موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ٢٣ أغسطس / آب ٢٠٢٥
المونسنيور خالد عكشة: دعونا ننظر معًا إلى المستقبل بإيمان وأمل
فيما يلي المداخلة التي ألقاها المونسنيور خالد عكشة، أمين السر السابق للجنة العلاقات الدينية مع المسلمين في دائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان، خلال الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة مرور أربعين عامًا على تأسيس مركز الدراسات والحوار المسيحي-الإسلامي التابع لمجلس أساقفة ألمانيا (CIBEDO). وأقيمت الاحتفالية في الأكاديمية الكاثوليكية في برلين، يوم الجمعة 19 تشرين الأول 2018.

المونسنيور خالد عكشة :

 

دولة السيد فرانك-فالتر شتاينماير،

نيافة الكاردينال راينهارد ماركس،

صاحب السيادة رئيس الأساقفة نيكولا إيتروفيتش،

 

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

 

أنا على يقين من أنه لو كان الكاردينال جان-لويس توران لا يزال على قيد الحياة، لكان اليوم بينكم! إننا نكرّم ذكراه كرجل إيمان وحوار، ونصلي من أجل راحة نفسه. يسعدني أن أكون معكم ممثلاً عن المجلس البابوي للحوار بين الأديان، وأن أحمل إليكم تحيات وتمنيات أمينه، المطران ميغيل أيوسو، وجميع العاملين في المجلس.

 

معكم جميعًا أشكر الله لتمكينه كل مَن عملوا وما زالوا يعملون في CIBEDO (سيبيدو) مِن أداء الرسالة التي وكلت إليهم. أود في هذه الملاحظات الوجيزة أن أقدّم بعض الأفكار حول الماضي والحاضر المتعلقين بالحوار، دون أن أغفل المستقبل طبعًا.

 

قبل أربعين عامًا كان العمال المسلمون في ألمانيا بحاجة إلى المساعدة كوافدين جدد وكمؤمنين، لتلبية احتياجاتهم المدنية والقانونية والروحية. كان هناك أشخاص يختارون أن يتوقفوا ويقدموا المساعدة ويعبّروا عن استعدادهم لمواصلة الرعاية بدافع الرحمة التي تحلّى بها السامري الصالح في الإنجيل. كان هذا هو خيار مرسلي أفريقيا - الآباء البيض، المعروفين باهتمامهم بأفريقيا وسكانها متعددي الأعراق والأديان والثقافات. لهذا فإنهم يستحقون تقديرنا وامتناننا.

 

إنّ "تبني" مجلس أساقفة ألمانيا لـCIBEDO كان تعبيرًا عن حكمة رعوية واهتمام بما أسماه القديس البابا يوحنا الثالث والعشرون "علامات الأزمنة". إنّ الله، الذي كلّم البشرية في الماضي من خلال رعايته المُحبّة، يستمر في الكلام إليها، ليس من خلال وحي جديد، بل من خلال أحداث حياتنا كأشخاص ومجتمعات وعائلة بشرية.

 

كما أنّ وجود المركز في فرانكفورت هو قرار آخر حكيم للاستجابة للأوضاع والاحتياجات الجديدة. حقيقة الوجود بالقرب من كلية لاهوتية تتيح المزيد من الفرص للدراسة، بالاعتماد على معرفة الأساتذة للإسلام وللعلاقات المسيحية-الإسلامية ولاهوت الأديان. إنّ وجود الأب كريستيان ترول، كمستشار للمركز، والذي أود أن أحييه، هو خير مثال على هذه الفرص.

 

من ناحية أخرى، فإنّ الدراسة والتأمل والصلاة والتشاور و"الحوار الداخلي" هي شروط ضرورية لـ"حوار خارجي" حقيقي قادر على أن يؤتي ثماره. ونحن، في المجلس البابوي للحوار بين الأديان، نواصل التأكيد أنّ الحوار لا يمكن أن يكون مرتجلاً.

