موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
خلال المقابلة العامة الأسبوعية، اليوم الأربعاء، في ساحة القديس بطرس، تأمل البابا لاون الرابع عشر في الحياة الإنسانية التي تتميّز بحركة دائمة تدفعنا إلى العمل والنشاط. وأشار إلى أنّه اليوم يُطلب في كل مكان تحقيق أحسن النتائج وبسرعة، وفي أكثر المجالات اختلافًا. ومع ذلك، بدلًا من التركيز على متطلبات الحياة الدنيوية، وجّه قداسته الاهتمام إلى قيامة السيد المسيح وكيف يمكن أن تؤثر على حياتنا اليومية.
عندما سنشارك في انتصار المسيح على الموت، يُطرح السؤال: هل سنجد الراحة؟ أوضح البابا أنّ الإيمان يقول لنا أنّنا سنجد الراحة، لكنها لن تكون راحة خاملة. بل سندخل راحة الله، وهي السلام والفرح. وتساءل: "هل علينا فقط أن ننتظر، أم أن هذا يمكن أن يبدّلنا منذ الآن؟".
وأضاف: "نحن منغمسون في نشاطات كثيرة لا نجد فيها دائمًا ما يرضينا. وكثير من أعمالنا لها صلة بأمور عمليّة، وملموسة. علينا أن نتحمّل مسؤوليّة التزامات عديدة، وأن نحلّ المشاكل، ونواجه المتاعب. كذلك يسوع اهتمّ بحياة الناس، ولم يُوفّر التعب على نفسه، بل بذل حياته حتى النهاية".
وحذّر البابا من الاعتقاد بأن كثرة العمل تمنحنا الرضى والحياة الوافرة، وقال: "تصبح دوامة تربكنا، وتنزع منا الطمأنينة، وتمنعنا من أن نعيش بأفضل طريقة ما هو مهم حقًا لحياتنا". وقال: "نشعر بالتعب وعدم الرضا: ويبدو الوقت كأنّه يتبدّد ويضيع في ألف شيء وشيء، ولا يحلّ معنى حياتنا الأخير. وأحيانًا، في نهاية أيام مليئة بالنشاط، نشعر بالفراغ".
وتساءل البابا: "لماذا؟ لأننا لسنا آلات، بل لدينا ”قلب“، بل يمكننا القول: نحن قلب". وأوضح الحبر الأعظم أنّ "القلب هو رمز كلّ إنسانيّتنا، وهو خلاصة أفكارنا ومشاعرنا ورغباتنا، والمركز الخفيّ لشخصيتنا". لهذا يدعونا الإنجيلي متى إلى أن نفكّر في أهمية القلب، بقوله لنا هذه العبارة الجميلة جدًا ليسوع: "حَيثُ يكونُ كَنزُكَ يكونُ قَلبُكَ" (متّى 6، 21).
وأشار إلى أنّ "في القلب يُحفَظ الكنز الحقيقيّ، لا في خزائن الأرض، ولا في الاستثمارات الماليّة الكبرى التي لم تكن يومًا أكثر جنونًا ومحصورة في قِلَّةٍ من النّاس، بشكل غير عادل، وصارت تُعبَد بثمن هو الدّم الذي يدفعه ملايين البشر وتدمير خليقة الله". بالتالي حثّ البابا على أهميّة أن "نتأمل في هذه الجوانب، لأن كثرة الالتزامات التي نواجهها باستمرار توشك أن تقترب بنا أكثر فأكثر من التشتت، وأحيانًا من اليأس، فتفقد الأشياء معناها، حتى لدى أشخاص يبدون ناجحين".
وأوضح البابا أنّ "قراءة الحياة في ضوء فصح يسوع المسيح، والنظر إليها مع يسوع القائم من بين الأموات، فيعني أن نجد المدخل إلى جوهر الإنسان، إلى قلبنا: القلب القلق". وأضاف: "بهذه الصفة ”القلق“، يظهر القديس أغسطينس اندفاع الإنسان نحو كماله. وتشير العبارة الكاملة إلى بداية ”الاعترافات“، حيث كتب: ’خلقتنا لك يا ربّ، وقلبنا لن يستريح إلّا فيك‘".
وأشار قداسته إلى أنّ "القلق هو علامة على أنّ قلبنا لا يتحرك عشوائيًا، أو بطريقة غير منظّمة، أو بدون هدف أو غاية، إنّما هو موجّه نحو مصيره الأخير، نحو ”العودة إلى البيت“"، مؤكدًا أنّ "وصول القلب إلى المرسى الحقيقيّ ليس في امتلاك خيرات هذا العالم، بل في الحصول على ما يحقّق امتلاءه، أي محبّة الله، أو بالأحرى: الله الذي هو محبّة".
ولفت إلى أنّ "هذا الكنز لا يُقتنَى إلا بمحبّة القريب الذي نلتقي به على الطريق: الإخوة والأخوات من لحم ودم، الذين تخاطبهم حياتهم وتحثّنا، وتدعو قلبنا إلى الانفتاح والعطاء. القريب يَطلب منك أن تتمهَّل، وأن تنظر في عينيه، وأحيانًا أن تغيّر برنامجك، وربما أيضًا أن تغيّر اتجاهك".
وأضاف: "أيها الأعزاء، هذا هو سرّ حركة قلب الإنسان: العودة إلى ينبوع كيانه، والتمتّع بالفرح الذي لا يزول ولا يخيّب. فلا أحد يستطيع أن يعيش بدون معنى يتجاوز ما هو عابر وزائل. قلب الإنسان لا يمكنه أن يعيش بدون رجاء، وبدون معرفة أنّه خُلِق للامتلاء والكمال لا لما هو ناقص".
واختتم البابا بالقول: "يسوع المسيح، بتجسّده وآلامه وموته وقيامته من بين الأموات، منحنا أساسًا راسخًا لهذا الرجاء. والقلب القَلِق لن يُخيَّب إن دخل في ديناميّة المحبّة التي خُلق من أجلها. الوصول إلى المرسى مُؤكّد، لأنّ الحياة انتصرت، وفي المسيح ستظلّ تنتصر في كلّ موت يُلِمُّ بنا في كلّ يوم. هذا هو الرجاء المسيحيّ: لنبارك الرب يسوع ونشكره دائمًا لأنّه وهبنا إيّاه".