موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٧ أغسطس / آب ٢٠٢٣
البطريرك العبسي يترأس قداسًا حاشدًا في ختام لقاء الشبيبة الكاثوليكيّة السورية الأول

أبونا :

 

ترأس البطريرك يوسف الأول العبسي، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك، مساء الجمعة 4 آب 2023، قداسًا احتفاليًا حاشدًا في دير مار الياس، بمعرّة صيدنايا، في ختام أيام الشبيبة المسيحيّة الأوّل في سورية، بمشاركة لفيف من أساقفة الكنائس الكاثوليكيّة، والكهنة والرهبان والراهبات.

 

وعقدت النسخة الأولى من هذا الحدث خلال الفترة من 2 على 5 آب الحالي، بالتزامن مع الأيام العالميّة للشبيبة التي انعقدت في العاصمة البرتغاليّة لشبونة، تحت شعار: قامت مريم فمَضت مُسرعة"، بالتعاون مع مؤسّسة "عون الكنيسة المتألمة".

 

لا يستطيع أحد أن ينسانا

 

وبعد إعلان الإنجيل المقدّس، حيّا البطريرك العبسي في عظته الشباب المشارك في اللقاء.

 

وقال: "لم يتسنَّ لنا الذهابُ إلى هناك كما تسنّى لشباب العالم. وجع في القلب. إنّما بمجيئكم إلى هنا ذهبتم إلى أبعدَ من لِشبونة. ذهبتم إلى العالم كلّه الذي يشاهدكم وحدكم ويسمعكم وحدكم في هذه اللحظات. بمجيئكم إلى هنا أردتم أن تقولوا للعالم نحن شبابَ سورية لا يستطيع أحد أن يمنعنا من لقاء السيّد المسيح وأمّه السيّدة العذراء. إنّه هو، السيّد المسيح، مِحجّتنا وليس المكان الفلانيّ أو البلد الفلانيّ. وهو الآن معنا. بمجيئكم إلى هنا أردتم أن تقولوا للعالم لا يستطيع أحد أن ينسانا أو يغيّبنا. ظروفنا قاسية لكنّ إيماننا كبير وعزيمتنا ماضية. نحن أيضًا لنا الحقّ كما لشباب العالم كلّه في أن ننعم بما ينعمون به اليوم، باللقاء، بالفرح، بالأخوّة، بالتضامن، وبالصلاة خصوصًا".

 

أضاف: "لن يتسنّى لنا زيارة العذراء في فاطمة لكن عندنا هنا أقدمُ وأعرق من فاطمة، عندنا دير سيّدة صيدنايا ومقام مار إلياس. لم يتسنّ لنا الذهاب إلى لِشبونة لكنّنا نقلنا لِشبونة إلى المعرّة وإلى صيدنايا. فمن هنا نحيّي الشباب الذين في لِشبونة ونضمّ صلاتنا إلى صلاتهم سائلين السيّدة العذراء أن يحلّ السلام في العالم كلّه لكي تنتهي الحروب وتتلاقى الشعوب على الخير والجمال والكرامة والازدهار للجميع".

تحدّوا العالم بالمسيح

 

وخاطب غبطته الشبيبة بالقول: "في عالم اليوم تحدّياتٌ كثيرة متنوّعة ما عادت خفيّة قد تضعفون أمامها، قد تجرّكم إلى ما لا تريدون، قد تنال منكم، قد تشوّه صورتكم، قد تقضي عليكم. لا تنغلبوا لهذه التحدّيات، لا تدعوها تستجرّكم إلى ما لا تريدون. تحدَّوا أنتم العالم بالمسيح الذي تؤمنون به، بالإنجيل الذي تقرؤونه، بالأخلاق الحميدة التي تربّيتم عليها، بالقيم والمثل الكبرى التي تشرّبتموها، بالمحبّة، بالخدمة، بأن تكونوا مواطنين صالحين، بقيمة الإنسان العظمى الرائعة على أنّه صورة الله، على أنّه ابن الله".

 

أضاف: "لا تدعوا أحدًا يسلبكم يسوع المسيح. يحاولون أن يخرجوه من حياتنا، أن يخرجوا الله، أن يقتلوا الله ويرموا به في مطاوي التاريخ. يتحدّون الجميع بفعلهم هذا وقد نجحوا في أماكن من العالم. أمّا نحن فنتحدّاهم بهذا الذي نبذوه وتخلّوا عنه، بيسوع الذي يزعجهم كما أزعج الكثيرين في حياته فقتلوه. قوموا كما قامت مريم وهبّوا لمساعدة العالم على أن يرى أين حرّيّته، أين سعادته، أين حبّه، أين نوره، أين قوّته، أين خلاصه".

