس بريفوست يبلغ من العمر 27 عامًا عند سيامته، وقد درس القانون الكنسي في جامعة القديس توما الأكويني الحبرية. بعد أن كان قد دخل قبل خمس سنوات في رهبنة القديس أوغسطينوس، ونذر نذوره الاحتفالية عام 1981. وفي عام 1985 أُرسل كمُرسل إلى البيرو، حيث خدم في إرسالية تشولوكاناس، في بِيورا.
إنّ المقطع المختار للبطاقة التذكارية يذكِّر بمقاطع أخرى من تعليم القديس أوغسطينوس، ولا سيما شرحه للمزامير (103، الجزء الثالث، 9): "أنت خادم صالح للمسيح -كتب أسقف هيبّونا- إن كنتَ تخدم الذين خدمهم المسيح… ذاك الذي حررك بدمه هو الذي جعلك خادماً لي… أحبّوا خدامكم، ولكن باسم ربكم. فليمنحنا هو أن نحسن هذه الخدمة، لأنه، سواء أردنا أم لا، فنحن خدام؛ ولكن إذا كنا كذلك بمحض إرادتنا، فإننا لا نخدم عن اضطرار بل بمحبة". هذه الكلمات حول الخدمة، والانتماء لله ومن ثم التكرّس لخدمة شعبه، قد ترددت أصداؤها أيضًا في أول عظة ألقاها أسقف روما الجديد في قداس السيامة الكهنوتية الذي ترأسه في بازيليك القديس بطرس في 31 أيار 2025، حيث منح السيامة الكهنوتية لأحد عشر شماسًا من أبرشية روما.
قال البابا للذين ينالون السيامة الكهنوتية: "تصوروا أنفسكم أنتم الذين ستنالون السيامة الكهنوتية على طريقة يسوع! إن كوننا لله -خدام الله، شعب الله- يربطنا بالأرض: ليس بعالم مثالي، بل بالعالم الحقيقي. مثل يسوع، هؤلاء هم أشخاص من لحم ودم يضعهم الآب في طريقكم. تكرسون لهم أنفسكم، بدون أن تنفصلوا عنهم، بدون أن تنعزلوا عنهم، بدون أن تجعلوا من العطية التي نلتموها نوعًا من الامتياز.. إنّ محبة المسيح تمسك بمجامع قلوبنا"، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! إنه امتلاك يحرّرنا ولا يجعلنا نمتلك أحدًا. نحرر، لا نمتلك. نحن لله: ليس هناك غنى أعظم من هذا الغنى لكي نقدّره ونتقاسمه. إنها الثروة الوحيدة التي عندما نتقاسمها تتضاعف".
أما كنيسة القديسة مونيكا، والتي نال فيها السيامة الكهنوتية فقد أوكلها إليه البابا فرنسيس لدى تعيينه كاردينالاً في 30 أيلول 2023.