موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢١ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠
قداس وجنازة الأب آثوس ريغي، رئيس دير ماعين: كانت حياته شهادة إنجيلية لكل الناس
← "نطلبُ منك أن تعلمنا الحب الذي يرجو بيقينٍ لا يتزعزع بوعود الله"
 جانب من القداس الجنائزي لراحة نفس الأب آثوس ريغي (تصوير: أسامة طوباسي / أبونا)

جانب من القداس الجنائزي لراحة نفس الأب آثوس ريغي (تصوير: أسامة طوباسي / أبونا)

أبونا :

 

ترأس كاهن رعيّة اللاتين في محافظة مادبا الأردنيّة الأب فراس نصراوين، صباح اليوم الاثنين، في كنيسة مار يعقوب، في بلدة ماعين، مراسيم القداس الجنائزي للأب المرحوم آثوس ريغي، الرئيس السابق لرهبنة "عائلة البشارة الصغيرة"، ورئيس دير الرهبنة في ماعين.

 

ومراعاة لإجراءات السلامة الصحيّة، فقد اقتصر حضور مراسم الجنازة والقداس الإلهي على الرئيس العام لرهبانية عائلة البشارة الصغيرة، وعدد من الكهنة، ورهبان وراهبات الدير، وعدد محدود من المؤمنين. فيما بُثّت المراسيم الجنائزيّة عبر صفحة موقع أبونا الإلكتروني، رفع خلالها المئات صلوات الشكر للرب الصالح الرحيم على حياة وشهادة خادمه الأمين أبونا آثوس ريغي الذي عاد إلى منزل الآب السماوي في أيام المجيء التي تصرخ فيها البشرية: «ماران أتاه، تعال ايها الرب يسوع».

 

في بداية القداس، ألقيت كلمات وجهها كل من النائب البطريركي للاتين في القدس المطران بولس ماركوتسو، وأسقف أبرشية بولونيا الإيطاليّة التي ينتمي إليها الأب آثوس، كما وأسقف أبرشية باليرمو الإيطاليّة. وشددت كلمات التعزيّة الإيمانيّة على الشهادة المسيحية والإنسانيّة التي قدمها الراهب والكاهن الراحل، بمثاله وحياته وكلماته وأفعاله، لاسيما في كنيسة ماعين التي أحبها وعاش فيها، وأرشد وعلم ومنح الأسرار المقدسة، وبالأخص سر المصالحة والتوبة مع الله، والمناولة المقدسة.
 

إنجيل حيّ لكل الناس

 

وبعد إعلان الإنجيل المقدس، ألقى الأمين العام لمطرانيّة اللاتين في عمان الأب عماد علمات، عظة جاء فيها: "نودع الأب والأخ آثوس ريغي، رئيس هذا الدير المبارك الذي يعبق بالحياة الروحيّة الأصيلة منذ ما يناهز الأربعين عامًا. أتى الأب آثوس إلى ماعين خلفًا للكاهن المحبوب الأب توما، منذ عدة سنوات، فواصل مسيرة العطاء والخدمة الروحيّة بتواضع وابتسامة رائعة واستعداد منقطع النظير لخدمة النفوس".

 

أضاف: "اختار رهبان ’عائلة البشارة الصغيرة‘ لقداس هذا اليوم نص البشارة فمريم العذراء قبلت من الملاك سلامًا ورسالة. ورغم الاضطراب والتساؤل، أعلنت استعدادها التام والواثق لقبول خطة الله لخلاص البشرية. فأمام حدود فهمها استطاعت السيدة العذراء، وبإرادة واعيّة، أن تضع نفسها في خدمة سر الخلاص. قالت نعم فكانت الحياة. وأصبحت أمًا لمن هو الطريق والحق والحياة. وبعد حدث البشارة، انطلقت مريم مسرعة ممتلئة من روح الله، حاملة في أحشائها ابن الله المتجسد. ذهبت مسرعة لخدمة خالتها أليصابات بفرح".

 

تابع: "في هذا الدير المبارك عاش الأب آثوس، وتعيش الجماعة الرهبانية، خبرة الامتلاء الدائم من روح الله بالصلاة والعمل والتأمل والمشاركة، وينطلقون فرحين لنقل بشارة الخلاص محمّلين بالرجاء لخدمة النفوس التعبة. أصبح هذا الدير في هذا البلد العزيز واحة روحيّة يلتجىء إليها الناس ليمتلؤون تعزية وراحة وطمأنينة. أمام جثمان الأب آثوس، المسجى أمام الهيكل، هنالك رسائل روحيّة؛ في عالم استهلاكي ينشد متعة مزيفة، تأتي شهادة هذا الراهب البسيط لتقول أنّ الفرح الحقيقي ينبع من داخل الإنسان. وفي زمن أصبحت فيها الإنانية نهج حياة يبحث فيه الإنسان عن ذاته، تأتي خبرة هذا الكاهن الروحية لتقول للعالم: إن السعادة الكبرى في العطاء لا في الأخذ. كلمات الإنجيل هي خبرة معاشة. خبرة الأب آثوس هو إنجيل حيّ لكل الناس".

