موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٤ يونيو / حزيران ٢٠٢٥
رسالة البطريرك المسكوني بمناسبة مرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية
القداس الإلهي البطريركي والمجمعي بمناسبة ذكرى المجمع المسكوني الأول، 1 حزيران 2025

القداس الإلهي البطريركي والمجمعي بمناسبة ذكرى المجمع المسكوني الأول، 1 حزيران 2025

أبونا :

 

بالتزامن مع احتفال الكنيسة الأرثوذكسيّة بعيد القديسين آباء المجمع، الأحد 1 حزيران، أصدر بطريرك القسطنطينية المسكوني برثلماوس رسالة سلّط فيها الضوء على أهميّة تمجيد ذكرى مرور 1700 سنة على انعقاد المجمع المسكوني الأوّل في نيقية.

 

 

⮜ أهميّة المجمع

 

في مستهل رسالته، تطرّق البطريرك إلى أهميّة مجمع نيقية، وقال بأنّه "يُجسّد الطابع المجمعي للكنيسة، ويُتوّج ’مجمعيتها الأولى‘، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتحقّق الإفخارستي في حياة الكنيسة، فضلاً عن الممارسة المتمثلة في الاجتماع معًا لاتخاذ قرارات ’باتفاق مشترك‘ (أعمال الرسل 2: 1) بشأن القضايا الجاريّة".

 

ولفت غبطته إلى أنّه ومع انعقاد مجمع نيقية فإنّه بذلك يُشير إلى "ظهور هيكل مجمعي جديد، ألا وهو المجامع المسكونيّة التي ستثُبت أهميتها في تطوير شؤون الكنيسة. مع الإشارة إلى أنّ المجمع المسكوني لا يُشكّل ’مؤسّسة دائمة‘ في حياة الكنيسة، بل ’حدثًا استثنائيًّا‘ استجابة لتهديد مُحدّد للإيمان، بهدف استعادة الوحدة المتصدعة والشركة الإفخارستية".

 

كما تطرّق البطريرك إلى حقيقة بأنّ "انعقاد مجمع نيقية بدعوة من الإمبراطور، وحضور قسطنطين الكبير مداولاته واحتضان قراراته كقانون إمبراطوري، لا تجعله ’مجمعًا إمبراطوريًا‘. إنما كان بلا شك ’حدثًا كنسيًّا‘ حيث قرّرت الكنيسة، وبإلهامٍ من الروح القدس، شؤونها الداخلية، بينما نفذ الإمبراطور مبدأ ’أعطوا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله‘ (متى 22: 21)".

 

 

⮜ اعتراف إيمان

 

"في مواجة بدعة آيروس صاغت الكنيسة في مجمع نيقية جوهر إيمانها الذي يُعاش بدون انقطاع. إنّ الابن وكلمة الله الأزلي، "المساوي للآب في الجوهر... إله حق من إله حق"، وبتجسده، يُخلّص البشريّة من عبودية العدو، ويفتح لنا طريق التألّه بالنعمة. "صار إنسانًا لنصير نحن آلهة".

 

و"يُعلن قانون نيقية عن القناعة الراسخة بأنّ الانحراف الهرطوقي المستمرّ يُشكّل إنكارًا لإمكانية الخلاص البشري. وبهذا المعنى، فهو ليس إعلان نظري، بل اعتراف إيمان، تمامًا مثل جميع نصوص الكنيسة العقائديّة، وتعبيرًا أصيلاً عن الحقيقة الحيّة في داخله ومن خلاله".

 

 

⮜ "نؤمن.."

 

وأشار إلى الأهميّة اللاهوتيّة الأساسيّة في كلمة "نؤمن"، وفيها تأكيد على الوديعة الرسوليّة التي تحتفظ بها الكنائس المحليّة. ولفت إلى أنّ أثناسيوس الكبير ذكر أنّ آباء المجمع و"في مسائل الإيمان، لا يكتبون: ’لقد بد لنا..‘، بل: ’هذا ما تؤمن به الكنيسة الكاثوليكيّة؛ وقد اعترفوا فورًا بما يؤمنون به، ليُظهروا أنّه لم يُكتشف شيء جديد بما كتبوه، بل أنّ تفكيرهم رسوليّ، تمامًا كما علّم الرسل".

 

وقال كان قناعة الآباء أنّه "لم يُضف شيء إلى إيمان الرسل، وأن قانون نيقية المسكوني الحقيقي يتضمّن إعلانًا لتقاليد الكنيسة الكاثوليكية المشترَك. وقد اعتمد آباء المجمع، الذين تكرّمهم الكنيسة الأرثوذكسيّة وتُشيد بهم بصفتهم ’حماة أصيلين للتقاليد الرسوليّة‘، مصطلح "الجوهر" الفلسفي (من جوهر واحد) للتعبير عن الإيمان الأرثوذكسي بألوهيّة الكلمة، التي أنكرها آريوس".