لنخرج من علّيّة خوفنا

 

وأشار إلى أنّ الإنجيل هو إنجيل لقاء؛ لقاء مريم بأليصابات، ولقاء المسيح لكلّ واحد بمفرده، "فعلى مثال يسوع نذهب نحن أيضًا إلى الآخر أيًّا كان، رافضين الانكماش والانقباض والانعزال، رافضين أن نعيش في غيتو... ليكن الربّ يسوع هو الجامعَ والرابط بينكم، هو القائد، هو الذي ينير دربكم ويقدّس حياتكم. إذهبوا وقولوا للناس كم اللقاء جميل وبهيج، كونوا النور، كونوا الملح، كونوا الخميرة، كونوا الفرح في مجتمعاتكم، لا تتقاعسوا ولا تقعدوا، كونوا أبناء القيامة ورسل القيامة بالرغم من كلّ ما يصدّكم عن ذلك".

 

أضاف: "لنذهب نحن أيضًا مثل يسوع ونقرع الأبواب. فلنخرج من علّيّة خوفنا. مريم قامت مسرعة وراحت تدقّ باب أليصابات. الناس في حاجة إلى من يقرع بابهم ويدخل ويرى ويسمع ما في بيتهم، ما في قلبهم، ما في حياتهم. لا تنتظروا أن يدقّ الناس أبوابكم أنتم الشباب بل انطلقوا واقرعوا أنتم أوّلًا أبوابهم. قولوا لهم إنّكم تحبّونهم، إنّكم في خدمتهم، قولوا لهم إنّ الحياة جميلة. علّموهم أن يفرحوا، أن يكونوا متفائلين طموحين. لا تتعجّبوا أنتم من العالم بل خلّوا العالم يتعجّب منكم".

 

وأوضح بأنّه "حين انطلقت مريم إلى أليصابات تغرّبت عن أهلها وبيتها وبلدها، لكنّها ما لبثت أن عادت. نشهد في هذه السنوات غربة عن الوطن كثيفة مؤلمة دامية، نرجو أن يتوقّف نزيفها ونرجع نحن أيضًا إلى الوطن. لكنّ هناك غربةً أقسى وأمرّ وأخطر. إنّها الغربة عن الذات، عن الهوّيّة، عن القيم، عن المبادئ. هذه الغربة تحصل لنا ونحن حيث نحن. كما أنّ لنا وطنًا وأهلًا فإنّ لنا ما تربّينا عليه وما بنيناه على الصخرة التي هي المسيح. أنتم اليوم هنا لتؤكّدوا أنّ مثل هذه الغربة لن تحصل، لتؤكّدوا انتماءكم إلى السيّد المسيح، إلى الكنيسة، إلى الوطن. لا تفقدوا هذا الانتماء، إنّه الطريق إلى سلامكم وسعادتكم".

عندنا ما نعطيه ونقدّمه للعالم

 

وشكر غبطته الشبّان والشابّات "الذين تعبوا وسهروا وضحّوا وتحمّلوا عاملين ليلَ نهارَ لتهيئة هذا اللقاء وأنجحوه، على رأسهم حضرةُ الأب رأفت أبو النصر الذي كان  في أساس اللقاء وواكبه وتابعه بمحبّة وتفان وصبر وغيرة وشغف مع فريق عمله. كان التحدّي كبيرًا لكنّكم، أيّها الأحبّاء، تغلّبتم عليه وأظهرتم مقدرةَ الشباب على العمل في الكنيسة وأعطيتم مثالًا في أن لا نضع نحن الشبابَ أنفسنا بإزاء الكنيسة ولا نعتبرَ أنفسنا غرباء عنها بل على العكس برهَنتم أنّكم أنتم، أيّها الشبّان والشابّات، في الكنيسة، أنتم أبناء الكنيسة، أنتم الكنيسة. لقد جعلتمونا نرى كيف أنّنا حين نضع أيدينا بعضِنا مع بعض نبني الكنيسة ونبني الوطن ونصنع من الأحلام حقيقة ومن المستحيل مستطاعًا ومن الصعب سهلًا. بارك الله عليكم.

