موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٩ أغسطس / آب ٢٠١٧
إميل أمين يكتب: ’القانون الطبيعي، طريق للحوار‘

إميل أمين - كاتب مصري :

<p dir="RTL"><span style="color:#ff0000;">يسعدنا في أسرة موقع أبونا الإلكتروني أن نضع بين أيديكم مقالة خصها الكاتب إميل أمين، من جمهورية مصر العربية، لقراء الموقع، على أن تكون هذه المقالة الهامة باكورة لسلسلة من المقالات الأسبوعية من قبل الكاتب الصديق.</span></p><p dir="RTL">يؤكد القديس توما الأكويني في خلاصته اللاهوتية على ان الإدراك الطبيعي هو شيء مشترك بين البشر أجمعين لذلك يتفقون في قواعد الخير الأساسية كالامتناع عن الكذب والسرقة والتعدي، وإن كانوا يختلفون في تفاصيل أخرى عائدة إلى ظروف الحياة وأطوارها وللعزة الإلهية، كما يرى الأكويني دور محوري في هذه الأمور فالعقل الإنساني الطبيعي ليس إلا الصورة التي شاءها الله، وجعلها تطلب الخير بسجية طبيعية كيانية.</p><p dir="RTL">والثابت حكمًا أنه لكل نوع من أنواع الكائنات الحية نظام يرتب حياته ويبرز هذا النظام بشكل جلي لدى بعض منها كالنمل والنحل، لكن خضوع هذه الكائنات للنظام يصدر عن الغريزة فلا معرفة واعية لديها أو إرادة حرة في التقيد بها، أما في المجتمعات الإنسانية فالأنظمة مرتبطة بالعقل والإرادة أي أنها نوع من التعاقد بين الناس.</p><p dir="RTL">هنا يرى توما الاكويني ان نشوء الاجتماع الإنساني تم وفق قانون طبيعي يجسر &quot;القانون الأزلي&quot; للحياة، لأن الله&nbsp; خلق الإنسان مدنيا بطبعه، ومالكًا بالفطرة لمبادئ الحق والخير الأساسية، ولا يقر مع القديس اغسطينوس بأن غاية الاجتماع هي استمتاع الناس بما يحبون، بل أنها سعي الإنسان إلى تحقيق طبيعته الإنسانية، أي تحقيق غايته كإنسان.</p><p dir="RTL">وهنا فإنه على الدولة أن توفر له العون الذي يمكنه من ذلك، وبالرغم من أن التشريع وممارسة الحكم يعودان إلى الدولة، فإن الكنيسة تكون مسؤولة عن المبادئ الأخلاقية والدينية، فتأتي تشريعات الدولة متناغمة مع هذه المبادئ، لأن الغاية الزمنية التي تنشدها القوانين يجب أن تكون موجهة نحو غاية أبدية لا زمنية عائدة للإرادة الإلهية.</p><p dir="RTL">ويذهب الأكويني إلى أنه كما أن النفس تدبر الجسد، والأب يدبر الأسرة، والله يدبر العالم، كذلك على الحكم أن يتولى تدبير الحياة المدنية. ويشدد على أن حكم الفرد الفاضل خير من الحكم الارستقراطي، والحكم الارستقراطي خير من الديمقراطية،&nbsp; فكلما حصر الحكم في يدي قوة واحدة كان أفضل للناس شرط أن تكون هذه القوة فاضلة، تسعى إلى الخير، لذلك من الأفضل أن يتم تعيين هذا الحاكم الفرد استنادًا إلى الانتخاب الذي يطلب الفضيلة لدى الحاكم، لا استنادًا إلى النسب&nbsp; العائلي.</p><p dir="RTL">وتمتد نظرة القانون الطبيعي إلى نظام الحكم، فيرى الأكويني أن الأنظمة قابلة للتغيير وقابلة للفساد وفق طبيعة الحياة التي تخترقها طبيعيًا جرثومة الشر، وعليه يذهب إلى القول إن خير الأنظمة التي تكفل التوازن والخلاص من الطغيان هو الملكية المعدلة بشيء من الارستقراطية والديمقراطية معًا، أي مجلس ارستقراطي ينتخبه الشعب شبيه بذلك النظام الذي وضعه الله لموسى النبي ذاك الذي كان يحكم بني إسرائيل بمعونة مجلس مؤلفًا من 72 رجلا من الحكماء، ليحكموا الشعب ويكون الشعب قد اختارهم.</p><p dir="RTL">ومهمات الدولة كما يقررها الاكويني تقتضي حماية الناس من الأخطار الداخلية والخارجية، الخطر الداخلي تتم الحماية منه استنادًا إلى القانون الطبيعي للحياة الذي يقضي بضمان حق الإنسان في العيش استنادًا إلى مبدأ العدالة وبضمان حقه في إنشاء علاقته بالآخرين استنادًا إلى مبدأ المساواة. هذا الخير في العدل والمساواة يقره العقل الطبيعي والقانون السرمدي الإلهي معًا، لذلك يجب أن يكون هذا القانون السرمدي الذي ينص على كل المبادئ الخيرة مصدرًا للتشريع إذ لا يحق للحاكم وضع القوانين التي تتعارض وإرادة العزة الإلهية.</p><p dir="RTL">وفي موسوعته الرائدة &quot;الخلاصة اللاهوتية&quot; يذهب الاكويني إلى أن الطبيعة أكثر أهمية للإنسان، حتى وإن كانت النعمة أكثر فعالية من الطبيعة، ولهذا هناك في المنظور الأخلاقي المسيحي مكان للعقل الذي يستطيع أن يميز القانون الأخلاقي الطبيعي، ويمكن للعقل أن يعرفه من خلال اعتباره ما هو جيد عمله وما هو من الأفضل تجنبه لتحقيق السعادة العزيزة على قلب الجميع، والتي تفرض أيضًا مسؤولية تجاه الآخرين وبالتالي البحث عن الخير العام.