 

 

⮜ متى وكيف نحتفل بعيد الفصح؟

 

وأشار إلى أنّ "ومن المسائل الحيويّة الأخرى التي دُعي مجمع نيقية لحلّها من أجل تعزيز الوحدة الكنسيّة في الممارسة الليتورجيّة، مسألة "متى وكيف نحتفل بعيد الفصح". وقال: "لقدج أعادت الذكرى السنويّة الـ1700 لانعقاد هذا المجمع إحياءً لأهميّة الاحتفال المشترك بقيامة الرّب. وتدعو كنيسة المسيح المقدّسة العظيمة أن يعود المسيحيون في جميع أنحاء العالم، وفقًا لقرارات مجمع نيقية، إلى الاحتفال بعيد الفصح في يوم مشترك، كما لو كان ذلك صدفة مباركة هذا العام".

 

إنّ اتخاذ مثل هذا القرار -يكتب البطريرك برثلماوس- "سيشكّل دليلًا ورمزًا على التقدّم الحقيقي في النضال من أجل عيشنا المسكوني وفهمنا المتبادل من خلال الحوار اللاهوتي و’حوار الحياة‘، وشهادة ملموسة على احترامنا العمليّ لما ورثناه من الكنيسة غير المنقسمة. كان تحقيق هذا الهدف، في سياق ذكرى هذا العام، ثمرة الرؤية المشتركة للبابا الراحل فرنسيس، بابا روما، وتواضعنا. إنّ رحيله حدثت مباشرة بعد أن احتفلت المسيحية جمعاء بعيد الفصح، يؤكد مسؤوليتنا في مواصلة هذا النهج دون تردّد".

 

 

⮜ أبعاد خلاصية ودلالات أنثروبولوجية

 

وأوضّح بأنّ مجمع نيقية "يُشكّل حدثًا بارزًا في تشكيل الهويّة العقائديّة والهيكل القانوني للكنيسة. وقد ظلّ نموذجًا يُحتذى في معالجة قضايا الإيمان والنظام القانوني على الصعيد المسكوني. إنّ الذكرى السنويّة الـ1700 على انعقاد المجمع، تذكّر المسيحيّة بتقاليد الكنيسة القديمة، وقيمة النضال المشترك ضد المفاهيم الخاطئة عن الإيمان المسيحي، وبالرسالة الموكلة إلى المؤمنين في الإسهام في تكثير ’الثمار الصالحة‘ للحياة في المسيح، بحسب المسيح، وموجّهة نحو المسيح في العالم".

 

وقال: "نحن مدعوون اليوم لتسليط الضوء على الرسالة الخالدة للمجمع المسكوني الأوّل في نيقية، والأبعاد الخلاصية والدلالات الأنثروبولوجية لمصطلح "هومو-أوسيوس" (المساوي في الجوهر)، والرابط الوثيق بين الكريستولوجيا والأنثروبولوجيا في عصر يسوده الارتباك الأنثروبولوجي، وبجهود مكثّفة لتسليط الضوء على مفهوم "ما بعد الإنسان" كأفق مفتوح ونظرة مؤلِّهة لتطوّر الإنسان، بمساهمة العلم والتكنولوجيا".

 

وشدّد البطريرك المسكوني على أنّ مبدأ "الواقع الإلهي-الإنساني، يشكّل الحلّ لمشكلة الرؤية المعاصرة لـ"الإنسان-الإله". لذلك، فإنّ الإشارة إلى ’روح نيقية‘ تقدّم لنا دعوة للالتفات إلى الجوانب الجوهريّة لإيماننا، والتي يُشكّل خلاص البشريّة في المسيح جوهرها".

 

وخلص مشيرًا إلى أنّ مهمة اللاهوت تكمن في "كشف البُعد الخلاصي للعقيدة وتفسيرها بأبعاد وجوديّة، وهذا يتطلّب، إلى جانب المشاركة في الحدث الكنسي، حساسيّةً واهتمامًا صادقًا بالإنسان ومغامرة حريته. وبهذا المعنى، يجب أن يقترن إعلان إيماننا بالكلمة الإلهيّة المتجسّد، بجوابٍ ملموس على كلمته الخلاصيّة: "وصيتي هي: أحبُّوا بعضكم بعضًا كما أحببتُكم" (يوحنا 15: 12)".