 

وقال: "الشكر لكم أيّها الشبّان والشابّات المحبوبون على أنّكم أردتم هذا اللقاء وصنعتموه وشاركتم فيه معطين للعالم شهادة في الالتزام الإنجيليّ وفي فرح اللقاء مع الربّ يسوع وبعضُكم مع بعض. تكبّدتم عناء السفر ومشقّة التنقّل وخشونة الإقامة لتقولوا للعالم إنّكم هنا، إنّكم جزء من شباب الكنيسة والعالم. لن تبقى الأمور كما هي الآن. سوف نشارك في الأيّام القادمة مع شباب العالم ومثل شباب العالم مهما طال الزمان. نحن أيضًا عندنا غنًى وعندنا ما نعطيه وما نقوله لشباب العالم ولنا مطرح ودور ولن نتركهما لأحد غيرِنا. أنتم لا تمثّلون أنفسكم وحسب بل تمثّلون شباب سورية، قوّتها، عنفوانها، طموحاتها، أحلامها، سورية التي سوف تقوم كلّها هي أيضًا وتنطلق كما انطلقت مريم لتقدّم خدماتها للعالم وتسهم في إحلال السلام والعدالة".

 

وخلص البطريرك العبسي إلى القول: "في تلك الأيّام قامت مريم وذهبت مسرعة". في هذه الأيّام مَن يقوم ويذهب مسرعًا؟ مَن يقوم مسرعًا إن لم يكن أنتم أيّها الأبناء الشبّان والشابّات المحبوبون؟ السيّد المسيح يناديكم ويقول لكلّ واحد منكم "قم"، "أسرع". فلا تتردّدوا. قوموا، أسرعوا. العالم في حاجة إليكم. الكنيسة في حاجة إليكم. الوطن في حاجة إليكم. وكما أنّ العذراء ابتهجت كذلك أنتم سوف تبتهجون. وكما أنّ الله صنع بها عظائم سيصنع كذلك العظائم بكم. فلكم كلّ الحبّ وأجمل البركة وأطيب التحيّة. آمين".

رسالة ثبات وإيمان ومحبّة

 

وكان المنسّق العام للقاء الأب أنطونيوس رأفت أبو النصر، قد لفت إلى أنّ فكرة إنشاء هذا الحدث قد أتت بسبب صعوبة مشاركة العديد من الشباب السوريين في الأيام العالميّة في لشبونة، بالتالي تبلورت الفكرة من قبل الكنيسة الكاثوليكيّة المحليّة لإنشاء نسخة محليّة تفسح المجال لكلّ الشباب الراغب بالمشاركة من 14 محافظات سوريّة، وتقدّم لهم جرعة من الأمل والتفاؤل الرجاء.

 

وأوضح في تصريحات سابقة لقناة الإخباريّة السوريّة، بأنّ الحدث يشكّل رسالة للثبات والإيمان والمحبّة. وأشار إلى أنّ فئة كبيرة من الشباب، ومع كل أسف، لم تعش الروح السورية الحقّة بعدما نشؤوا كأطفال حرب لأكثر من عقد من الزمان، بالتالي فإنّ الحدث شكّل إعادة إضاءة لهم لحقيقة بلدهم كمهدٍ للتاريخ والحضارات، لاسيمّا وأنّها تحمل تاريخًا مسيحيًا حافلاً.

رسالة البابا فرنسيس

 

وكان البابا فرنسيس قد وجّه، الشهر الفائت، رسالة إلى البطريرك العبسي، أعرب فيها عن فرحه لإقامة هذا الحدث "لأنّ الظروف الأليمة في سورية، والتي نصلي دائمًا إلى الله ليزيلها بسرعة، تحول دون تمكّن الشبيبة في سورية من المشاركة في اليوم العالميّ للشبيبة في لشبونة"، داعيًا الشبيبة في سورية إلى أن "يحملوا مثل مريم، يسوع، ويوصلوه إلى الجميع، فيكونوا بدورهم حاملين للمسيح، وحاملين لمحبته الرؤوفة، ولخدمته السخيّة في الكنيسة، وللبشرية جمعاء".

 

كما دعا قداسته الشبان والشابات في سورية إلى أن "يثبتوا في إيمانهم ورجائهم ومحبتهم بعضهم لبعض ولكلّ بلدهم، وألا يفقدوا الأمل في مستقبل أفضل. وأن يتذكروا أنّ يسوع بجانبهم، والكنيسة بأكملها قريبة منهم، تصلّي معهم وتحبّهم، برجائهم وبشجاعتهم وبتضامنهم سيحيون كنائسهم، وسيبنون بلدهم من جديد، ويعيدون إليه السلام والطمأنينة".