موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
أشاد بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني وجهوده المستمرة في نشر السلام وحماية الهوية العربية المسيحية في الأردن وفلسطين، مؤكدًا أنّ الحفاظ على الهوية العربية المسيحية يعني أيضًا صون التعددية الراقية في هذا الشرق.
جاء ذلك خلال اللقاء السنوي لجلالته في قصر الحسينية بمناسبة قرب حلول عيد الميلاد المجيد، مع رؤساء الكنائس والمؤسسات الإسلامية، حيث عبّر البطريرك عن تقديره لمسيرة جلالته التي امتدت 25 عامًا منذ إعلان عيد الميلاد عطلة وطنيّة رسمية، مشيدًا بالتزام الملك الدائم بالقضايا الإنسانية والدبلوماسية، وبالأخص حماية القدس والحفاظ على التعددية الدينية.
وتناول البطريرك بيتسابالا في كلمته أبرز القضايا الملّحة في المنطقة، بما في ذلك أوضاع قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وحماية الهوية العربية المسيحية في الأرض المقدسة، ودعم التعددية الدينية في الشرق، والاستمرار في تقديم الدعم الإنساني للأردن والمهاجرين واللاجئين، إضافة إلى التطلعات المستقبلية لتعزيز السلام، وتنمية السياحة الدينية، وصون المقدسات.
صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم،
صاحب السموّ الملكي، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ، ولي العهد المعظم،
أحمل لكم معي تحيات البطريركية اللاتينية، بكنائسها ومؤسساتها التربوية والإنسانية، إنّنا نقدر يا صاحب الجلالة هذا الاجتماع السنوي الذي نحتفل هذا العام بيوبيله الفضي، حيث دأبتم على هذه السيرة النبيلة منذ 25 عامًا، ومن أول عيد ميلاد أعلنتم العيد عطلة رسمية في عهدكم المقدّر، فلكم كل التحية والعرفان.
نحيي، يا صاحب الجلالة، كل جهودكم الرامية إلى وقف إطلاق النار، وإلى إتمام مسيرة السلام العادل والشامل التي تدعون إليها، وكان والدكم رحمه الله، الحسين الباني، أيضًا يدعو إليها وما زال السلام بعيدًا.
إننا قد فرحنا لوقف إطلاق النار وتنفس أهلنا في غزة الصعداء، وصار هنالك نوع من الانفراج، ولكن كما تعلمون أن الأمور ما زالت غير مكتملة لأن السلام ما زال غائبًا، ونبحث معكم يا صاحب الجلالة عن حل جذري ونهائي وشامل لكل القضية الفلسطينية وليس فقط لغزة.
لقد منحني الله أن أزور غزة ثلاث مرات العام الماضي، ومرة مع بطريرك الروم الأرثوذكس، أي خلال الحرب، فكان الكهنة الصابرون مع الراهبات والعائلات التي وجدت في الكنيستين ملجأً ودفئًا وحماية، يشيدون، كما نحن اليوم، بجهودكم الدبلوماسية من جهة، والإنسانية من جهة أخرى.
ومن غزة، أصعد معكم إلى القدس، فأحمل لكم محبة أخوتكم المسيحيين والمسلمين في القدس. وكما ترى هذه الأسرة المشرقة التي نرسمها يوميًا في القدس الشريف، مع صورته المتعددة الأديان الفريدة والخاصة، هي سبب من أسباب الصبر، والصمود، والنظر إلى المستقبل بتفاؤل. والقدس يا صاحب الجلالة هي الموطن للأديان الموحِّدة، ومنذ البدء، أنتم الحامي والمحافظ على هذه اللوحة الفريدة المشكلة من التقاليد والمقدّسات الدينيّة. وبرعايتكم وبجهدكم المتواصل، فإنكم تحافظون، ليس فقط على المقدسات الحجرية، وإنما أيضًا على المقدرات البشرية لكي يبقى المسيحيون أيضًا في القدس ويبقوا في مستقبلها. لكن الهجرة والتهجير قد عصفت على أبنائنا في القدس فبقي القلة القليلة منهم، ونفتقر أيضًا إلى الحجاج الذين لم يعودوا بعد بكثافة معهودة في الماضي إلى زيارة الأراضي المقدسة.
