موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
نيافة الكاردينال بيترو بارولين،
نيافة الكاردينال كريستوبال لوبيز روميرو،
سعادة السيدة رجائي ناجي المكاوي،
معالي السيد أندري أزولاي،
سعادة البروفيسور عبدالله وزيتان،
أصحاب السعادة السيدات والسادة السفراء،
الأخوات والإخوة الأعزاء،
كانت القراءة الخاطئة لعنوان هذا الحدث الذي تفضلت السيدة المكاوي، سفيرة المملكة الغربية لدى الكرسي الرسولي بدعوتي إليه، هي: "ولادة مشتركة وحوار مستمر بين المملكة المغربية والكرسي الرسولي".
ومع ذلك، يمكنني أن أقول، على الأقل إلى درجة معينة: "يا للخطأ السعيد!"، لأنّ أي حوار حقيقي يجلب معرفة متبادلة أفضل، وتقديرًا أكبر لمحاورِنا، ورحلة مشتركة على طريق الحقيقة والمحبة، ورؤية جديدة عن الآخر والقيم الدينية والروحية والأخلاقية التي تسكنه. لذلك هناك معرفة مشتركة تجلب معها المفاجأة والجدة والاكتشاف، والتي تشمل جوانب "ولادة مشتركة".
لا أنوي أن أغطي في هذا المداخلة التاريخ الثري للعلاقات بين الكرسي الرسولي والمغرب، لكني أنوي الإسهاب في الحديث عن الأحداث ذات الأهمية الخاصة في هذه العلاقات. ومع ذلك، عندما نتحدث عن الأحداث، فإننا نتحدث بشكل أساس عن الأشخاص الذين كانوا "أبطال" هذه الأحداث.
كانت زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى المغرب في 19 آب/أغسطس 1985 زيارة متميزة على عدة مستويات، وبالتالي فهي تستحق بالفعل أن توصَف بأنها "تاريخية". لقد كانت أول زيارة لحبر أعظم إلى المملكة المغربية. كان عام 1985 عام الشباب، وكانت النية المحددة للملك الراحل الحسن الثاني هي دعوة البابا لمخاطبة شباب المغرب بهذه المناسبة كَ "مربٍ". إنّ هذه اللفتة النبيلة والشجاعة للملك تستحق إعجابنا وامتناننا. أما بالنسبة للخطاب الذي وجهه يوحنا بولس الثاني إلى الشباب المغربي، فأعتقد أنه الخطاب الأشمل والأعمق الذي وجهه بابا للمسلمين. علاوة على ذلك، فهي شهادة تنبثق من قلب مؤمن مصدَّق، هو في الوقت نفسه الراعي الأعلى لجماعة دينية وصديق للشباب ومربٍ راقٍ.
ينبع من كلمات البابا سلام عظيم هو ثمرة إيمان عميق لا يحتاج إلى التباهي أو الصراخ أو المبالغة في الحركات أو إظهار حماسة زائفة يجد فيها النفاق مسكنًا بسهولة. الله لا يصرخ علينا بل يكلمنا. وينطبق الشيء نفسه على شهوده الحقيقيين، سواء كانوا مؤمنين أم لا، لأنّ الإيمان يمكن العثور عليه عند آخرين وبشكل مختلف.
اسمحوا لي، أيها الأصدقاء الأعزاء، أن أقتبس الفقرة التي أعتبرها أساسية ليس فقط في الخطاب، ولكن كذلك بالنسبة للحوار اللاهوتي بين المسيحيين والمسلمين: " إنّ الصدق يتطلب أيضًا أن نعترف باختلافاتنا ونحترمها. من الواضح أنّ الاختلاف الأكثر عمقًا بيننا هو الطريقة التي ننظر بها إلى شخص يسوع الناصري ورسالته. تعلمون أنه بالنسبة للمسيحيين، يجعلهم يسوع يدخلون في معرفة عميقة لسر الله وفي شركة بنوية مع نعمه، معترفين به ومعلنين إياه ربًا ومخلصًا. هذه اختلافات مهمة يمكننا قبولها بتواضع واحترام وفي تسامح متبادل. هناك سر سوف ينيرنا الله في شأنه يومًا ما. أنا متأكد من هذا الأمر".
الحدث الثاني الذي أود أن أتناوله، والذي حظيت بالمشاركة فيه، هو التوقيع على اتفاقية إنشاء "اللجنة المشتركة للمجلس البابوي للحوار بين الأديان والرابطة المحمدية للعلماء"، الذي جرى في الرباط في 3 أيار/مايو 2017.
