موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يقول الأب جبرائيل رومانيلي، كاهن رعية العائلة المقدسة للاتين في غزة، إن الحياة بعد وقف إطلاق النار «تحسّنت قليلًا» بسبب «توقف القصف الواسع»، لكن «الحرب لا تزال مستمرة». جاء ذلك في رسالة فيديو باللغة الإنجليزية أرسلها إلى وكالة آسيا نيوز، مشيرًا إلى أن الجماعة «تستمد قوتها من الصلاة».
ويضيف الكاهن الأرجنتيني المنتمي لرهبانية الكلمة المتجسّد: «نحاول، على سبيل المثال، أن نحتفل بزمن الميلاد ونعيشه بأفضل طريقة ممكنة»، لأن الحياة الروحية «هي الشيء الوحيد الذي يمنحنا سلامًا حقيقيًا في قلوبنا».
وفي ظل وضع لا يزال بالغ الخطورة، مع استمرار القصف والأزمة الإنسانية، يسود «اكتئاب عميق بين السكان، بما فيهم المسيحيون، لأنه لا أفق واضحًا لنهاية الحرب»، بحسب الأب رومانيلي. ويعاني الأطفال «بشكل كبير»، رغم أن استئناف بعض الأنشطة والدروس يخفف عنهم جزئيًا، ولكن على نطاق محدود، لأن المدارس المسيحية ما زالت تؤوي نازحين حتى اليوم.
ويختم قائلًا: «نستمد قوتنا من الله، من الصلاة، من إيماننا»، رابطًا كلمته بيوبيل الرجاء الذي يشارف على نهايته: «لطالما ذكّرنا جبل الجلجلة بالرجاء، لكن الأمل الإنساني ليس واضحًا؛ يبدو أن العالم ينسى الوضع في غزة. الحرب مستمرة، والسلام لم يأتِ بعد».
صباح الخير، أصدقائي الأعزاء.
لقد تحسّنت حياتنا قليلًا بعد وقف إطلاق النار، إذ لم تعد هناك غارات جوية واسعة النطاق، لكن للأسف الحرب ما زالت مستمرة. لا نزال نسمع أصوات القنابل، ولا سيما بسبب قربنا الشديد من «الخط الأصفر». هناك مزيد من المساعدات الإنسانية، لكنها لا تزال غير كافية، كما تواجه عملية التوزيع صعوبات كبيرة. الجمعيات العاملة على الأرض تبذل أقصى جهودها لإيصال السلع والمساعدات إلى الأسواق.
الأمر الأكثر أهمية، وفي الوقت نفسه الأخطر، هو حالة الاكتئاب العميق التي يعاني منها الناس، إذ لا يرى أحد، حتى الآن، أي مؤشر واضح على قرب انتهاء هذه الحرب. الناس بحاجة إلى أبسط مقومات العيش، ليس فقط لإعادة إعمار غزة، بل أيضًا إلى أمور أساسية كالكهرباء. فالضوء الذي ترونه هنا متوافر بفضل مولّد ولوح شمسي صغير، في حين أن معظم المدنيين، أي أكثر من مليوني إنسان في غزة، محرومون من الكهرباء منذ أكثر من عامين. وينطبق الأمر نفسه على المياه، إذ لا تصل الغالبية إلى مياه صالحة للشرب، ما أدى إلى انتشار العديد من الأمراض المعوية في القطاع، وحتى داخل مجمّعنا حيث استقبلنا وما زلنا نؤوي أكثر من 400 نازح.
حتى الذين يعيشون في الخيام يحتاجون إلى الكهرباء والمياه وغيرها من الضروريات الأساسية. أما الذين يحاولون البقاء في منازلهم، أو في ما تبقّى منها، فيحتاجون إلى الماء والحطب والبلاستيك ومواد تقيهم برد الشتاء الذي حلّ هنا أيضًا، إضافة إلى الملابس الضرورية. هذا هو الواقع. لكن الحاجة الأهم تبقى إلى إشارة واضحة بأن الحرب قد انتهت، وأن الناس باتوا قادرين على محاولة استئناف حياتهم على أرضهم.
