موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
بمناسبة عيد الحبل بلا دنس بالطوباوية مريم العذراء، أُقيم عند الساعة الرابعة من بعد ظهر الاثنين، في أجواء يغمُرها الفرح الروحي والإيمان حفلُ تكريمٍ مهيب للعذراء مريم، سيّدة الحبل بها بلا دنس، في ساحة إسبانيا بقلب العاصمة روما، بحضور قداسة البابا لاوُن الرابع عشر وذلك جرياً على التقليد السنوي العريق الذي يجمع المؤمنين حول أمّهم السماوية في هذا اليوم المبارك.
وقبيل وصول الأب الأقدس، ارتفعت الصلوات إلى السماء بتلاوة صلاة مسبحة الوردية، وتعالت الأصوات بترانيم مريميّة تقليدية، عبّرت عن محبة الشعب المؤمن وارتباطه العميق بالعذراء الطاهرة، التي تبقى دائماً علامة رجاء وطاعة لمشيئة الله.
بعد الاستقبال، استهلّ قداسة البابا الصلاة برسم إشارة الصليب، ثم تلا الصلاة الافتتاحية، واضعاً الجماعة جمعاء تحت حماية العذراء الوالدية. بعدها، تقدّم الأب الأقدس ورفع إكليلًا من الزهور إلى سيّدة الحبل بلا دنس "عربونَ محبةٍ وإجلال"، تعبيراً عن تكريس الكنيسة جمعاء لقلب مريم الطاهر، وثقةً بشفاعتها الوالدية. ويعود هذا التقليد العريق إلى البابا بيوس الثاني عشر، الذي دشنه بإرسال الزهور إلى تمثال العذراء، ثم واظب على إحيائه خلفاؤه من بعده: القديس يوحنا الثالث والعشرون، والقديس بولس السادس، والقديس يوحنا بولس الثاني، والبابا بندكتس السادس عشر، والبابا فرنسيس، لتبقى هذه اللفتة رمزاً حيّاً لاستمرارية الإيمان وتسليم الكنيسة ذاتها للعذراء مريم.
وقد بلغت اللحظة ذروتها الروحية في الصلاة التي رفعها قداسة البابا إلى العذراء مريم، صلاةً نابضة بالثقة والاتكال، حمل فيها هموم البشر، وآلام العالم، وآمال الشعوب، وصرخات المتألمين، مودعاً إياها في قلب الأم التي لا تكلّ عن الشفاعة أمام عرش ابنها.
قال الأب الأقدس:
السَّلامُ عليكِ يا مريم! اِفْرَحِي، يا ممتلئةً نِعمةً، تلكَ النِّعمةُ التي، كَنُورٍ رَقيقٍ، تُشرِقُ بضِيائها على الذينَ يَتجلَّى فيهم حُضُورُ اللهِ. لقد غمَرَكِ السِّرُّ مُنذُ البَدءِ، ومِن رَحِمِ أُمِّكِ بَدأَ يصنع فيكِ عَظائِمَ، سُرعانَ ما طَلَبَتْ مُوافقتَكِ، تلكَ "النَّعَم" التي ألهَمَت الكثيرين لكي يقولوا "نعم" أيضاً.
أيتها البريئة من دنس الخطيئة الأصليّة، يا أُمَّ الشَّعبِ الأمين، شَفَافيتُكِ تُضيءُ رُوما بِنورٍ أَبديٍّ، ومَسيرتُكِ تُعطِّرُ شَوارِعَها أَكثرَ من الزُّهورِ التي نُقدِّمُها لَكِ اليومَ. لقد اجتازَ العديدُ من الحُجَّاجِ من العالَمِ أَجمعَ، يا أيتها الطاهرةً، شَوارِعَ هذهِ المَدينةِ على مَرِّ التَّاريخِ وفي عامِ اليوبيلِ هذا. بَشريَّةٌ مُتألِّمةٌ، مَسحُوقةٌ أَحياناً، مُتواضِعةٌ كالتُّرابِ الذي صَنَعَها اللهُ مِنهُ والذي لا يَكُفُّ يَنفُخ فيهِ روحَهُ الذي يعطي الحياةَ.