كان الموقّع نيابة عن المجلس الكاردينال الراحل جان-لويس توران، وهو صديق كبير للمغرب. قام نيافته بزيارة المملكة عندما كان وزير العلاقات مع الدول في حاضرة الفاتيكان، وقد حظي بلقاء الملك الراحل الحسن الثاني بهذه المناسبة. حدثني الكاردينال أكثر من مرة عن تفاصيل هذا الاجتماع. الأمر الأول أنه أُعجب بألمعية الملك وثقافته الواسعة وبالحديث الذي دار بينهما حول إنجيل لوقا، لا سيما فيما يتعلق ببشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء. الأمر الثاني يرتبط بعودته إلى روما. ردًا على سؤال جلالته عن متى وكيف كان عائداً إلى روما، رد المونسنيور بأنه كان عليه أن يسافر في فترة ما بعد الظهر على متن رحلة عادية. تدخل الملك قائلا بأنه لا يقبل ذلك، وأنه سوف يضع طائرته الخاصة تحت تصرف ضيفه. وهذا ما تم بالفعل.
تمّ التوقيع على الوثيقة في إطار ندوة نظمتها أكاديمية المملكة المغربية والمجلس البابوي للحوار بين الأديان، بعنوان: "مؤمنون ومواطنون في عالم متغير". كانت هذه الثنائية -المؤمن والمواطن- غالية على الكاردينال توران، الذي كان يرفض بشكل قاطع الاختيار بين إحدى الهويتين.
تتطلب عادة عملية توقيع وثيقة مثل تلك التي كنا نتعامل معها طاقة ووقتًا. ومع ذلك، سار كل شيء بسلاسة وسرعة، لأنّ الثقة المشتركة والمحبة المتبادلة تجعل من الممكن التغلب على العقبات وتجاوز الإجراءات غير الضرورية والمعطلة. كان الكاردينال توران حينها مريضا ومرهقا بالفعل. أحاطه أصدقاؤنا المغاربة، الأثرياء بإنسانيتهم، بمودة وعلامات اهتمام عديدة، وأعطوا، بدون كلمات، درسًا ذا أهمية قصوى: أولية الحس الإنساني كنقطة انطلاق، ولكن أيضًا كمحطة وصول لكل حوار حقيقي.
تُعتبر زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب يومي 30 و31 آذار/مارس 2019 بلا شك حدثًا رئيسًا في علاقات الثقة المتبادلة والتعاون بين الكرسي الرسولي والمملكة المغربية. إنه حدث ذو أهمية كبيرة وثراء خاص. يكفي للاقتناع بهذا الأمر تصفح برنامج الزيارة، الذي يوضح اختيارات قداسته وأولوياته: الاجتماع مع الملك محمد السادس ونداؤهما المشترك بشأن القدس؛ لقاء مع الشعب المغربي والسلطات والمجتمع المدني؛ زيارة معهد محمد السادس لتدريب الأئمة والوعّاظ والواعظات؛ لقاء مع المهاجرين، زيارة خاصة إلى مركز الخدمات الريفية في تمارة، وبالطبع لقاء الكنيسة المحلية بكهنتها ورهبانها ومكرَّسيها، دون أن ننسى أعضاء الكنائس والجماعات الكنسية الأخرى، من خلال الاجتماع مع مجلس الكنائس العالمي.
يشكّل تعيين البابا فرنسيس رئيس أساقفة الرباط ، المونسنيور كريستوبال لوبيز روميرو، كاردينالا في 5 تشرين الأول/أكتوبر 2019 حدثًا كبيرا، أيضًا على مستوى العلاقات بين الكرسي الرسولي والمغرب. إذا كان صحيحًا أن البابا لديه خيار تفضيلي ملحوظ لـ "ضواحي" العالم، خاصة من وجهة النظر الكنسية، فإنّ سعادة السيدة المكاوي تعتبر هذا التعيين بادرة اهتمام ومودة تجاه المغرب ككل.
كيف أنهي هذا المداخلة دون ذكر الأصدقاء المغاربة الذين تربطني بهم صداقة عميقة وحوار مفتوح ومثرٍ: الدكتور أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الدكتور عبد الجليل الحجمري، الأمين العام الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، السيدة عائشة حدو، مديرة مركز أبحاث الحوار بين الأديان والسلام، الدكتور عبدالله رضوان، الأمين العام للمسجد الكبير في روما، وبالطبع الصديقة النبيلة والعزيزة، سعادة السيدة رجائي المكاوي، على سبيل المثال لا الحصر.
إن الكلمة المشتركة والروحانية الفاعلة في خدمة الصالح العام، موضوع اجتماعنا، هي بلا شك مشروع طموح وطريق طويل للسير معًا. نشكر الله على المسافة الذي قطعناها سوية، ونلتزم بالمضي قُدمًا دائمًا على هذا الطريق، واضعين أملنا في العون الإلهي وفي الإرادة الحسنة للناس جميعًا.
أشكركم على حسن انتباهكم.