موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
الكنيسة الكاثوليكية في جيبوتي: صغيرة في عددها، كبيرة في رسالتها وشهادتها
المطران جمال دعيبس، أسقف جيبوتي

المطران جمال دعيبس، أسقف جيبوتي

المطران جمال دعيبس :

 

منذ وصولي إلى جيبوتي، يسألني أصدقائي: «كم عدد المسيحيين في جيبوتي؟» صحيح أن عدد المسيحيين في جيبوتي ليس كبيرًا، وعدد الرعايا محدود. لكن هل يعني ذلك أن كنيستنا "صغيرة"؟ لنتذكر أن عدد المؤمنين كان أقل في يوم العنصرة، وأن الكنيسة الجامعة بدأت باثني عشر شخصًا فقط!

 

تتمتع الجماعة الكاثوليكية في جيبوتي بغنى فريد. تنوع الأصول واللغات والثقافات هو ثروة حقيقية. فالمؤمنون في هذه الكنيسة ينحدرون من أكثر من عشرين جنسية مختلفة، يأتون للعمل أو الإقامة، أو كلاجئين. نرى في هذا التنوع صورة للكنيسة الأولى. ففي يوم العنصرة، كان هناك خمسة عشر جنسية مختلفة، ومع حضور الروح القدس، يصبح هذا التنوع عنصرًا أساسيًا في وحدة الكنيسة. تنوعنا هو قوتنا عندما تلتف الجماعة حول المسيح.

 

للكنيسة رسالة، ورسالة كنيسة جيبوتي متعددة الأبعاد. التعليم هو امتداد لرسالة يسوع الذي «بدأ يعلّم الجموع» (لوقا 5:1). للمدارس الكاثوليكية تقليد طويل في تكوين الإنسان تكوينًا متكاملًا. التربية على التعايش، وعلى كرامة الإنسان، وحقوق الإنسان، والحوار. فالقيم الإنسانية والمسيحية هي أساس النظام التعليمي الكاثوليكي. عدد المدارس الكاثوليكية في جيبوتي هو عشرة مدارس، بين مدارس ابتدائية او ثانوية، مراكز لمحو الامية والمدارس المهنية. تعرف هذه المدارس بجودة التعليم، وانها تقبل الجميع، خاصة الفقراء ومن لا يجدون فرصة للتعليم. وفي هذه المدارس قسم خاص بذوي الاحتياجات الخاصة. فالكنيسة تسعى الى الا نتخلى عن احد، بل نفتح الأبواب للجميع. ان وجود اكثر من ثلاثة آلاف طالب في بلد لا يتجاوز عدد سكانه المليون، يتجاوز كثيرا "نسبة" المسيحيين في جيبوتي. واذا كانت وزارة التربية والتعليم تبذل جهودا كبيرة في مجال التعليم منذ الاستقلال عام 1977، فان الكنيسة تقوم بهذه الرسالة السامية منذ عام 1885، لفتح آفاق جديدة امام أبناء هذا البلد.

 

أما كاريتاس جيبوتي، فهي الذراع الإنساني للكنيسة. تفتح أبوابها يوميا لاكثر من مائة من المهاجرين القاصرين، والذين لا مأوى لهم. وتقدم كاريتاس الخدمات الأساسية من علاج وأكل وتعليم وترفيه. والاهم من كل ذلك، فأن مركز كاريتاس هو مساحة من الأمان والرعاية المتكاملة لمن يحتاجونها. رسالة الكنيسة من خلال كاريتاس تجسد المبدأ المسيحي في تفضيل الفقراء. لان الخدمة المجانية ومساعدة المتألمين هي في صميم رسالة الكنيسة.

 

الكنيسة لا تُقاس بعدد المؤمنين، بل برسالتها. السؤال الحقيقي ليس «كم عدد المسيحيين؟»، بل «ماذا يفعل المسيحيون في جيبوتي؟». الإجابة على هذا السؤال هي التي تحدد ما إذا كانت كنيستنا صغيرة أم عظيمة!

 

وأخيرًا، فكل ذلك ليس بفضل منا؛ فما نحن الا «عبيد بطالون، لم نفعل إلا ما كان يجب علينا فعله» (لوقا 17، 10)، بل هي نعمة الله التي ترشدنا وتعطينا القوة لفعل مشيئته، وبفضل أصدقاء يدعمون عملنا ورسالتنا.

 

نعم، عدد المؤمنين محدود في كنيسة جيبوتي، لكنها عظيمة بنعمة الله وبفضل رسالتها.