موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥
البطريرك ميناسيان يوجه رسالة عيد الميلاد المجيد 2025

أبونا :

 

وجه البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك رسالة ميلادية جاء فيها: إنه لسرٌّ عظيم وعجيب، كُشِف لنا اليوم"، فيلق رهيب من الملائكة نزل ليبشرنا قائلا: لقد ولد لكم مخلصًا.

 

بهذه الكلمات، أودّ أن أبدأ تأملي معكم بمناسبة عيد ميلاد المسيح المجيد.

 

في كل عام، نستذكر ميلاده مرارًا وتكرارًا، ونشجّع بعضنا الـبعض على الاحتفال به على أكمل وجه.

 

هكذا، فعلته الكنيسة الجامعة على مرّ القرون، شجعتنا ودعتنا إلى ذكره وتكريمه بنفس الإكرام اللائق بابن الله، مستلهمين منه القيم الروحية والأخلاقية من مذود بيت لحم الفقير، فضلًا عن دروس التواضع والمحبة السامية والتضحية الفائقة.

 

نحتفل اليوم بذكرى ميلاد يسوع المسيح، الإله المتجسّد، الذي بذل نفسه في سبيل خلاص الإنسان، ونزل من عرشه واحتضن طبيعتنا الضعيفة والحساسة لكي يرفعنا إلى مجده السماوي.

 

أما العالم فما زال منشغلا في الإغراءات الأرضية الشيطانية والأفعال الفاحشة، والحروب الظالمة الحالية، والفساد الأخلاقي، ويعارض وصايا الله العشر، ويغوص في الخطايا، التي أضعفتنا وقادتنا إلى ما لا ينبغي فعله.

 

في ذكرى ميلاد يسوع المسيح، الإله المتجسّد الذي بذل نفسه في سبيل خلاص الإنسان من عبوديته ومنحه نعمه السماوية على هذه الارض، نجد انفسنا أمام هذا السؤال: أي احتفال نحتفل به أمام هذه الحقيقة؟ أليس مجيء ابن الله إلى العالم وإلينا؟ أليس مجيئه كان ولا يزال لخلاص البشرية ومصالحتها مع الآب السماوي؟ أليس نزوله من عرشه السماوي كان ولا يزال من أجل تثبيت السلام في ما بين الناس؟ إلا اننا نجد الإنسان يخوض الحروب ويفتك بالأبرياء وينال من حقوق أخيه الإنسان...

 

"إنه لسرٌّ عظيمٌ وعجيبٌ، قد كُشِف لنا اليوم" في مغارة بيت لحم... هكذا نسبّحه ونبتهج به عبر ترانيمنا الروحية.

حقًا، عظيمٌ هو هذا السر، سرّ التجسد الإلهي.

 

ولكن لمن أراد المسيح كل هذا الحب والفداء؟ لنا نحن هذا الشعب الخاطئ وناكر الجميل. لقد هجرنا مذود بيت لحم، وانشغلنا في تبادل الهدايا الفانية،  وأضعنا نعمة اللحظة المجيدة، نعمة الميلاد، ميلاد ابن الله المخلص، ملك السلام. فحبذا في هذه المناسبة السعيدة، لو نعود اليه، مثل الرعاة، متواضعين ونبني لنا في وطننا الحبيب لبنان مجتمعًا نقيًا مبنيا على المحبة والمصالحة في سبيل الإصلاح المطلوب في محوري العدالة والاقتصاد من أجل كرامة الوطن ومستقبل أبنائه.

 

وفي تلك الليلة المقدسة، يقول إنجيل لوقا : "هرعت الملائكة السماوية إلى الأرض، إلى الرعاة الذين كانوا يرعون غنمهم في الحقول متهامسين في ما بينهم واملين بمجيئ المخلص المنتظر منذ زمن، وإذ يتفاجأون بالبشرة السارة: "نبشركم اليوم قال الملاك بفرح عظيم يكون لجميع الشعوب. لقد وُلِدَ لكم اليوم في بيت لحم، مدينة داود، مُخلِّص هو المسيح الرب" (لوقا ٢: ٩-١١).

 

اذهبوا وشاهدوا وباركوا هذا الطفل "مُقَمَّطًا ومضْتجعًا فِي مِذْوَد بسيط" (لوقا ٢: ١٢).

 

وُضِعَ يسوع المسيح، الإله والإنسان، أمس في المذود، واليوم وضع على المذبح، وهو المائدة المقدسة للكنيسة.

 

فما هو المذود إذن، إن لم يكن بداية الخلاص، خلاص البشرية اجمع...؟ وهذه هي نقطة انطلاق مذبحنا الاقدس، ونموذجه..."

 

نعم، طفل المذود، الإله المتجسد، "هو الأمس واليوم والغدً وإلى الأبد" (عبرانيين ١٣: ٨)، يسوع المسيح، سجين المذبج، الممجّد في الأبدية السماوية والحاظر هنا معنا في بيت القربان. مذود بيت لحم، الحالي والقائم بيننا، فهذا هو أسمى تعبير عن محبة الله الفائقة لنا.

 

هنا تحديدًا، في هذا السرّ العظيم للحق والمحبة الإلهية، تحققت بالأمس في بيت لحم، واليوم في كنيستنا، نبوءة النبي إشعيا: "ها هي العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعون اسمه عمانوئيل"، الذي يُترجم إلى "الله معنا" (متى ١٧: ٨). (١:٢٣؛ إشعياء ٧:١٤).

 

إن حضور "الله معنا، عمانوئيل" الدائم، والمبني أيضًا على الوعد الذي قُطع للمسيح القائم من بين الأموات قبل صعوده، "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى ٢٨:٢٠).

 

وُلد يسوع لأجلنا، وهو باقٍ معنا اليوم في القربان المقدس، هو يرانا،  يتبعنا، يحبنا، يعزينا، ينعم علينا، يهبنا الحياة، ويتوقع منّا أن نحبّه ونتذكّره، وأن نتقرب إليه ونعبده، وأن نعبّر عن امتناننا وشكرنا له، بحياتنا اليومية، بعملنا ووظائفنا، بوطنيتنا وحبنا وتمسكنا به.

 

ذكرى ميلاد المسيح اليوم، هي ذكرى السلام والمصالحة،  السلام الذي نتطلع إليه جميعاً، وفي كل أقطار العالم.

 

فلنتذكر زيارة البابا لاوون الرابع عشر، رسول السلام، الذي ركز على السلام طالباً منّا بأن نكون أداة للسلام في لبنان وفي الشرق الأوسط.

 

نعم، لدينا مهمّة مُهمّة وواجب مقدس إن كنا حقيقة أمناء على رسالة الميلاد، وإن كنا مقتنعين بدورنا في السلام.

 

المصالحة تنادينا، والمخلص من مذوده في القربان المقدس ينظر الينا، ويباركنا لكي ننهض بقوة سماوية، وننتقل من الظلام إلى النور،  النور الإلهي الذي تحقق اليوم بميلاد المسيح ابن الله الحي.

 

ولد المسيح! هللويا!