 

وخلص الأب عماد علمات في عظته إلى القول: "أيها الكاهن الجليل، كنت شاهدًا أمينًا لشيء جميل، للمحبة والبساطة والفرح والأخوة. كنت أمينًا في القليل، أدخل نعيم ربك. واعلم أن هنالك أناس عرفوا المسيح من خلالك، وأن حياتهم مباركة، وسيسيرون على درب الإيمان والثقة، وسينطلقون فرحين لخدمة إخوتهم"، مقدمًا في الختام التعزية الإيمانيّة لرهبانيّة البشارة الصغيرة في ماعين وعائلة الأب آثوس في إيطاليا، باسم غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، وسيادة المطران وليم شوملي، وجميع الأساقفة والكهنة، والرهبان والرهبات والشمامسة، والمؤمنين من مختلف رعايا البطريركيّة اللاتينية في الأرض المقدسة.
 

وصية الأب آثوس

 

وقبل ختام القداس، ألقى الرئيس العام لرهبانية عائلة البشارة الصغيرة كلمة جاء فيها: "كنت أمينًا على القليل؛ إن إخلاص وخدمة الأب آثوس امتدت إلى عدد كبير من الأخوة الذين لا نستطع أن نحصيهم. ومع ذلك، فهو سيكون أول من سيقول: كل شيء منا هو دائمًا شيء قليل. من المستحيل أن نضع في الاعتبار، وفي القلب، كل تعبيرات المودة والألم الذي وصلتنا في هذه الساعات، من شباب وكبار السن، من الرجال والنساء، كهنة ورهبان، أهل وأبناء، ليشهدوا على ما تلقوه من أبونا آثوس، والتعبير عن حزنهم للفقدان الكبير والمفاجىء. ولكن الجميع يشعر بالرأفة أكثر، في الحفاظ على ما أعطاه أبونا لنكون مخلصين للإنجيل".

 

أضاف: "ترك الأب آثوس وصيّة مكتوبة في 29 حزيران عام 1996، يقول فيها: أطلب المغفرة من كنيسة الله المقدسة لأنني لم أحبها محبة نقيّة. أطلب المغفرة من جميع الذين كانوا ينتظرون مني دعمًا إنجيليًا وتوجيهًا للحقيقة، وبدلاً من ذلك لم أستطع أحيانًا تلبية احتياجاتهم. أتمنى أن أحفظ الإيمان حتى النهاية، وأتمنى بنعمته أن أتعلم محبّة الصليب كأداة حتى نكون تلاميذه، وأن أحمله كل يوم طاعة للإنجيل".

 

تابع: "من جميع الرهبان والراهبات، نشعر، نحن أبناء رهبانية عائلة البشارة الصغيرة، بأننا صغار وغير قادرين على جمع هذا الميراث الكبير الذي امتدّ من إيطاليا إلى الشرق الأوسط، من اليونان إلى الهند، من أصدقاء مسلمين ويهود، أماكن قضى فيها حياته بكرم كبير، في فترات من حياته والتي حفظها دائمًا في قلبه وصلاته، ناقلاً الهبة الكبيرة والتضرّع والصلاة لجميع الكنائس ولجميع الناس، خصوصًا من هم بحاجة أكثر. إنّ موته يعكس ما كانت حياته؛ حياة كنسيّة حقيقيّة، بذرة زُرعت في هذه الأرض. نحن يمكننا أن ننام أو أن نسهر، ولكن بالتأكيد، الرّب هو الذي يجعلها هذه الثمار حياة وشركة لجميع الذين أحبوه وعرفوه، وأيضًا لجميع الذين تمتعوا بشفاعته وصلاته عن غير علم".

 

وخلص الرئيس العام لرهبانية عائلة البشارة الصغيرة، في كلمته إلى القول: "نطلبُ منك أن تعلمنا من جبل نيبو أن نثابر خلال الرحلة الشاقة في الصحراء. نطلبُ منك رعاية كل رفيق في هذه الرحلة. أن نجعل نظرنا نحو الآفاق الكبيرة، وأن ننجذب وننشّد نحو أرض الميعاد. نطلبُ منك أن تعلمنا الحب الذي يرجو بيقينٍ لا يتزعزع بوعود الله"، مقدمًا الشكر للبطريركيّة اللاتينية ممثلة في القداس بالأب عماد علمات، ولكاهن الرعيّة الأب فراس، ولحراسة الأراضي المقدسة، وللكنيسة في الأرض المقدسة.

 

 

وبعد ختام القداس، نقل الجثمان الطاهر للأب آثوس، ليسجى في مقبرة دير الفرنسيسكان على قمة جبل نيبو.

 

للمزيد من الصور