</p><p dir="RTL">وبعبارات أخرى إن فضائل الإنسان اللاهوتية منها والأخلاقية متجذرة في الطبيعة البشرية وترافق النعمة الإلهية الالتزام الأخلاقي وتدعمه وتدفع إليه، وكل البشر مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين، مدعوون بحد ذاتهم، وفقًا للقديس توما، للاعتراف باحتياجات الطبيعة البشرية المعبر عنها في القانون الطبيعي والاسترشاد بها في صياغة القوانين الوضعية، أي تلك التي تصدرها السلطات المدنية والسياسية لتنظيم التعايش بين البشر.</p><p dir="RTL">ومما لا شك فيه هو أن الجذور الأبعد لفكر الاكويني تعود إلى رسالة بولس الرسول الى أهل رومية (2: 15) حين يتكلم عن الشريعة المكتوبة في القلوب. وعندما عالج الاكويني موضوع الحق الطبيعي في الجزء الثاني من الخلاصة اللاهوتية فإنه اتخذ من الشريعة الأبدية، كما تظهر في قصد الخلق الإلهي، مبدأ أوليًا ومتساميًا على كل نظام ومن الشريعة الأبدية ينبع الحق الطبيعي ويستمد منها معناه.</p><p dir="RTL">والمحقق أيضًا أن الفكر المسيحي لاحقًا أدخل اختلافًا آخر عن الفكر الرواقي، فكما أن الحق الطبيعي يتميز عن الشريعة الأبدية فكذلك يتميز علم الإنسان <span dir="LTR">anthropology</span> عن علم الكون <span dir="LTR">cosmology</span> ويصبح الحق الطبيعي سمة من سمات الكائن العاقل فقط، ولا يعني الكائنات الحية والبيئة الطبيعية المحيطة بالإنسان، لان الحق الطبيعي هو بمثابة قاعدة ونظام لجماعة إنسانية، وهو يعتمد على العقل والحرية، وفي الإنسان المخلوق العاقل فان الخضوع للناموس الأبدي هو اشتراك ايجابي في العناية الإلهية وبالتالي كما يقول توما الاكويني في معرض حديثه عن الحق الطبيعي فالإنسان المخلوق على صورة الله والمسلط على العالم هو عناية لنفسه وللآخرين على صورة العناية الإلهية.</p><p dir="RTL">ولعل أفضل ما يمكن ان نختم به السطور المتقدمة،&nbsp; ما جاء به البروفيسور الأمريكي &quot;رالف بريبانتي&quot;، أستاذ كرسي ديوك الفخري في العلوم السياسية، جامعة ديوك بولاية نورث كارولينا الأمريكية، عبر كتابه الشهير &quot;الإسلام والغرب... تعاون أم صدام&quot;، إذ يرى أن القانون الطبيعي هو -بدون شك- مجال مشترك بين الإسلام والمسيحية، رغم أن أصوله وتعريف ما تزال قضية جدلية في الغرب.</p><p dir="RTL">ويرى بريبانتي أنه لا يمكن توافر الحرية الإنسانية في نظام سياسي إذا كان معيار السلوك الأساسي لا يقوم على قوانين وضعها الإنسان إلى التنكر لمبادئ نواميس الفطرة، وتزيد أهمية القوانين التي يبتدعها الإنسان ونواميس الفطرة إذا ما نظر إليها على أنها من أصل غيبي فإنها تلتقي عندئذ بالإسلام، فالقرآن الكريم هو الجامع لتلك النواميس يليه المصدر الثاني &quot;السنة الشاملة&quot; وهو الحديث الشريف ثم القياس والإجماع والقرآن الكريم، تليه هذه المصادر أساس التشريع الإسلامي.</p><p dir="RTL">والثابت انه يختلف المنظور الإسلامي عن الكاثوليكي من جهة الوحي كأصل لنواميس الفطرة فالوصايا العشر والعهد القديم والعهد الجديد هي في يقين المسيحيين الهام من الله للأنبياء والرسل والحواريين، أما المسلمون فيؤمنون بأن القرآن الكريم وحي من الله عن طريق الملاك جبريل، وهذا يعني مساواة العصمة في الوحي والتوازي في المصدر الإلهي، وهذا التوازي في الرأي بين المسلمين والكاثوليك على نحو خاص حري أن يثمر درجة من التعاون بين الإسلام والمسيحية في كل زمان ومكان.</p><p dir="RTL">وسوف تنعكس أثار هذا التعاون بدورها على الساحة السياسية وسيكون من أثار ذلك أيضًا تقدير أعمق لنواميس الفطرة من حيث قيمتها وحرمتها، وإذا ما توافر المنطق السليم في النظر الى الزمان والمكان، فإن الناتج السياسي لذلك هو إضفاء قيم احترام اكبر للآخرين فضلا عن الأثر السياسي الأثقل وزنا... هل من عبارة نهائية؟</p><p dir="RTL">يناجي توما الاكويني ربه بالقول: &quot;ربي امنحني أرجوك، إرادة تبحث عنك، وحكمة تجدك، وحياة ترضيك، ومثابرة تنتظرك بثقة، وثقة تصل في نهاية المطاف الى امتلاكك&quot;.</p>