موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٥
الحكمة الالهية

أشخين ديمرجيان :

 

الحكمة بشكل عام هي معرفة ما ينبغي علينا عمله في الوقت الملائم والشكل المناسب. والحكيم هو الذي يتحلّى برجاحة العقل ويضع الأمور في نصابها. بمعنى آخر يحمل راية المنطق والاستنارة. ولا يكون في صفوف أهل الجهل لأنّ الجهل مصدر الظلمة. لكن على الانسان أن يسعى الى المعرفة في الأمور التي يجهلها. وفي الوقت ذاته يمكن أن يُخطئ الإنسان بسبب جهله لبعض الأمور ويتعلّم من أخطائه.

 

لكن تعريفنا اليوم يدور حول "الحكمة الالهيّة" التي ينبغي أن نضرع إلى الله كي يمنحنا ايّاها.  كيف لا والحكمة هذه أغلى موهبة يهبها الله للانسان بعد الايمان أي بعد مخافة الله.  لذلك نقول "رأس الحكمة مخافة الله". الحكمة الإلهيّة لا تُكتَسب بجهد بشريّ بل بوحي من الله (متّى 25:11-27).

 

يقول القدّيس بولس رسول الأمم : "إنّ حكمة هذا العالم تحوّلت إلى حماقة منذ تجاهلت الله الحي"(رو21:1-22؛ 1كو21:1)، لذلك رذل الله حكمة الفهماء ولا سيّما الوثنيين (1كور20 : 19- 20 ؛ 19:3-20)، "لأنّها حكمة دنيويّة بشريّة شيطانيّة" (يعقوب 15:3).

 

الحكمة الالهيّة تقهر"الجهل" وتنبذه. وتمنحنا بوحي من الله النور الكافي والاستنارة اللازمة لإضاءة زوايا حياتنا اليوميّة المُظلمة ، تلك الزوايا والخفايا التي تُعرقل بعتمتها وسوادها  مسيرة حياتنا المليئة بالمطبّات والعراقيل ... قبس من نور الحكمة الالهيّة يُنير عقل الانسان فيصفى ذهنه ويُطمئن قلبه ويُريح ضميره، فتصدق أقواله  وأفعاله. وتُصبح حياة المرء ايجابيّة بنّاءة فيفيض قلبه بالمحبّة لجميع الناس انطلاقا من "فِكر المسيح" الشمولي الحاضن حتّى الّذين يريدون لنا  الشرّ ، ممّا يدعم حضارة الحياة والتعاون والازدهار.

 

ومن أهمّ ثمار قبس "الحكمة الالهيّة" في الانسان التعلّم من التجارب واستخلاص العِبَر الروحانيّة، واكتساب الخبرة. عندئذٍ تتحوّل الحكمة العميقة الى أقوال وتطبيقات خالدة يتوارثها الأجيال والأمم. وحثّنا السيّد المسيح على طلب الحكمة من عل لأنّها تُبعدنا عن التهوّر والعصبيّة  وتؤهّلنا لأن نتحلّى بالعدل والشجاعة والاعتدال.

 

ولقد شبّه الحكيم الصيني كنفوشيوس "الجهل" بأنّه "ليل العقل". والجهل هو مصدر الشرّ. وأخطر أنواع الجهل أن يجهل الإنسان سبب ارتكابه الخطأ لأنه في هذه الحال سيستمرّ فيه. وقد قيل في الأمثال (الجاهل عدوّ نفسه) ولطالما أنّ الجاهل يرتكب حماقات تؤذيه وتجلب له الشرّ، فإنّه سيكون مستعدّاً للقبائح والمظالم بحقّ الآخرين.  فقط حينما يُدرك الجاهل أسباب جهله حينئذ يستطيع أن يتخلّص منه ويبدأ مسيرته نحو المعرفة. ومن ثمّ بعد أن تكتمل المعرفة اذا كان المرء مؤمناً صالحاً يبحث عن الحكمة الالهية ليستلهم منها ويستنير بكلّ اخلاص وسوف تُنير الحكمة الالهيّة ذهنه وتغيّر حياته الى الأكمل والأفضل (عن يوحنا 10: 10).

 

لقد فقد نفر من الناس الحكمة لأنّ شغلهم الشاغل هو العمل والتفكير بالأموال وما يدور حولها من أمور ماديّة أو الاهتمام بالعلوم التكنولوجيّة والاقتصاديّة والسياسيّة فقط لا غير. ناهيكم عن الملذات والمغريات الدنيوية والمطامع والمشاحنات والصراعات، ولأنّ الشعوب والأمم أصبحت تستقي أفكار وآراء الآخرين عن طريق التلفاز والحاسوب ووسائل الاعلام من غير أن تتزوّد بالمطالعة والتحليل المنطقي. مع الأسف الشديد نادراً ما يبحث المرء عن العلوم الانسانيّة ليتخصّص في احدى فروعها.

 

خاتمة

 

ما أجمل الاقتداء بالسيّد المسيح الذي كان في حياته على الأرض معلّماً للحكمة مُستخدماً أسلوب معلّمي الحكمة في العهد القديم من عِبَر وأمثال و استشهادات من الكتب المقدّسة (لوقا 4:12-5؛ متى1:5-7). وكان كلّ مَن حوله يتعجّب من حكمته التي لا نظير لها والمؤيَّدة بالمعجزات (مرقس 2:6). وما تردّدت الرسالة الاولى الى الكورنثيين  أن تصف السيد المسيح حتّى في تواضعه ومتاعبه وآلامه بـ"حكمة" الله الذي تألقت قوّته في ضعف المسيح البشري.