انظري، يا مريم، إلى العديد من الأبناءِ والبَناتِ الذينَ لم يَنطفِئْ فيهمُ الرَّجاءُ: لِتُزهِرْ فيهم البُذورُ التي زَرَعَها ابنُكِ، هُوَ، الكَلِمةُ الحَيَّةُ التي تَطلُبُ أن تَنْمُوَ في كُلِّ واحدٍ مِنّا، وأن تَتخذ جَسداً، ووَجهاً، وصَوتاً. لِيُزهِرِ الرَّجاءُ اليوبيليُّ في رُوما وفي كُلِّ زاويةٍ من زَوايا الأرضِ، رَجاءُ العالَمِ الجَديدِ الذي يُعِدُّهُ اللهُ والذي أَنتِ، أيتها العذراءُ، زَهْرَتُهُ وفَجْرُهُ. بعدَ الأبوابِ المُقدَّسةِ، لِتُفتَحْ الآنَ أَبوابٌ أُخرى لِبيوتٍ وواحاتِ سَلامٍ تَزدهِرُ فيها الكَرامةُ مُجدَّداً، ويُربَّى فيها على اللاعُنفِ، ويُتعلَّمُ فَنُّ المُصالحةِ.
لِيَأْتِ مَلَكوتُ اللهِ، تلك الحداثة التي طالَما رَجَوْتِهِا وفَتَحْتِ لَها نَفْسَكِ كُلَّها، كطِفلة، وشابَّة، وأُمٍّ للكنيسةِ الناشِئةِ. أَلهِمي رُؤىً جَديدةً للكنيسةِ التي تسير في رُوما وللكنائسِ الخاصَّةِ التي تَحتَضِنُ في كُلِّ سِياقٍ أَفراحَ وآمالَ وأَحزانَ وهُمومَ مُعاصِرِينا، والفُقراءِ على وَجهِ الخُصوصِ، وجميع الذينَ يتألّمون. لتولِّد المَعموديَّةُ رجالاً ونساءً قِدّيسينَ وطاهِرينَ، مَدعُوِّينَ لِيُصبِحوا أَعضاءً حيَّةً في جَسَدِ المسيحِ، جَسَدٍ يَعمَلُ ويُعزِّي ويُصالِحُ ويُحوِّلُ المَدينةَ الأَرضيَّةَ التي تُعَدُّ فيها مَدينةُ اللهِ. تَشفَّعي فينا، فيما نُواجهُ تَغيُّراتٍ تَبدُو وكأنَّها تَجدُنا غَيرَ مُستعدِّينَ وعاجِزينَ. أَلهِمي أَحلاماً ورُؤىً وشَجاعة، أَنتِ التي تَعلَمينَ أَكثرَ من أَيِّ شَخصٍ آخَرَ أَنَّهُ لا شَيءَ مُستَحيلٌ عند اللهِ، وأنَّ اللهَ لا يَفعلُ شَيئاً وَحدَهُ.
ضَعِينا على الطَّريقِ، بِتلكَ السُّرعةِ التي حَرَّكَتْ خُطواتَكِ يوماً نحوَ نسيبتك أَليصابات، وبذلكَ الارتِعاشِ الذي جَعَلَكِ تَصيرينَ مُشرَّدةً وحاجَّةً، لكي ِتَكوني مُبارَكةً، نَعَم، ولكنْ بينَ النِّساءِ كُلِّهِنَّ، أُولى تَلاميذِ ابنِكِ، وأُمَّ الله مَعَنا. ساعِدينا لِنَكونَ دائماً كنيسةً مَعَ النَّاسِ وبينَهُمْ، خَميرة في عَجينِ بَشريَّةٍ تَستَغيثُ طالِبةً العَدالَة والرَّجاءَ. أيتها البريئة من دنس الخطيئة الأصليّة، يا امرأةَ الجَمالِ اللَّامُتناهي، اِعتَنِي بهذهِ المَدينةِ، وبهذهِ البَشريَّةِ. أَرشِديها إلى يَسوعَ، قُودِيها إلى يَسوعَ، قَدِّميها إلى يَسوعَ، أيتها الأم يا ملكة السلام صلي من أجلنا.
وفي الختام، رتل المرتلون مع الجمع الحاضر "طلبة الطوباوية مريم العذراء"، في مشهد إيمان مؤثّر، اختلطت فيه الأصوات بالقلوب، واختُتم حفل التكريم بالبركة الرسولية والاحتفالية التي منحها قداسة البابا لجميع الحاضرين، حاملاً إليهم عربون سلام، وتعزية، وتجديد رجاء في رحمة الله بشفاعة أمّه مريم العذراء الطاهرة.