مع الكاهن الآخر، وهو أيضًا عضو في رهبنة الكلمة المتجسّد، ومع الأخوات من الرهبنة نفسها، وراهبات الأم تريزا، نتلقى باستمرار دعم أسقفنا، البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا. وبفضل سخاء البطريركية اللاتينية، ودعمكم ودعم العديد من الأصدقاء، تمكّنا من مساعدة عشرات آلاف العائلات، ولا سيما الأطفال.
حتى اليوم، أطلقنا عدة مبادرات، من بينها دعم الأطفال المصابين بمتلازمة داون، أو بأمراض خطيرة، أو بسوء تغذية حاد. قدّمنا لهم ولأسرهم الدعم اللازم، وساعدنا أكثر من ألف طفل وآلاف العائلات، وسط احتياجات هائلة. ورغم صعوبة الوضع داخل المجمّع وخارجه، نحاول أن نبذل قصارى جهدنا. نواصل حياتنا ونثابر على الصلاة، عادةً ثلاث ساعات يوميًا، تشمل السجود للقربان المقدس، والمسبحة الوردية، والقداس الإلهي، وصلوات أخرى. ونصلي كل يوم من أجل السلام.
يعاني الأطفال معاناة شديدة، لكن الحمد لله، بعد أشهر من اندلاع الحرب، استأنفنا أنشطة الدروس والمدرسة داخل المجمّع. هنا، على الأقل، يجد الأطفال بعض العزاء في معاناتهم. إلا أن عدد الأطفال لدينا اليوم يفوق بكثير ما كان عليه قبل الحرب. ولا ننسى أن المدارس الكاثوليكية الثلاث – البطريركية اللاتينية، والوردية، والعائلة المقدسة – كانت تضم 2250 طالبًا، أما اليوم فلا نستطيع، للأسف، تأمين التعليم إلا لـ160 طفلًا فقط، لأن المدارس الثلاث، رغم نجاتها من القصف، لا تزال مكتظة بالنازحين، ولا تتوافر مساحات بديلة. لقد حاولنا إيجاد حلول أخرى، لكن الأمر ليس سهلاً.
نستمد قوتنا من الله، ومن الصلاة، ومن إيماننا ورجائنا، ونسعى جاهدين إلى عيش ثمار أعمالنا الخيرية ومشاركتها مع الجميع. وفي ما يخص يوبيل الرجاء، هل من علامات؟ نعم، على الصعيد الروحي، لأن الجلجلة لطالما بشّرتنا بالرجاء. لكن الأمل الإنساني ليس واضحًا؛ يبدو أن العالم ينسى الوضع في غزة. الحرب مستمرة، والسلام لم يتحقق بعد.
لذلك، هناك العديد من الأشخاص في مختلف أنحاء المنطقة، من فلسطين وإسرائيل، ومن شتى الأديان، الذين يريدون ويعملون من أجل السلام، لكن هذا المسعى يحتاج إلى دعم أكبر من المجتمع الدولي بأسره.
ولمن يسألني كيف أحافظ على السلام في قلبي، أجيب: أبدأ أولًا بعلاقتي مع الله، مع الرب، بالصمت والتأمل، أو بما يشبه ذلك. فهناك ضجيج الحرب، لكنني أحاول تخصيص ساعة من الصمت والتأمل، ثم أتابع بالصلوات الليتورجية. نحاول أن نعيش زمن الميلاد بأفضل طريقة ممكنة. فالحياة الروحية وحدها هي التي تمنحنا السلام الحقيقي في قلوبنا، وبهذا السلام نحاول أن نزرع السلام وننشره من حولنا بين الجميع.
أشكر فرسان وسيدات جمعية القبر المقدس في القدس، وفي كل مكان، على صلواتهم ودعمهم. ونرجو منكم الاستمرار في دعمنا بصلواتكم، ومساندتنا معنويًا من أجل السلام والعدل. كما نرجو منكم مواصلة دعم البطريركية اللاتينية، لكي نستمر في بذل أفضل ما لدينا لمجد الله وخير كل إنسان.