ونحيي كل النداءات التي أطلقتموها في العام الماضي، وكان آخرها قبل أيام قليلة لدى استقبالكم قيادات مسيحية من الشرق العزيز، فأنتم دائمًا لديكم هذا الهاجس ولديكم هذا المطلب بالحفاظ على الهوية العربية المسيحية، وكلنا ندرك بأن الحفاظ على الهوية العربية المسيحية هو أيضًا حفاظ على التعددية الراقية في هذا الشرق العزيز.
أما في الضفة الغربية فالأمور ليست على ما يرام، وهي دائمًا محفوفة بالمخاطر اليومية، بالرغم من أنّ الشعب لديه إصرار على الحياة والحرية، ولذلك نهيب بكل الساعين إلى السلام وأنت أولهم، بأن نتوجه بأنظارنا يوميًا نحو الضفة الغربية ونحو ما يحتاجه الشعب الفلسطيني من حماية، وأمن، واستقرار، وتجنيد كل المقدرات من أجل خدمة الإنسان والإنسانية. فالأطفال والشباب لهم حق يا صاحب الجلالة بأن يحلموا بمستقبل جميل. وكل يوم تأتينا العديد من الشكاوي، ليس فقط من المسيحيين، وإنما من كل البلدات، بخصوص اعتداءات، ومضايقات، وتحرشات. من الطيبة إلى عبود، قضاء رام الله، إلى الزبابدة وجنين. وهذا أيضًا ما يجب أن يتوقف لكي ينعم الشعب الفلسطيني بمسيحييه ومسلميه بأيام سلام وازدهار.
أما في الأردن العزيز، فالمؤسسات تكمل سيرها وعملها اليومي من أجل خدمة الإنسان بكل أطياف المجتمع الأردني، فهنالك المؤسسات الروحية، وهنالك المؤسسات التربوية، وهنالك المؤسسات أيضًا الخدماتية أو الإنسانية، التي تقدم العون لإخوتنا المهجرين واللاجئين في الأردن، وكذلك من أجل الإنسان الأردني أيضًا بمسيحييه ومسلميه.
نتعاضد ونتضامن دائمًا يا صاحب الجلالة مع كل إنسان من النيات الحسنة، ونُحيي الجهود التي تقودونها دومًا على المستويات المحلية والعربية والعالمية، وبلا شك إن قداسة البابا لاون الرابع عشر، الذي التقيتموه قبل أشهر في حاضرة الفاتيكان، قد صرّح بما تنادون به: أي حلّ الدولتين كمفتاح للسلام العادل والشامل.
ونفكر معكم بيوبيلين عظيمين في السنوات المقبلة حيث نحتفل في عام 2030 بألفي سنة على عماد المسيح، وفي 2033 بألفي سنة على القيامة المجيدة، حيث سنتمكن من رؤية الكنائس من كل أنحاء العالم، تأتي وتذهب إلى الأردن، ونأمل بأن تحدث لدينا أيضًا زيارة بابوية خامسة. وهذا يلهمنا لأن نعمل معًا لنهضة السياحة الدينية في الأردن وفلسطين، وقبل ذلك علينا العمل لكي ننشئ جوًا من الاستقرار والسلام لكي يأتي إلينا الحجاج فيحصلوا على ما يرجونه من نعم روحية في حجهم المقدس إلى بلادنا العزيزة.
كل عام وأنتم بخير، وإن شاء الله عام 2026 يحمل البركة والخير للأردن، لجلالتكم، لسمو ولي العهد، وللشباب الأردني والفلسطيني، بل لكل أنحاء العالم. آمين.