 

كل ما تم إنجازه في المركز ومن خلاله كان تحت شعار "بالحكمة والمحبة"، وهما "ساقان" ضروريتان ليمضي الحوار قُدمًا ويحقق أهدافه. الحكمة والمحبة أشبه بعينين تسمحان بالرؤية الصحيحة. تؤكد آخر وثيقة صادرة عن المجلس البابوي للحوار بين الأديان الحوار في الحقيقة والمحبة. توجيهات رعوية للحوار بين الأديان (الدار الفاتيكانية للنشر، 2014)، على ضرورة التوفيق بين هذين الموقفين. وكما تعلمون، فإننا مدينون لفكر القديس بولس في رسالته إلى أهل أفسس بهذا الثنائي، عندما يوصي بالعيش بالحق وفي المحبة لكي ننمو تمامًا في المسيح (راجع أفسس 4، 15). وقد عنون البابا بندكتس السادس عشر رسالته العامة المحبة في الحقيقة. حول التنمية البشرية المتكاملة في المحبة والحقيقة (29 تموز 2009) مستوحيا تعليم القديس بولس. يوصي جوزيف راتزينغر بأن ُتعاش المحبة في الحقيقة.

 

إنّ تولّي العلمانيين مسؤولية CIBEDO، أكثر من كونه ناتجًا عن نقص الكهنة والرهبان والراهبات، هو تعبير عن رغبة الكنيسة في ألمانيا وفي أماكن أخرى أيضًا في إعطاء العلمانيين الدور الذي يستحقونه في حياة الكنيسة ورسالتها. اسمحوا لي أن أحيي مدير المركز وجميع الموظفين العاملين فيه.

 

يحتاج المستقبل، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إلى "نبوءة"، إلى رؤية. الرؤية تستبعد قصر النظر، واليوتوبيا، والبؤس، والتشاؤم، ورفض الإبصار إلى الواقع. صاحب الرؤية لا يقتصر على الأعراض، بل يذهب إلى الأسباب. الرؤية تتطلب الإيمان، والأمل، ونظرة شمولية، وآفاقًا واسعة. من بين أمراض عالمنا الحاضر بالتأكيد نقصٌ في أصحاب الرؤى وفي الأنبياء، ومن هنا حاجتنا الماسة إليهم.

 

المسلمون في ألمانيا، وفي أوروبا والغرب، لا سيما المواطنون القدامى والجدد، جنبًا إلى جنب مع إخوانهم في الدين من المهاجرين أو اللاجئين، هم إخوة وأخوات لنا في الإنسانية وفي الإيمان بالله الواحد الأحد. صحيح أننا ننظر إلى الله تبارك وتعالى، وبالتالي نتعامل معه، بشكل مختلف: "أبانا الذي في السماوات" يعبّر بأفضل شكل عن الإيمان المسيحي بالله. "الإسلام"، ربما أكثر من أن يُترجم على أنه "خضوع"، من الأفضل أن يُفهم على أنه وضع المرء نفسه بين يدي الله.

 

لا يسمح لي ضيق الوقت بقول الكثير. ومع ذلك، اسمحوا لي ببضع كلمات إضافية: لمواجهة التحدي، الذي ليس بالضرورة سلبيًا، المتمثل في وجود المسلمين في أوروبا، ومنهم من أصبحوا "مسلمين أوروبيين"، هناك حاجة ملحّة للمحبة والاحترام المتبادل والحكمة والانفتاح والاستماع بعضنا للآخر، والطاعة للقوانين العادلة للدول، والحوار الحقيقي بين المسيحيين والمسلمين، ومع الحكومات والسلطات المدنية والمؤسسات.

 

دعونا ننظر معًا إلى المستقبل بإيمان وأمل، ونعمل سويًا من أجل عالم يسوده السلام، عالم يحترم كرامة الكل وحقوقهم، ولا سيما الحرية الدينية، ويهتم بالصالح العام وبـ"بيتنا المشترك"، وفقًا للبابا فرنسيس.

 

بارك الله سيبيدو! بارك الله ألمانيا!